رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
2٬850   مشاهدة  

شرب السم ثم ابتسم .. سقراط الذي فضل الإعدام على الهروب من السجن بالرشوة

سقراط
  • كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



كان يجوب المدينة يتحدث إلى المارة ويستوقف الشباب ليفقههم في أمور الدنيا والوجود ويصغي للجميع إلى مناقشاته وآرائه .. وأسئلته العسيرة التي لا تنتهي : ما هي الفضيلة ؟ ما هو العدل؟ ما هو الحق؟ ما هو الظلم؟

كان يجد المتعة في تمضية وقته يناقش المسائل الفلسفية مع كل من يرغب في الحديث معه دون تمييز بين غني أو فقير ، شاب أو شيخ، أو حتى بين مواطن أثيني وغير أثيني ، تجده في الشوارع والأسواق داعيًا الناس إلى التفكير والتأمل .

كان سقراط يواجه اتهامات دائمة بـ “الكفر” وكانت إجابته دقيقة للغاية ، فقد كان مؤمنًا بإله معبد دلفى وقال ذات مره 🙁 ما أبعد هذا عني لأني أعتقد فيهم أكثر من أي أحد من الذين يتهمونني ، وأضع نفسي بين أيديكم وبين يدي الإله للفصل فيما يجب أن يكون أفضل ولي ولكم)

سقراط

بسبب معتقداته قدمته الحكومة الديمقراطية إلى المحاكمة بتهمة كفرانه بالآلهة التي تعبدها آثينا وتمت محاكمته في محكمة علنية في الهواء الطلق تألفت من (501) محلف بطريق القرعة (وفي كل عام يختار ستة آلاف مواطن بطريق القرعة لإصدار الأحكام القضائية) وقد وقف رئيس الجلسة موجهًا الإتهام لسقراط (وقد بلغ السبعين من عمره) بعدم الإيمان بالآلهة التي تؤمن بها الأمة ، ودعوته لعبادة جديدة ، وفلسفة غريبة وفي إثارة للنفوس وإفساد للشباب وكانت العقوبة لتلك التهم هي الإعدام.

وحينما سئل الشهود جاءت أقوالهم ما بين التأييد والمعارضة ، وبسؤال سقراط عن التهمة المنسوبة إليه أنكرها – ومن المعروف أنه لم يحضر دفاعًا مكتوبًا – ورفض عرضًا من الكاتب الشهير (لوسياس) للدفاع عنه ، وقرر سقراط أن ما فعله هو البحث والتقصي عن الحقائق بالجدل والمناقشة مع أي إنسان يبدو له أنه عاقل، إذ يجب على كل فرد مهما تكن النتيجة أن يقاوم كل ما يراه ظلمًا ، سواء أصدر ذلك عن شخص صاحب نفوذ أم عن محكمة، كما أنه يجب ألا ينزل مطلقًا عن القول بأن في المناقشة الحرة مصلحة للكافة وضمانًا أكيدًا للعلم الصحيح، فرجل الفضيلة لا يجب أن يحسب حساب الحياة أو الموت، وإنما المعيار الوحيد لسلوكه يجب أن يكون العدل وتجنب الظلم حتى لو كان ذلك يضعه أمام خطر الموت .

سقراط

وهكذا استمر سقراط في مجادلة أعضاء المحكمة حتى أوقعهم في حرج شديد دون أن يسلك مسلك المستعطف المهين للتأثير على المحلفين كما يفعل عادة المتهمون ، إذ كان يعتقد أن هدفه قول الحقيقة فقط ، لذا لم يستخدم الخطب المنمقة ، ولا الكلمات المغلفة، ففضيلة الخطيب في نظره أن يقول الحقيقة ، بينما فضيلة القاضي هي البحث عن الحقيقية فقط .. لهذا فهو بدأ بدفع التهمة وهدمها .. ثم علل الحقد عليه بكرامة رسالته وشرف دعوته إلى الحق والفضيلة، ثم اختتم مرافعته بتبصير القضاة بمهتهم .. هكذا انتهت المحاكمة وأخذت الأصوات فقضى 281 قاضيًا بإدانته ضد 220 بفارق بسيط في الأصوات.

أما العقوبة فقد اقترح البعض بأن يعين المتهم العقوبة التي يراها مناسبة له ، بينما جاء القرار الحاسم بالإعدام .. واستلم سقراط للحكم مقررًا بأنه (يخطئ ) الذين يظنون أن الموت شر .. سيذهب كل منا في طريقه: أنا في طريقي إلى الموت وأنتم في طريقكم لتعيشوا، والله يعلم أي الفريقين أهدى سبيلًا ..)

وقد علق سقراط على الحكم قائلًا : (ما أدنت افتقارًا إلى خطب في الواقع بل افتقارًا إلى الجسارة والوقاحة ولأنني لم أرد أن أتحدث أمامكم على النحو الذي لعله كان متعكم سماعه أعظم الاستمتاع ألا وهو سقراط يئن وينوح، فاعلًا وقائلًا أشياء كثيرة لا أعتبرها جديرة بي ، بحسب ما أقول أنا، أشياء تعودتم أنتم على سماعها من الآخرين)

وكتب أفلاطون أن سقراط لم يكترث بهذا الحكم وأنه لا يأسف على شئ لأنه لم يفعل ولم يقل إلا ما بدا له أنه حق إذ أنه يعتبر نفسه مصلحًا اجتماعيًا .

وقد قدم أفلاطون في كتابه (دفاعًا عن سقراط) نصوصًا لخطاب سقراط وقت محاكمته ووصفه لتلك المحاكم وهي أعظم كتابات الأدب الإغريقي

وفي الفترة التي أمضاها سقراط في سجنه كان يلتقي بأصدقائه ويتحدث معهم ويناقشهم كعادته غير مكترث بالموت على نحو أدهش الجميع وقد رتب له تلاميذه ومريدوه الطريق للهروب من السجن وذلك برشوة الحارس ولكنه رفض أن يهرب قائلًا إنه يفضل الرضوخ لحكم الآثينيين حتى ولو كان ظلمًا إذ أنه لا يجب رد الظلم بالظلم ، وأنه ملتزم بقوانين بلاده حتى ولو كانت القوانين جائرة، وابتسم لهم قائلًا : (لا تحزنوا يا أصدقائي ولا تبتئسوا … وحين توسدوني قبري اعلموا أنكم تدفنون جسدي وحده دون روحي )

سقراط

إقرأ أيضا
القاهرة الإخبارية

مشهد إعدام سقراط

ولما حان موعد تنفيذ العقوبة عليه قدمت إليه زوجته وابنه الصغير وتلاميذه ومكثوا معه بعض الوقت ، وتناول معهم الحديث حول خلود النفس وأمر بخروج زوجته لتأثرها الشديد .

وعند الغروب أمر سقراط بتناول كأس السم (الشوكران) وهي الطريقة المتبعة في تنفيذ عقوبة الإعدام في ذلك الوقت وتناوله عن آخره دون تردد ، وأجهش تلاميذه بالبكاء بينما كان سقراط هادئًا ومعاتبًا لهم قائلًا : (ما هذا السخف؟ لقد أبعدت النساء خصيصًا كي أتجنب هذا المنظر .. هدوء يا رفاقي، ودعوني أرحل بسلام .. بينما كان يسير بخطوات بطيئة حتى ثقلت قدماه واستلقى على ظهره وأخذ في نهايته حتى انتهى الأجل ، ومات مرتاح الضمير هادئ النفس.. وتفرق تلاميذه بعد مقتله مرعوبين ، ولكن لم تمض عشر سنوات حتى عادوا إلى روعهم ليعلموا الناس فلسفته.

 

الكاتب

  • سقراط محمد فهمي سلامة

    كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
8
أحزنني
7
أعجبني
14
أغضبني
0
هاهاها
1
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان