سبع أغنيات جريئة كسرت تابوهات المجتمع العربي
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
أثار عرض فيلم “اصحاب ولا أعز” على منصة نيتفليكس موجة غضب على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب أحد المشاهد الذي لم يتعدى الثلاث ثواني، بالإضافة إلي الحوار الذي احتوى على بعض الألفاظ الجريئة، وبدأت موجة استقطاب واسعة ما بين مدافع عن حرية الفن وأن الفيلم ما هو إلا إعادة إنتاج الواقع الذي يرفض المجتمع الاعتراف به، وما بين مهاجم لما راه البعض لا يتناسب مع واقع مجتمعاتنا العربية.
يظل الحديث عن الجنس أو الدين أو السياسة هو الثالوث المقدس للمجتمعات المحافظة ومحظور الحديث عنها سواء في أعمال فنية أو في سياق انتاج أفكار قد تختلف مع أعراف المجتمع الخاصة بهذا الثالوث، والحقيقة أن المجتمع الذي سوف ينهار بسبب مشهد في فيلم أو مقطع من أغنية هو مجتمع هش جدًا يعاني من تفكك في العلاقات ويحتاج إلى إعادة تأهيل وبناء من جديد.
في هذا الإطار سوف نبحر في عدة أغنيات قررت أن تغرد خارج سرب القوالب المعتادة للأغنية وأن تتحدث بجرأة صادمة عن بعض المواقف الحياتية والتي يخجل المجتمع من مجرد الإشارة إليها رغم أنها تحدث فيه بشكل مستمر ، مع التأكيد على أن تلك الأغنيات لم تصنع لأغراض درامية أو للتعليق على حدث بعينه أو لخدمة أجندة معينة، بل صنعت بمحض إرادة الفنانين وصدرت في ألبومات رسمية ونال بعضها شهرته بسبب موضوعها الشائك، و قد يستعيدها نفس الجمهور الذي ثار وهاج وماج بسبب مشهد منى زكي، نقطة أخيرة مهمة هي أن تلك القائمة لم تتبنى الرمزية في صياغة المفردات كي تتجنب الصدام مع المجتمع بل صيغت بشكل مباشر و تحدثت عن مواقف يومية قد يخجل البعض من ذكرها على الملأ.
اقرا أيضًا
تاريخ من الغناء الملفق الشاعر عادل عمر الجزء الأخير
“مشوار ” فيروز
تكتسب أغاني فيروز مع الرحابنة صيغة حالمة نرى فيها عالم خيالي من ضيعة هادئة تكسوها ثلوج بيضاء ويظهر قمرها بدرًا كل ليلة مع قاموس مفردات يحمل رهافة وخفة وعذوبة وهو ما انعكس على مفهومنا تجاه مشروع فيروز التي دائما ما نراها في صورة ملائكية لا تخطئ أبدًا.
قد يبدو هذا المفهوم صحيحًا في نصفه فقط لأن النصف الآخر يحمل مواضيع ومفردات تم تجاهلها حتى لا يتم جرح تلك الصورة الحالممة الشفافة، على سبيل المثال تقول فيروز في الكوبليه الأول من أغنية “فايق يا هوى” “فايق لما راحوا أهالينا مشوار تركونا وراحوا وقالوا ولاد صغار ودارت فينا الدار واحنا ولاد صغار والهوى جمعنا وفرقنا الهوى” وبالطبع الكوبليه رغم أنه غير مباشر إلا أنه يمكن تفسير ماحدث في غياب الأهل بسهولة جدًا.
وبرغم التنظير حول قاموس مفردات الرحابنة الشفاف إلا أنهم امتلكوا جرأة في اختيار بعض المواضيع مثل أغنية “مشوار” التي كتبها الشاعر سعيد عقل والتي تفضح مجتمع الضيعة الذي يلوك النميمة في فمه طول الوقت، وينسج حكايات ملفقة لم تحدث عندما شاهد فتاة وقفت كي تحمي فستانها من المطر بجانب شاب من الضيعة لتبدأ الأقاويل تتناثر على وجود علاقة بينهما وأن الشاب لم يكتفي بذلك بل وضع لها ورد على سريرها لترد عليهم الفتاة كيف وضع الورد رغم علو شباك البيت وكيف عرف سريري من سرير أختى.
