سيرجي كريكاليف.. ذهب لرحلة في الفضاء ولم يتمكن من العودة بسبب سقوط بلاده

تخيل أن تكون رائد فضاء في رحلة فضائية لإجراء مهمة ما، وعندما يُحين موعد العودة، لا تتلقى سوى رسالة واحدة فقط، وهي “نعتذر لك، ابق في الفضاء، لا يمكننا إعادتك إلي الأرض لأن الدولة التي أرسلتك لم يعد لها وجود”!.هذا بالضبط ما حدث مع” سيرجي كريكاليف”.

سيرجي كريكاليف هو رائد الفضاء الروسي الذي تم إرساله إلى الفضاء عام 1991م، في مهمة بحثية لمحطة الفضاء الروسية “مير”، والتي كانت أكبر وأهم محطة فضاء آنذاك، وكان بصحبته رائدة الفضاء البريطانية “هيلين شارمان”، والروسي “أناتولي أرتسبراسكي”.

رحلة ذهاب بلا عودة

تجهز الرواد الثلاث، وانطلق بهم الصاروخ إلى الفضاء، وكانت المدة المحددة لتلك الرحلة هي خمسة أشهر فقط، وذلك تفاديًا للإصابة بالسرطان، أو حدوث ضمور للعضلات، أو تعرضهم لأي إشعاعات ضارة، وبمجرد أن وصل الصاروخ للمحطة، انغمس كل منهم في أداء مهمته على أكمل وجه.

الثورة الجنسية الكبرى في أوروبا .. كيف أدت تلك الواقعة لشيوع الإباحية بالغرب ؟

وفي نفس الوقت على الأرض كان العالم يتشكل من جديد، انهارت العديد من الحكومات، وتغيرت الجنسيات، وظهرت بلاد جديدة على الساحة، واختفت بلاد أخرى.

أول من أتمم مهمته، كانت هيلين، والتي عادت إلى الأرض على الفور، ولحق بها أناتولي بعد عدة أيام، وظل سيرجي وحيدًا، يُكمل مهمته، وعندما حان موعد رجوعه، لم يتلق أي أوامر من رؤسائه، حاول التواصل معهم كثيرًا، ولم يتلق سوى إجابة واحدة، “نعتذر لا نستطيع إعادتك الآن”، توقع سيرجي أن يكون هناك أزمة مالية، ستنتهي بعد عدة أيام، واستمر في دورانه الروتيني حول الأرض، والتي كانت تبدو بمظهر هادئ لطيف، على عكس ما يدور في الحقيقة، حيث كانت الدبابات منتشرة في كل مكان داخل موسكو، حيث قام انقلاب على ميخائيل غوباتشوف، رئيس الاتحاد السوفييتي آنذاك، وتم الإعلان عن سقوط الاتحاد السوفييتي في السادس والعشرون من ديسمبر 1991م.

حياة سيرجي في الفضاء

بدأت حالة سيرجي النفسية في التدهور تمامًا، فهو معزول عن الأرض منذ ما يقرب من السبع أشهر، وسببت عزلته عن البشر في دخوله حالة اكتئاب، خاصة مع مشهد الأرض الذي يراه طوال الوقت، ورغم ذلك لا يستطيع العودة إليها، مما تسبب في شعوره بالعجز، وظلت محاولاته في التواصل مع الأرض مستمرة، حتى جاء الرد النهائي مع بدايات العام الجديد، “نعتذر لك، ابق في الفضاء، لا يمكننا إعادتك إلي الأرض لأن الدولة التي أرسلتك لم يعد لها وجود”، انهار سيرجي بالطبع، ولم يستطع أن يجد حلولًا لأزمته، فقرر أن يحاول التأقلم وألا ييأس لربما ينقذوه يومًا ما، وعلى الرغم من وجود كبسولة على متن المحطة، كان بإمكانه استخدامها والعودة بها، لكنه فضٌل أن يفقد حياته، عن استخدامها، وذلك لأن عودة تلك الكبسولة كان يعني نهاية المحطة مير، وتدميرها للأبد.

وعلى الأرض كانت روسيا تحارب لجمع الأموال، وترميم اقتصادها، وأعلنت بيعها لمقاعد في صاروخ سويوز الذي سينطلق للفضاء، فأخذت النمسا مقعد ب 7 مليون دولار، واشترت اليابان مقعدًا لمذيع تلفزيون ب 12 مليون، ولم يعرض أي أحد أو أي دولة، عن حجزها لمقعد لاستعادة سيرجي من الفضاء،  رغم انتشار قضيته في جميع الصحف ووسائل الإعلام،  وتعاطف الناس معه.

ومرت الأيام ثقيلة على سيرجي، حتى ذلك اليوم من شهر مارس، حين أعلنت ألمانيا، عن تبنيها لرحلة عودة سيرجي من الفضاء، والتي ستتكلف 24 مليون دولار.

عودة سيرجي للأرض

في يوم 25 مارس 1992م، استقبل العالم بأكمله البطل سيرجي كريكاليف، والذي كان يُعد أخر مواطن سوفييتي موجود، ووصل سيرجي للأرض بعد معاناة كبيرة أخيرًا، كان يرتدي بذلته الفضائية التي تحمل الأحرف السوفييتية الأربعة “USSR”، ويحمل في يده علم دولة لم يعد لها أي وجود، لم يكن بإمكانه السير وقتها، كان يحمله رجال آخرين، وقد أبدى سيرجي تفهمًا كبيرًا تجاه بلاده، وقال أنه يفهم الوضع تمامًا، فالأولوية كانت لتوفير الأموال، وليس إنفاقها.

“طه حسين” تعمد شيوخ الأزهر رسوبه بسبب عجزه عن إجابة سؤال حول لفظ الجلالة

وقد حقق سيرجي رقمًا قياسيًا في المكوث بالفضاء، بعد أن قضى 311 يوم، وهو ضعف المدة التي كانت مخططة له، وعاد مرة أخرى للفضاء مع وكالة ناسا، التي قامت بتعيينه فورًا بعد استرد صحته مرة أخرى، وكان هو أول رجل فضاء تطأ قدميه محطة الفضاء الدولية الجديدة امتنانًا لدوره العظيم ومهارته في التعامل مع ظروف الفضاء والتأقلم عليها.