همتك نعدل الكفة
598   مشاهدة  

سيد درويش مسيرة قصيرة وأعمال خالدة (5) رفض الأهل وسلامة حجازي يظهر

سيد درويش مسيرة قصيرة


انتهينا في الحلقة السابقة من سلسلة سيد درويش مسيرة قصيرة وأعمال خالدة حيث الدور الذي أرفقه الشيخ سيد بالتماسه لدى الخديوي عباس حلمي الثاني طالبا منه أن ترشحه الحكومة المصرية لدراسة الموسيقى بالخارج على نفقتها، وكان الخديوي قد رفض طلبه مكتفيا بمنحه مكافأة مالية.

اقرأ أيضًا 
سيد درويش مسيرة قصيرة وأعمال خالدة (1) أجواء اكتشاف الموهبة

عاد سيد إلى عمله الفني بالغناء في المقاهي الكائنة بدائرته، بعد أن تخير لنفسه مجموعة من العازفين المتقنين، ومن أشهر المقاهي التي غنى بها سيد: “مقهى شيبان” في شارع التتويج قرب حلقة السمك، “مقهى سلامون” في المحمودية، “مقهى الإسماعيلية” في محرم بك، “مقهى السلام”.

اقرأ أيضًا
الشيخ سيد درويش مسيرة قصيرة وأعمال خالدة (2) قصة الحفل الأول لفنان الشعب

ازدادت شهرة سيد درويش وذاع صيته في الأوساط الفنية حتى وصل للقاهرة، وفي أحد المواسم الصيفية بمدينة الإسكندرية وبمحض الصدفة، كان أحد العاملين بفرقة الشيخ سلامة حجازي جالسا في المقهى الذي يغني به الشيخ سيد درويش، فأذهله ما سمع، وأعجب بأداء سيد إعجابا شديدا، فسارع إلى الشيخ سلامة حجازي يقص عليه ما وجده وما سمعه، فتشوق الشيخ سلامة حجازي إلى الاستماع لهذا الشاب، فأرسل إليه يدعوه لمقابلته، فلما وصل رسول الشيخ سلامة حجازي إلى الفنان سيد درويش وأخبره أن الشيخ سلامة يدعوه لمقابلته في القاهرة، رفض سيد مغادرة مقهاه، معبرا عن ذلك بقوله: من أن أراد أن يستمع لي فليتفضل مشكورا بالحضور لهذا المقهى المتواضع، أما أنا فلن أنتقل من هنا، تعجب رسول الشيخ سلامة حجازي من فعل سيد درويش ذلك الفنان الناشيء، كيف له أن يرفض دعوة زعيم المسرح الغنائي آنذاك “الشيخ سلامة حجازي”، وعاد يقص على الشيخ سلامة حجازي ما حدث، وكم هو مغرور ومتكبر ذلك الفنان الناشيء الذي يدعى سيد درويش، ولكن الغريب في الأمر كان رد فعل الشيخ سلامة حجازي الذي أعجبه اعتزاز الشيخ سيد بنفسه وفنه وكرامته، وأصر على أن ينتقل هو إلى الإسكندرية ليسمعه، وبالفعل سافر له الشيخ سلامة ليسمعه وأطربه ما سمع منه وأعجب بفنه ودعاه إلى اللحاق به كي يقدمه لجماهير القاهرة.

أسرة سيد درويش تثور عليه

حال منزل سيد درويش
حال منزل سيد درويش

خلال جولات الشيخ سيد درويش بالمقاهي تعرف على “جليلة”، وأعجب بها بل وأحبها وصارت ملهمته، إلا أن أسرته لم يعجبها ذلك فثارت عليه، ولا عجب فتلك كانت التقاليد الاجتماعية للأسر المحافظة في مجتمعنا المصري القديم، الذي كان ينظر للممثل “المشخصاتي” بنصف عين، ويستمع للمغني بنصف أذن، وأصرت الأسرة على أن يعتزل سيد درويش حياته الفنية للأبد.

اقرأ أيضًا 
الشيخ سيد درويش مسيرة قصيرة وأعمال خالدة (3): الحظ يبتسم لفنان الشعب

في بداية الأمر لم يستطع سيد أن يعترض على رغبة أسرته، وبالفعل اعتزل الحياة الفنية فسرح أعضاء فرقته التي كانت تلازمه في جولاته، وتفرغ للعمل مع صهره في تجارة الأثاث، إلا أنه لم يستطع الاستمرار في مجاراة أهله ورغباتهم القاتلة بالنسبة له، والتي عبر عنها في كلمات دور في شرع مين (في شرع مين قاضي الهوى يذله خصمه ويحكمه)، وسرعان ما أعادته رغبته وحنينه إلى الغناء وإلى محبوبته “جليلة” مغنيا لها في هذا الدور ( تركت أهلي، وملت لك، والناس بتعطف على الغريب).

سيد درويش ينتقل إلى القاهرة

سيد درويش
سيد درويش

تضاربت الأقوال بخصوص موضوع اكتشاف سيد درويش واستدراجه إلى القاهرة، فمصطفى رضا عازف القانون ورئيس معهد الموسيقى العربية فيما بعد، يروي أنه ذهب مع الشيخ سلامة حجازي إلى الإسكندرية عام 1910م واستمعا إلى سيد درويش الذي اشتكى إعراض الجمهور عن ألحانه، إلا أن الشيخ سلامة حجازي قد شجعه على ألا يغني غير ألحانه لأن الجمهور سيقبل عليها فيما بعد.

أما يونس القاضي وكان من أصدقاء الشيخ سيد، فيحكي أنه أخذ الشيخ سيد درويش إلى القاهرة عام 1914م، كذلك سجل الشيخ زكريا أحمد في مذكراته التي كتبها بنفسه، أنه تعرف على الشيخ سيد درويش وزاره عدة مرات قبل عام 1916م، وأنه قصده في الثالث من يناير 1916م في الإسكندرية، وأخذه معه في اليوم التالي إلى القاهرة ليغني في مسرح محمد عمر، ويحكي الشيخ زكريا ما حدث ليلتها فيقول: أن سيد غضب غضبا شديدا لأن أجره ليلتها كان خمسة عشر جنيها فقط، فيما كان أجر صالح أفندي عبد الحي مائة جنيه، لذلك عاد إلى الإسكندرية على الفور مفضلا الغناء في المقاهي نظير أجر أقل من ذلك بكثير.

يقول الدكتور فيكتور سحاب في كتابه “السبعة الكبار” بخصوص انتقال سيد درويش إلى القاهرة «أول ما رصدناه من الدلائل على عمل سيد بالقاهرة كان إعلان في أول فبراير 1917م، في صحيفة المقطم، وفيه أن إدارة كازينو غلوب أنشأت خلف مخازن شيكوريل مسرحا جديدا للتمثيل العربي والأفرنجي سيفتتح في مساء يوم 1 فبراير 1917م، وقد ألفت للتمثيل فرقتين إحداهما عصرية والأخرى أدبية، وفي مقدمة ممثليها الممثل المشهور عمر وصفي، وقد عهدت بوضع ألحان الجوقين الكوميدي والأوبريت إلى الشيخ سيد درويش، وأدخلت أوركسترا شرقي مع الأوركيسترا الأوروبي لتوقيع الألحان، وتلك كانت المرة الأولى التي تقترن فيها الموسيقى الشرقية بالموسيقى الأوروبية على مسارح التمثيل، وقد عهدت إدارة الكازينو إلى فرح أفندي أنطون في وضع الرواية الأولي لهذا الجوق».

كذلك ظهر إعلان آخر في صحيفة المقطم بتاريخ 17 فبراير 1917م، وقد ورد فيه: يطرب الحضور في مساء هذا اليوم في كازينو البوسفور المطرب الشهير والملحن المقتدر الشيخ سيد درويش الإسكندري، على تخت محمد أفندي العقاد ومعه سامي أفندي الشوا، إلا أن الشيخ سيد درويش قد فشل في البوسفور فشلا ذريعا حمله على طرد “جليلة” فعاد إلى الإسكندرية مكسورا يجر أذيال الخيبة، فمن ناحية خسر حبيبته ومن ناحية أخرى فشل في إثبات ذاته بفنه، أو بالأحرى لم يفهم جمهور القاهرة فنه.

الشيخ سلامة حجازي يدعم فنان الشعب سيد درويش

سلامة حجازي
سلامة حجازي

عاود الشيخ سلامة حجازي زيارة الشيخ سيد درويش بالاسكندرية، وما كاد الشيخ سلامة يعرف بعض متاعب الشيخ سيد درويش في الحياة حتى بادر بإقامة حفل لعرض رواية (غانية الأندلس) على مسرح برنتانيا بالقاهرة، وقد خصص إيراد العرض بالكامل للشيخ سيد درويش، ولو أن الشيخ سلامة حجازي كان معروفا بجميل خصاله وحلو شمائله ورجولته النادرة وحبه الشديد لأبناء فنه، إلا أن سيد درويش كان عزيز النفس لم يقبل بالعرض على إطلاقه، فاشترط على الشيخ سلامة حجازي ألا يأخذ شيئا إلا اذا قام بعمل يستحق عليه المكافأة.

إقرأ أيضا
سيد درويش
سيد درويش
سيد درويش

أبى الشيخ سيد إلا أن يوافيه الشيخ سلامة إلى حيث يغني، فوافقه الشيخ سلامة حجازي وأعجب بطباعه، فاتفقا على أن يغني الشيخ سيد درويش بين فصول الرواية، إلا أن الشيخ سيد لم يلق قبولا لدى الجمهور آنذاك، فقابله بفتور وإعراض شديدين، مما دفع الشيخ سلامة حجازي إلى ما يشبه توبيخ الجمهور على سوء تقديرهم للشيخ سيد وسوء فهمهم لفنه قائلا لهم: ومع ذلك فالشيخ سيد درويش هو مستقبل الموسيقى والغناء في الشرق وهو خليفتي، إلا أن الشيخ سلامة مات بعد تلك الواقعة بأقل من أسبوع، ليعود سيد من جديد إلى الاسكندرية، ولكن تلك المرة لم يتطرق اليأس أو الانهزام إلي قلب سيد، لانه كان يعرف جيدا أن الجمهور كان منصرفا عنه إلى فن الشيخ سلامة حجازي، ذلك العلم الفني وقتها.

الشيخ سيد درويش يغني بحضرة الشيخ المسلوب

الشيخ سيد درويش
الشيخ سيد درويش

أتيحت للشيخ سيد درويش فرصة حضور حفل ليلي أحياه المطرب ذائع الصيت في ذلك الوقت، ورائد من رواد الموسيقى العربية في القرن التاسع عشر، وهو الشيخ محمد عبد الرحيم المسلوب، وبعد أن انتهى الشيخ المسلوب من غنائه أراد سيد درويش أن يثبت جدارته وأن يعلن فنه ويعبر عنه أمام المسلوب الذي يعتبر شيخ طائفة الموسيقيين، فبدأ يغني لحنه الجديد دور ( في شرع مين) فتداعت على سيد الكثير من المشاعر المختلطة فأخذ يهيم في غنائه ودموعه تنهمر ، وكانت المفاجأة عظيمة لكل الحضور، ومن بينهم المسلوب وكثير من الموسيقيين، ومع طرب صوته وعظم موهبته ودموعه التي تنهمر معبرة عما به، انبهر به الحضور واستولى على قلوبهم وظفر بإعجابهم وتقديرهم، وكأن الحياة تريد مصالحة سيد من جديد بعد إعراض الجمهور عنه في القاهرة.

اقرأ أيضًا 
فنان الشعب سيد درويش (4) المغني في بلاط السياسة والساسة “عباس قبل سعد”

إلى هنا أعزائي القراء نصل لنهاية الحلقة الخامسة، على أن نكمل تلك المسيرة الشيقة في الحلقة القادمة.
دمتم في سعادة وسرور.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
3
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان