“سفسطة بلا هدف” نقد مشهد إحنا التلاتة على باطل في الحشاشين
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
رتابة شديدة جدًا ظهرت فيها شخصية عمر الخيام طوال الرُّبْع الأول من حلقات مسلسل الحشاشين، تُوِّجَت بمشهد إحنا التلاتة على باطل الذي جمع بين عمر الخيام والوزير نظام الملك في الحلقة 8 من الحشاشين حيث جاء الأخير لسؤاله عن صف الحق وأيهم يقف فيه (الخيام، نظام الملك، حسن بن الصباح).
هو عمر الخيام عايز إيه ؟
لسنا بصدد النقد الفني لشخصية عمر الخيام التي ظهرت في مسلسل الحشاشين، فملامحها لم تكتمل بعد أو بالكاد أوشكت على الاكتمال، فالأفضل التريث لحين اكتمال الشخصية.
مشكلة شخصية عمر الخيام في نص المؤلف عبدالرحيم كمال، أنه إلى الآن لم نعرف ماذا يريد؟، بل ولم نعرف ما هو أصلاً، فهو يتأرجح بين شخصية حائرة بلا معنى، ومذبذبة بلا فحوى، وبين شخصية صوفية تفر من نفسها وتلك تيمة مشتركة بين أغلب الشخصيات التي اعتدنا من أعمال عبدالرحيم كمال أن نراها (كامل في مسلسل الرحايا – الشيخ سلام في شيخ العرب همام).
إحنا التلاتة على باطل .. قول باطل
يرى عمر الخيام أن سبب بطلان الثلاثة هو أن عمر الخيام عبد لخوفه، وحسن بن الصباح عبد لنفسه، ونظام الملك عبد للسلطان، فضلاً عن أن المعركة التي ستندلع بين نظام الملك وبن الصباح معركة خاسرة ليس فيها منتصر.
اقرأ أيضًا
“لم يكن قيدت نفسي” ننشر كلمات عهد الحشاشين وتفاصيل أجواء أداء القسم
هذه الرؤية باطلة، وقبل توضيح سبب بطلانها ينبغي التأكد من أنه ليس هناك حجر على خيال المؤلف ولا يمكن للمشاهد أو حتى الناقد أن يقول لمؤلف (مفروض تكتب كذا)، لكن من حق المشاهد أن تكون له (ذائقة)، وذائقة المشاهد لا يمكن أن تستسيغ هذا المشهد برُمَّتِه، إن أضفنا أبعاد الشخصية الحقيقية تاريخيًا، وحتى لو نحينا التاريخ جانبًا والتزمنا بالمسلسل نفسه سنجد تضادًا.
العوار الذي فيه نص عبدالرحيم كمال مع شخصية نظام الملك أنه يتضاد تمامًا مع حقيقته التاريخية ويتضاد أيضًا مع بناء الشخصية طوال حلقات المسلسل الفائتة فمثلاً من الناحية الفنية، فإن شخصية نظام الملك طوال 7 حلقات لم يظهر عليها أي ملمح تدين كما هو معروف في كتب التاريخ، إلا من خلال مشهدين، أحدهما في ح5 خلال لقاءه مع الإمام أبو حامد الغزالي، والآخر عندما غضب على نافخ البوق في ح6 بسبب أنه سكير؛ بينما أخذت مواجهاته مع الباطنية مأخذًا سياسيًا وقليل من مشاهده أخذت شكلاً دينيًا، لكنه أظهر أن نظام الملك له حس ديني رافض للباطنية؛ بالتالي على أي أساس يظهر نظام الملك محتارًا في أمره.
أما من الناحية التاريخية، فإن عبدالرحيم كمال ضرب (شانيور وليس مفك) في حقيقة نظام الملك تاريخيًا، فالرجل لا يمكن أن يرتاب لدرجة أن يسأل عمر الخيام عن هذا الأمر، وعلى فرض أنه ارتاب، فإن المسلسل نفسه أظهر مدى القرب بين نظام الملك والإمام الغزالي، فلماذا لا يجمعهما عبدالرحيم كمال في مشهد واحد بعد مشهد عمر الخيام (هو حر طبعًا لكن هناك شيء ناقص ومتناقض، ولربما عبدالرحيم كمال يخلف ظننا في الحلقات القادمة)؛ لكن المسلسل نفسه اعتبر عمر الخيام شاعر وفلكي وليس رجل دين، فهذا السؤال يسئل للغزالي وليس للخيام وبذلك يكون المشهد مقنعًا وله صلة بالأفكار، لكن المسلسل نفسه إلى الآن لم يتناول الفكر الباطني حتى ينقده.
يضاف إلى ذلك أن نظام الملك في حقيقته التاريخية كان مشتغلاً بعلميّ الحديث والفقه، ولإدراكه بخطورة الأفكار الباطنية ومدى خروجها عن الدين، واجهها في البداية فكرًا عن طريق مدارسه، قبل أن تحدث المواجهات العسكرية، وللرجل مذكراتٍ تتجلى فيها هذه الأمور، وعندما كتب عن الباطنية يبدو عليه كثيرًا التأثر بكتب الإمام الغزالي.
فأيضًا على أي أساس يحدث الاقتناع بمشهد إحنا التلاتة على باطل، وحتى مسألة أن نظام الملك عبد للسلطة، فليس في إخلاص المسؤول لدولته أي عبودية لحاكم، فما بالك وأصلاً نظام الملك قد اختلف مع ملكشاه بسبب تقريب الأخير للباطنية وذكر ذلك في مذكراته صراحةً؛ فلكل هذه الأسباب مشهد إحنا التلاتة على باطل قول باطل ويأتي سؤال: على أي أساس نقتنع به؟ بالتأكيد ليس بمبدأ المخرج عايز كده ؟!، المسألة تحتاج لمنطق والمشهد ليس فيه منطق لا تاريخيًا ولا حتى فنيًا.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال