120 مشاهدة
ملف الأغنية الشعبية في مصر (3) : فنان الشعب سيد درويش
لم يمنح خالد الذكر سيد درويش لقب فنان الشعب من فراغ، حيث التحمت أغنياته بكافة طوائف الشعب بداية من زعمائه حتى العمال والفلاحين في حقبة زمنية ملتهبة جدًا على كافة المستويات سياسيًا، إجتماعيًا واقتصاديًا.
منذ قدومه إلى القاهرة في العقد الثاني من القرن العشرين حقق سيد درويش شعبية كاسحة شهدت عليها مسارح القاهرة ومقاهيها وحاناتها المتفرقة بإنتاج مكثف جدًا في فترة زمنية لم تتعدى السبع سنوات هي كل عمره الفني، لست بحاجة إلى الحديث عما فعله درويش في تطوير الموسيقى المصرية والعربية حيث دائمًا ما يأتي على رأس قائمة المجددون في تاريخ الموسيقى العربية الحديثة لكن هنا تحديدًا سوف نطل على سيد درويش الملحن والمطرب الشعبي الذي لعب دورًا حيويًا في تشكيل الهوية الموسيقية للأغنية المصرية خلال أوائل القرن العشرين.
نشأ درويش في حي شعبي “كوم الدكة” وعندما انتقل إلى القاهرة سكن في باب الخلق ثم انتقل إلى جزيرة بدران في شبرا وهما من الأحياء الشعبية ايضًا، كون مع رفيقه بديع خيري ثنائيًا مدهشًا لم يتوانى عن التعبير عن صنوف الشعب المصري حتى أنه هرول سريعًا في أحدى المرات كي يلحق بحمالًا كان يتغنى بلحنًا شعبيًا وصاغ عليه بديع خيري طقطوقة “مليحة قوى القلل القناوي” وهذا يفسر انغماسه في الألحان الشعبية المصرية حيث التقط منها الكثير وطور فيها وبرغم اشتراكه في صنع بعض الطقاطيق الشعبية الخفيفة في فترة رواج هذا القالب جماهيريًا مثل “حرج عليا بابا، يا بابا ليه ما تدلعنيش” إلا أن أشهر طقاطيقه هي التي دمجها مع مواضيع معاصرة تناولت قضايا اجتماعية وسياسية فكان صوتًا للناس العاديين والمهمشين.
عن أغنية محمد منير يا فلسطيني والتفتيش في الدفاتر القديمة
شعبيات سيد درويش.
في الأجزاء الاولى اتفقنا أن قالب الطقطوقة هو القالب الأشهر للأغنية الشعبية إلا أن أغاني سيد درويش الشعبية لم تقتصر على الطقاطيق فقط، حيث صنع أدوارًا قد تصنف تحت الغناء الشعبي منها اشهرها “أنا هويت وانتهيت” وبعض الموشحات الهامة مثل “يا شادي الألحان”التي لازالت راسخة في وجدان الشعب المصري حتى الأن.
يرصد محمد على حماد في كتاب “سيد درويش حياة ونغم” حوالي 66 طقطوقة لحنها سيد درويش التزم فيها بالشكل التقليدي لقالب الطقطوقة من حيث تشابه ألحان الأغصان “الكوبليهات” ثم العودة في نهايته إلى لحن المقدمة “المذهب”.
ظهرت أغلب طقاطيق سيد درويش داخل فصول المسرحيات التي لحنها وبمرور الوقت صارت أشهر من المسرحيات نفسها، من أشهر تلك الطقاطيق “زروني كل سنة مرة” التي غناها المطرب حامد مرسي وسجلها فيما بعد زكي مراد و المطربة فتحية أحمد واستعادها الأخوين الرحباني برؤية موسيقية معاصرة بصوت جارة القمر فيروز،“الحلو دي” تعتبر من أشهر طقاطيق سيد درويش التي لازالت تستعاد حتى الآن من مسرحية “ولو” وغنتها المطربة الكبيرة فتحية أحمد.
في زاوية هامة من إنتاج درويش تقف الألحان التي غناها للطوائف و الصنايعية والعمال منها على سبيل المثال لحن الشيالين المعروف بـ “شد الحزام على وسطك” من مسرحية “قولوا له” ،لحن الموظفين “هز الهلال يا سيد” وفيه يتضامن مع الموظفين المقتطع من رواتبهم عشرون يومًا بسبب اشتراكهم في الإضراب من مسرحية “كله من ده”، لحن السقايين “يهون الله يعوض الله” والذي يعبر عن أزمة السقايين مع شركة المياه الأجنبية وعبر عن معاناة بعض الطوائف الأجنبية التي تعمل في مصر في ألحان “الأورام” و”دنجي دنجي”.
يظل سيد درويش رمزًا للتراث الموسيقي المصري ورائدًا في قدرته على التقاط روح عصره و انغماسه في تقاليد ومشاكل الشعب المصري وثبت مكانه كشخصية أسطورية في سجلات الموسيقى المصرية فاستحق عن جدارة لقب فنان الشعب الأول.
المصادر
“سيد درويش حياة ونغم ” محمد على حماد
“السبعة الكبار في الموسيقى العربية المعاصرة” فكتور سحاب
الكاتب
ما هو انطباعك؟