يواصل الشاعر سعيد عقل فضح هذا المجتمع الذي أخافته تلك العلاقة بفرض وجودها من الأساس ولم يخف من تلويث سمعة فتاة بترديد أكاذيب مثل أنها ضمها إلي حضنه مرتين وهي استجابت له ولم ترد يده عنها، تلك الأكاذيب وصلت إلي مسامع الفتاة التي احتارت هل أغرمت بالشاب فعلًا أم أن الأمر مجرد خيال لتعلن أنها حلمت به في ليلة وهو يحملها على كتفه ويطيروا بعيدًا عن تلك الضيعة وتتساءل إن صح الحلم شو صار ، هل تهدم النظام الاجتماعي للضيعة وهل اختل ناموس الكون من مجرد علاقة عاطفية بريئة.
هذه الأغنية صدرت في العام 1960 وواجهت المنع من الإذاعة اللبنانية لأسباب لخصتها أنها احتوت على ألفاظ ومفردات نابية تخدش حياء المجتمع، رغم واقعية القصة التي حدثت ولا زالت تحدث حتى الأن ليس في الضياع اللبنانية ولكن في كل الوطن العربي.
“على غفلة” رشا رزق.
بعيدًا عن تنظير النسوية واقحام ألفاظ جريئة خارج السياق، تدخل رشا رزق عقل فتاة عربية تقليدية جدًا لا يهم أن كانت تعيش في سوريا أم في مراكش أو في القاهرة، وتحكي لنا بسخرية لاذعة عن زواج الصالونات والعريس المنتظر الذي جاء إلي المنزل على غفلة في منتصف النهار بينما هي منهمكة في تنظيف المنزل ليبرر مجيئه مبكرًا وبلا أي ميعاد سابق بأنه يريد أن يراها على طبيعتها.
هذا العريس الذي قدم لخطبة فتاة وضع شروطه مسبقًا بأن يتحدث معها كي يعرفها أكثر قبل أن يتقدم إلي خطبتها بشكل رسمي، وبدأ في خبث تفحص جسدها وسألها عن اسمها لتجاوب عليه بنفس الخبث وتذكر اسم أختها.
تلك الفتاة الطبيعية جدًا قررت انه ما دام اشترط أن يراها على طبيعتها إذن فلنحكي كل شئ دون تجميل، فقالت أنها مثل كل الناس تخطأ كثيرًا لكنها تحمل قلبًا حساسًا، وانها تدير ظهرها للشحاتين وتقضي أوقات فراغها في النميمة مع أصدقائها، وانها تكذب عندما تضطر إلي الكذب وتعرف الحلال من الحرام وتقف أمام المرأة كثيرًا، ولا تفضل النوم مبكرًا وتحب مشاهد الغرام في الأفلام وتبكي مع أبطالها وأحيانا تبكي قبل أن تنام.
وبالطبع طار العريس المنتظر الذي شاهدته في عرس أخته بعدها بشهر يتأبط ذراعه فتاة أجنبيه قيل أنه تزوجها أو كانت زوجته لا يهم المهم أنها حلوة لكن غبية وبالطبع تغاضي العربي عن كل عيوبها لمجرد أنها حلوة وأجنبية.
صاغت رشا رزق كلمات الأغنية بلغة مباشرة مسددة عدة لكمات لزواج الصالونات التي يرى العريس فيه الفتاة مجرد وعاء للجنس وحمل الأطفال وأيضًا إلى الخطاب النسوي الذي هو عبارة عن جعجعة بلا طحن و يتبنى عدة قضايا لا تهم المرأة العربية في الغالب.
“شارع الهوى” محمد محى.
تفضح تلك الأغنية المعايير المزدوجة داخل المجتمع الذي يعطي الرجل حقه في أن يكون له علاقات عاطفية في حين أنه يحرم ويجرم الأمر على الفتاة.
بكلمات مباشرة جدًا يحكي الشاعر المختلف والجرئ جدًا مرسي السيد عن أنه أثناء سيره صحبة فتاته شاهد أخته تسير صحبة رجل في شارع معروف عنه انه ملتقى الأحبة والمغرومين.
كعادة أي رجل غضب من الموقف لكنه احتوى ثورة غضبه عندما تذكر أنه يسير جنب فتاة هو الأخر وأن أخطأت أخته فهو بالطبع أخطأ بل وورط فتاة اخرى معاه في نفس الخطأ.
تلك الأغنية اثارت استهجان الكثيرين كونها دخلت منطقة شائكة لا يحبذ المجتمع الذي يعاني من ازدواجية مفرطة في معاييره الحديث عنها.
“الطول واللون والحرية” محمد منير.
بكلمات جريئة وصادمة يعالج الشاعر عصام عبد الله صراع نفسي يقع فيه بطل الأغنية ما بين الوقوع في الخطيئة وما بين تحكمه في نفسه التي يعرف ضعفها جيدًا وتعرف هي كنوز العفة أكثر.
كما فسرها صديقي وزميلي الكاتب عمرو شاهين بأن الأغنية عبارة عن حوار منقوص بين فتاة شديدة الجمال تواصل إغواء شاب الذي يعرف جيدًا أنه لو استسلم سيقع في بئر سحيقة من اللذة لذا يقرر من البداية الأ يقع في الأسر.
صياغة عصام عبد الله صياغة عصام عبد الله جاءت بألفاظ صادمة وكلمات جرئية قلما نجدها في أغنية مصرية، وورطنا مع بطل الأغنية في صراعه مع نفسه التي يعرف مواطن ضعفها وقوتها.
“عشت سنين” انغام
أهم أغنية في القائمة كلها ومن أكثر الأغاني الاندر ريتد في تاريخ أنغام، يغوص الشاعر بهاء الدين محمد في بحر العلاقات العاطفية ليخرج لنا برؤية جديدة وصادمة عن زوجة عاشت في كنف زوجها سنوات لكن مشاعرها لم تكن معه، رغم عدم وجود حبيب آخر وهو واقع تخشى أغلب النساء المجاهرة به حتى لا توصم بالخيانة.
الفكرة جريئة جدًا خصوصًا أنها على لسان امرأة أقرت أنها أجبرت على الأعتراف بحبه لها حتى لا يتسلل الشك إليه، ثم واصل الطرق بقوة عبر تسلسل بديع جدًا وبكلمات مباشرة دون أية إسقاطات ليصل في النهاية إلى أنها تعترف بوقوعها في حبه بعد ان لامت نفسها كثيرًا أنها لم تكن تراه الرجل الذي يستحق قلبها،النهاية جاءت سعيدة من رجل امتلك فروسية نادرة بأنها احتواها واستمع إليها وصدق أنها لم تخونه.
“هزني” فرقة المصريين.
من أكثر الأغنيات التي تعبر عن فرقة المصريين ، فهي تشبه ما فعلته هذه الفرقة من هزة في عالم الأغنية المصرية، فكرة الأغنية صدامية جدًا تتحدث عن جيل يبحث عن ذاته ويريد التعبير عن نفسه جيل يرفض أن يكون تابع لأجيال أخرى تمارس رقابة متزمتة على مشاعره وأفكاره.
الأغنية التي تقف في أقصى جوانب التمرد الفني على الإطلاق، تحمل أفكارًا تقدمية لم يجرؤ أحد على غنائها من قبل، تتحدث بصدق عن الجيل الجديد الذي يحاول الخروج من الشرنقة المظلمة من العادات والتقاليد البالية دون شعارات حنجورية طنانة.
أغنية تفضح المجتمعات المنغلقة التي تولد أجيالًا مشوهة فكريًا ونفسيًا، تأتي كصرخة قوية ضد الكبت والقمع اللذين ينتجان في النهاية تطرفًا فكريًا.
“أنا مش كافر ” زياد الرحباني
يثور زياد الرحباني على كل شئ بداية من اللغة ويتخطى الحواجز و يعلن احتجاجه في أغنية سياسية لاذعة تفضح من يتحكمون في مصائر الشعوب وجلبوا لهم الفقر والجوع والذل ولم يكتفوا بذلك ويواصلون قهرهم باتهام من يثور على تلك الأوضاع بأنه كافر وعميل ويشغل الفتن داخل الوطن.
بكل شجاعة و قاموس ألفاظ فظ لا يخشى أحد يعلنها بكل وضوح ومباشرة “أنا مش كافر هيدا أنت الكافر عرفوا مين الكافر وقلنا مين الكافر أنا مش كافر متل ما عم قلك عم بتحطها فيا كونك شيخ الكافرين .. آمين”
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال