شريط ممكن : ثورة محمد منير فى التسعينات
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
في مشوار المطرب محمد منير محطات فنية مدهشة كانت بمثابة النقلة التي ساهمت في تطوير مشروعه الفني أكثر ومنحت تجربته روحًا جديدة وفي نفس الوقت حافظت على الخلطة السرية التي منحتها خصوصية عن بقية المطربين.
بدأت فترة التسعينات على وقع خلافات شديدة بين محمد منير وشركة سونار التي أنتجت أول خمس شرائط له بسبب طرح منير لأغاني الشركة بتوزيع جديد مع شركة إنتاج جديدة “ساوند أوف أمريكا” التي استمر معها حتى شريط “أفتح قلبك”.
في مرحلة ساوند أوف أمريكا كان منير تجريبي بحت وكان يقود لأول مرة مشروعه الفني نجح في استيعاب خروج فرقة يحيى خليل قليلًا وبدأ يعتمد على أسماء شابة جديدة في محاولة قنص مكان وسط طوفان الأغنية الشبابية المسيطر على سوق الغناء، وصل إلي ذروة التجريب في شريط “أفتح قلبك” ولم تكن الشركة على قدر تطلعاته من ناحية الدعاية والتسويق لينفصل عنها وينتقل إلي الشركة الناشئة “ديجيتك” مع المنتج والموسيقي “عمرو محمود”
فى ديجيتك وجد منير ضالته الفنية ويبدو أن استقر على الخلطة التى ستمنحه الفرصة ليقيم مجده الفني الثاني بعد المجد الأول مع سونار، مع منتج يعرف كيف يدير الأمور الإدارية جيدًا وفي نفس الوقت موسيقي بارع مواكب حركة التطور الموسيقي كل العالم، ويعرف مدى خصوصية التجربة فكانت الضربة الأولى في شريط “ممكن” والذي سيوسع قاعدة مستمعي منير.
صدر شريط “ممكن” في ثمان أغنيات كما هو شائع في تلك الفترة استعان فيها الشاعرة كوثر مصطفى رفيقة الدرب التي وجد فيها الامتداد العظيم للكبار الذين دشنوا تجارب البدايات حيث ظهرت في ثلاث أغنيات ثم واصل الاعتماد على الرفيق الآخر “مجدي نجيب” في أغنيتان وظهور أول للشاعر الكبير “حسن رياض” في أغنية مع الكبير ” عبد الرحمن الأبنودي” الذي كتب أغنية الـ Hit للألبوم مع استعادة أغنية هزلية من مسلسل “على عليوة” كتبها الشاعر “حمدي عيد”.
تنوعت الألحان ما بين عمرو محمود و أحمد منيب و مدحت الخولي وحمدي رؤوف واستمرار الاستعانة بوجيه عزيز في الأغنية الرئيسية للشريط ثم استعادة للفلكلور في أغنية والاتجاه جنوبًا مع حسين جاسر والقدير على كوبان في أغنيتان .
قبل الاستقرار على اختيار الموزعين جرى اجتماع بين الثلاثي “عمرو محمود” و”عمرو أبو ذكري” و”اشرف محروس” فاختار محروس أغنية واحدة وذهبت اثنان لعمرو أبو ذكري وتولى “عمرو محمود” أمر توزيع أربع أغنيات حتى بقيت أغنية واحدة “نظرة واحدة” والتي ذهبت في النهاية إلى “أشرف محروس”.
“الليلة ديا”
كعرف سائد في التسعينات أن يفتتح أي شريط بأغنية Hit أو بتعريف مبسط “الأغنية المتوقع لها أن تنجح وتضرب وفي الغالب تكون أغنية إيقاعية لطيفة بفكرة مبسطة وتساهم في تسويق الشريط”
فكرة أن تضع أغنية Hit في شريط لمطرب لا يعتمد هذا الأسلوب في تسويق شرائطه لابد أن يكون لها معايير خاصة خصوصًا وأنه يتعامل مع مدارس شعرية بعينها إذن في الغالب لن يستعين أشهر من كتبوا أغاني Hits في تلك الفترة.
وقع الأختيار على الشاعر الكبير “عبد الرحمن الأبنودي” وهو اختيار كان ذكيًا جدًا، حيث أنك أمام شاعر عامية قوي بالإضافة إلي خبراته العريضة في كتابة الأغاني وفي نفس الوقت يحافظ على تماسك تجربة منير، رغم بساطة فكرة الأغنية إلا أنها مكتوبة بشكل قوي جدًا وتحتوي على العديد من الصور الشعرية الجيدة والمفردات الخاصة بـ الأبنودي عن الليل والمغربية والقمر، ويعطي فيها درسًا قويًا للشعراء أن الأغنية الضاربة أو البسيطة لا يجب أن تكتب باستسهال أو تحشر فيها إيفيهًا لجرد أذن المستمع وإجباره على التعاطي معها والأبنودي يكاد يكون الشاعر الصعيدي الوحيد القادر على صنع أغنية بمفردات بيئته وفي نفس الوقت تناسب طبيعة جمهور القاهرة.
على غرار الكلمات القوية يعطينا الملحن والموزع عمرو محمود درسًا في كيفية صنع أغنية إيقاعية دسمة جدًا، لحن الأغنية على سلم “المانير” مكون من فكرتين الأولى في المذهب والثانية في الكوبليهات.
اللحن بسيط بجمل إيقاعية catchy تعلق بسهولة في الأذن وبناء متماسك جدًا خصوصًا في لحن الكوبليهات، الأغنية لا يوجد بها سينيو أو مقطع يعاد حيث يعاد المذهب مرتين الأولى في الفاصل الأول والثانية في ختام الأغنية.
توزيع الأغنية دسم جدًا بدأ بتنويعات من ديسترشن الإلكتريك جيتار الذي يرد عليه كوردات من الإلكتريك جيتار حتى تتسلم الكولة الراية بجملة قوية جدًا لها وقع جيد في الأذن،الفاصل الموسيقي غير مستنسخ من أي جملة من اللحن، في الكوبليهات يأخذ الإلكتريك جيتار دوره كمردات للغناء بكوردات متنوعة لا تتكرر في الغالب، مع اختيار جيد للجملة الإيقاعية وتفعيلاتها وحلياتها مع وجود جيد للمؤثرات الصوتية.
بعد الكوبليه الثاني لا ينهي الأغنية بتكرار المقدمة ولكن يعطي الموزع عمرو محمود لنفسه براحًا موسيقيًا للاستعراض و الارتجال الموسيقي بدخول العود الكيبوردي من سلم مقام “الكرد” مع تغيير الجملة الإيقاعية و تنويعات من الإلكتريك جيتار الذي يعيد تسليم الغناء لمنير كي يقفل الأغنية.
“نظرة واحدة”
نالت تلك الأغنية استهجانًا كبيرًا من جمهور منير بسبب كلماتها الهزلية جدًا والمبتذلة في مقطع “حبك فى قلبى ولع خلاص وفى قلبك انت الحب نى” وتناسى المهاجمون أن الأغنية صنعت اصلًا لغرض درامي في مسلسل “على عليوة” الذي قام ببطولته منير بل وكتبها الشاعر “حمدي عيد” صاحب الأغنية الرائعة “ابن ماريكا”.
الأغنية محاكاة لأغنية “الهؤة الزلمؤة” التي غناها على الحجار في مسلسل أبو العلا البشري بل وكانت لنفس الموقف الدرامي لمطرب صاعد يحاول أن يجاري سوق الغناء الذي يعج بالأغاني الهابطة التي ستحقق له إنتشارًا أسرع.
ما يهمني في كلمات الأغنية هو فتح باب للتساؤل حول رؤية الشعراء الجادين شكل الأغنية الشعبية المعاصرة والتي يجب أن تحتوي على كلمات مسفة أو صور شعرية هزلية وهي رؤية عنصرية تبخس حق الأغاني الشعبية وتضعها كلها على قياس واحد أساسه الإسفاف والابتذال، لذا لا يمكن وضع الهؤة المؤة ونظرة واحدة تحت بند الأغاني الشعبية ولا أعرف لماذا لم يتم الاستعانة بالشعراء المتمرسين على هذا النوع من الأغاني وهو كثيرون على الأقل كنا سنرى محاولات قد تكتب في تاريخ جيل الوسط وفي تاريخ هؤلاء الشعراء.
لحن “حمدي رؤوف” على مقام النهاوند ببناء جيد و تماهى مع فكرة الكلمات، عابه فقط أداء منير الرصين جدًا على العكس من الكورال الذي كان متماهي مع الحالة أكثر،عندما فكر منير بإدراج الأغنية ضمن الشريط رفض أن تذهب إلي أي موزع وأصر على أن يوزعها “أشرف محروس” الذي كان متكتفيًا بأغنية واحدة “حواديت” وكان يرى أنها لا تناسبه وهناك من يستطيع أن يعطيها لمحة شعبية أكثر، لكن إصرار منير جعله في النهاية يرضخ لقراره.
بداية الأغنية لا تنم على أننا أمام أغنية شعبية بالمرة حيث المحاورة اللطيفة بين الإلكتريك جيتار والباص جيتار حتى دخول المقسوم مع عازف الأكورديون القدير “فاروق محمد حسن” الذي اتحفنا بصولو أدخلنا في الأجواء الشعبية سريعًا لكن أهم ميزة في عزفه هو أنه لا يكرر الصولو بحذافيره بل يضع لمساته وحلياته وعٌرب لحنية مختلفة في كل مرة.
استخدم محروس جمل وتريات كانت رائعة بالأخص في الجمل الساخرة التي ترد على الأكورديون وفي مردات الغناء سواء خلف الكورال في السينيو أو خلف غناء منير في الكوبليهات، هذا التوزيع أخذ الأغنية إلي منطقة الشعبي المودرن أو بالبلدي الشيك مما جعل منير يقول عندما استمع إلي التوزيع لأول مرة “كده أقدر أحط صوتي عليها”.
“حواديت”
لا يفرق الشاعر مجدي نجيب بين كتابة الشعر وبين الرسم السريالي، حيث بدأت الأغنية بمقطع يعتبر لغز لا يمكن تفسيره سوى أنها لوحة سيريالية شعرية لا تلمح فيها أي معنى واضح أو حتى إسقاط مباشر على شئ ما.
“ياما فى زماننا قلوب رسماها اعمارنا – زى النجوم حواديت على ضل شباكنا”
الكلمات عبارة عن عدة مقاطع منفصلة تصلح لأن تغني بشكل منفصل ولا تلمح فيها فكرة بعينها أو رابط قوي بينهم.
لحن أحمد منيب على مقام الكرد بأفكار متعددة وجمل شجية جدًا، تبدأ الموسيقى بجملة شجية من الكولة يرد عليها الأكوستيك جيتار ليتسلم منير الغناء بكل سلاسة، تخلى محروس عن خط الوتريات في جزء الهارموني واستعاض عنه بالكوله التي تعطيك شجنًا محببًا وليس حزنًا مبالغ فيه مع تنويع كوردات الجيتار والكيبورد حيث تنقلت بسلاسة بين المقاطع.
جملة الفاصل هي نفس جملة المقدمة تقريبًا بلا أي تغيير، قبل المقطع الأخير يتلاعب بنا أشرف محروس حيث يقوم برفع الموسيقي نصف تون ليكسر الملل وتتغير الأجواء تمامًا حيث يعطي فرصة الارتجال لاّلة الكولة ليغني بعدها منير اخر مقطعين، ثم نعود إلي جملة المقدمة مرة أخرى حتى تهدأ الموسيقى بكورد بسيط من الأكوستيك جيتار،توزيع الأغنية أهم عنصر فيها حيث لعب أشرف محروس دور البطولة في إخراج الأغنية بهذا الشكل الموسيقي المبهر بل بسببه اعتبرها البعض درة أغاني الشريط
“برج حمام”
تفرض كلمات الشاعر الكبير الراحل “حسن رياض” نفسها على الأغنية كأقوى عنصر فيها، كلمات تبكي رحيل موجع للحبيب على أمل العودة ما وهي فكرة قد تكون تقليدية لكن صياغة حسن رياض كانت غير تقليدية حيث تصوير القلب الذي أصبح وحيدًا بأنه يشبه برج الحمام الذي هجره الحمام كانت جديدة تمامًا على الأغنية المصرية، بقية الأغنية تحمل كثير من المفردات والصور البكر جعلت من تلك الأغنية أيقونة في تاريخ منير.
لحن مدحت الخولي على مقام النهاوند مكون من فكرتين الأولى في المذهب والثانية في الكوبليهات، بناء اللحن جيد وتقطيعات تعكس مدرسة الخولي التلحينية.
لأول مرة نرى الموزع “عمرو أبو ذكري” منفردًا داخل ألبومات منير بعد أن كان يظهر أسمه في السابق بجوار الموزع “أحمد الناصر”،تبدأ الأغنية بجملة من الاليكتريك بيانو ترد عليه الوتريات بخفه شديدة حتي يدخل العود المعزوف من الكيبورد وهي نقطة ضعف في الأغنية ولا أعرف لماذا لم يتم الاستعانة بعازف عود ويمكن أن نتخيل مدى روعة تلك الجملة لو خرجت من عازف عود لوصل الإحساس بها مضاعفًا.
تتقاطع الوتريات مع جمل اللحن لتعطينًا زخمًا قويًا دون إزعاج مع جملة إيقاعية بسيطة، في الفاصل يتسلم الكيبورد الدفة حتى يسلمها مرة أخرى إلى العود الكيبوردي وفي كل فاصل كانت تضاف بعض الحليات إلي الصولو الرئيسي، إحساس منير طاغي جدًا بالأخص في قفلة الأغنية ويبدو عليه التأثر الشديد بالكلمات.
“يا بنت ياللي”
تأخذنا الشاعرة “كوثر مصطفى” إلى ملحمة الأوديسة والقصة المشهورة قصة بنيلوب زوجة أوديسيوس والتي كانت ترفض الخاطبين أملا في عودة زوجها من الحرب وأقنعتهم بانها سوف تقبل بالأمر عندما تنتهي من نسج فستان الزفاف وتحايلت عليهم بأنها كانت تفك ليلًا ما كانت تغزله نهارًا حتى تطول المدة أكثر.
الكلمات عالجت القصة بمفهوم أهم وأشمل وهو عندما تؤمن بشئ لا بد أن تملك الجرأة والتحدي لتثبت للجميع أن أختيارك كان الأصح، المعالجة لا تأتي على لسان الزوجة أو البنت التي تغزل الفستان ولكن على لسان الأخرين الذين حاولوا كسر عزيمتها ومطاردة حلمها بعودة الزوج مرة أخرى بل وتعنيفها على تلك الليالي الضائعة بلا طائل “غزل الصبح ليه على الليل تحلي خيطانه” “ضيعتي الليالي والقمر مستنى – ضيعتي الليالي تغزلي وتحلي”.
في المقطع الثاني تظهر روح زوجها التي تناجيها “وحشاني عنيكى تحكى وتكلمنى – الدنيا الجميلة بتهلي لما تهلي – يا حلوة وبريئة ده الزمان بيفوت – لوطال انتظارك الحقيقة تموت” ومع ذلك تصر الفتاة على استكمال تحديها بغزل القفطان نهارًا وحل عقده ليلًا في انتظار عودة الحبيب الغائب الذي سيعود في نهاية الأسطورة.
لحن الأغنية من الفلكلور على مقام العجم وغير معروف طبيعة اللحن ومن أين أتى تحديدًا، لكن يأتي توزيع عمرو محمود كي يصبه لنا في قالب من الـ R&B التسعيني المميز.
تبدأ الموسيقى من الجملة الإيقاعية مع كوردات الإلكتريك جيتار حتى يدخل النحاسيات الكيبوردية كجملة رئيسية للمقدمة يعقبه الإلكتريك جيتار المكتوم مع البيركشن، يبدأ منير الغناء خلفه الإيقاع فقط حتى يدخل الكورال النسائي ليغنيا معًا في خط واحد.
في الكوبليهات تدخل النحاسيات اللايف لترد على غناء منير وكأنها تنبه الفتاة بأنها تضيع وقتها في غزل الثوب، في الفاصل الثاني يدخل العود الكيبوردي بجملة مختلفة تمامًا عن جملة الفاصل الأولى لينطق منير صيحته الشهيرة “ويري” لندخل إلى الكوبليه الأخير ثم يترك عمرو محمود المجال إليكتريك جيتار لبعض الارتجال
“شتا”
من السمات المميزة لتجربة منير أن أفكار أغنياته تمارس لعبة العصف الذهني مع المستمع وتفتح أبوابًا كثيرة للتأويل والخروج بتفاسير متعددة حول المعنى المقصود وراء تلك المعالجة غير المباشرة،من ضمن الأغنيات التي مارست لعبة العصف الذهني أغنية “شتا” والتي حاول الكل وضع تفسير لهذا الشخص الذي يمارس طقوسه اليومية “أدى وخد وثار واحتد وفي النهاية شد لحاف الشتا م البرد”
لحسم الجدل حول المقصود من الأغنية نذهب إلي كوثر مصطفى التي كتبت كلمات الأغنية حيث قالت في حوار خاص أنها لم تكن تقصد كل تلك الأبعاد الفلسفية التي تم تأويلها على الأغنية ببساطة شديدة الأغنية عبارة عن قصيدة اسمها “نص الليل” سبق وأن قدمتها لمنير مع أغنية “ساح يا بداح” قبل أن تقرر الهجرة إلى إسبانيا، وعندما لم تحتمل الغربة عادت لتجد منير يعطيها أغنية نوبية “مشاراوي” للملحن “حسين جاسر” ويطلب منها أن تضع كلمات عليه بالصدفة وجدت أن القصيدة تتطابق مع اللحن بشكل عجيب وعندما استمع منير إلي الكلمات تذكر أنه سبق وأن سمعها من قبل فذكرته بالواقعة
تتلخص مشكلة تأويل أغنية شتا في عنوانها الذي سوف يحيلنا إلى تأويل ما سر اختيار الشتاء تحديدًا وتأجيل الأحلام “علق حلمه على الشماعة”، سنجد أنها تتحدث عن شخص يمر بأزمة عارضة في حياته فقرر أن يترك كل شئ يمر كما هو وأن يعطي لنفسه استراحة محارب كي يستطيع أن يتكيف على الحياة وأن بعد أن يذهب إلى النوم في المقطع الأخير”شد لحاف الشتا م البرد” لا تنتهي الحياة بل سيأتي نهارًا جديدًا عساه يكون مختلفًا عن كل الأيام السابقة.
لحن الأغنية على سلم الماجير “العجم” يتكون من فكرة رئيسية تخرج منها أفكار فرعية بتتابع لحني جيد، توزيع الأغنية مبهر جدًا حيث قالب موسيقى الريجي ذات الإيقاع المميز في الأذن.
تبدأ الأغنية مباشرة من الكولة مدعومة بالبيركشن الذي يصاحبنا كثيرًا وكان عامل مهم في توصيف الحالة حيث أعطانا احساس بالبرودة بصوت يشبه “تكتكة الأسنان من البرد” مع مرادت الغنا بالكيبورد وومضات من الإلكتريك جيتار في الخلفية ،جملة الفاصل الموسيقي تشعرنا وكأننا ننفخ في أيادينا للتدفئة وكل هذا التوصيف الموسيقي جعل جو الأغنية شتوي بامتياز.
تصاحب منير في الغناء المطربة النوبية “سلوى أبو جريشة” والتي كان من المفترض أن تغني كوبليهًا كاملًا لكن تدخلات منير جعلت صوتها يتراجع في الخلفية لكن عوضها عمرو محمود بأن أعطاها فرصة للارتجال بصوتها في منتصف الأغنية وكان صوتها واضحًا جدًا في الرد على منير في مقطع “حط الدبلة وحط الساعة” حتي تنتهي الأغنية مع همهمات منير المميزة وبيركشن أيمن صدقي الرائع جدًا.
“ممكن”
تأخذنا كلمات مجدي نجيب إلي أجواء مقاومة الحزن ومحاولة اقتناص أي فرصة للفرح، هذا التضاد سبق وأن قدمه من قبل في أغنية “الفرح شاطر”.
مقدمة الأغنية متماسكة جدًا شعريًا وهي أقوي جزء فيه، لكن في الكوبليهات يسرح قلم مجدي نجيب بصيغة أمر مبهمة جدًا فلا نعرف لمن يتوجه بالكلام، هل الزمن الذي ذكره في المذهب “قدر الزمان يفهمنا اه يمكن”ثم دخل في لغز اّخر “اشمعنى المعنى بيعرفنى لو باتت فى قلوبنا جراح” فهل كان يقصد بالمعنى هو “الكتابة أو الإلهام” الذي لا يأتيه إلا في أوقات الحزن فقط.
لحن وجيه عزيز على مقام العجم بجمل تعبيرية جدًا صاغه من فكرتين الأولى في المذهب والثانية في الكوبليهات، بناء اللحن جيد وتمهيد رائع أدى إلى تماسك قفلاته.
يحمل توزيع عمرو أبو ذكري ومضات عبقرية جدًا، في البداية يغني منير بشكل حر بمصاحبة العود ثم تدخل المؤثرات الصوتية التي تشبه فتح باب الحزن للخروج منه، ثم يدخل البيركشن الذي يحتل الخط الرئيسي كجملة فاصل بمصاحبة مجموعة التشيللوهات فقط.
يتراجع خط البيركشن إلى الخلفية في الكوبليه الأول مع التشيللوهات المرسلة خلف غناء منير، في اللزمة يدخل العود ويعزف الفاصل الثاني ولازال البيركشن في الخلفية، في الكوبليه الثاني يتغير الحال بدخول البيانو لمصاحبة الغناء مع الوتريات لتنتهي الأغنية على صوت منير الذي يؤدي الأغنية بإحساس وصدق نادر كان سر من أسرار بقاء تلك الأغنية في ذاكرة عشاقه.
“ليه الصبايا”
يتعاون منير في تلك الاغنية مع الملحن النوبي الكبير “على كوبان” ويأخذ منه لحن أغنيته “صندلية” لتصيغ عليها كوثر مصطفى الكلمات ورغم أنها كتبت كوبليهات كثيرة إلا أن منير استقر على المذهب البسيط “ليه الصبايا ليه – اجمل حكاية ليه” وكوبليهين بالعدد.
الكلمات تقتحم عالم البنات والصبايا ومحاوله اكتشاف أول الأشياء والتمرد وفك القيود في مجتمع تبحث فيه عن وجودها وحريتها.
الأغنية تعج كلماتها بتفاصيل مدهشة عن البنات “دفتر الأحلام” والبنت الحلوة المتمردة التي تهرب من الحراس” والقلب النونو الذي يعشق الأيام ثم الدخول إلى عالمها السري “أول لمسة دافية وردة جوا كتاب” “أول لمسة خايفة وصورة للأحباب”
لحن على كوبان إيقاعي بتتابع جيد وغلفه عمرو محمود ببساطة تشبه السهل الممتنع، تبدأ الأغنية بدخول الطبلة مع الإيقاع الإليكتروني يعقبه صولو باص جيتار خيالي من الألماني “روماني كريشنا”،يصاحب غناء منير الإيقاع مع عازف الكيبورد الأمريكي “مارك ستيفنز” والذي منحه “عمرو محمود” فرصة ذهبية للإرتجال في الفواصل الموسيقية استغلها جيدًا وترك العنان لخياله الصخب ليضع صولوهات شديدة العبقرية غير مستنسخة من أي جملة من اللحن.
شريط شبابيك : صك الغفران الذي محا كل خطايا محمد منير
في منتصف التسعينات لم يكن منير نجمًا جماهيريًا تحقق شرائطه مبيعات خرافية لكن وبداية من شريط “ممكن” لامس منير النجاح الجماهيري الضخم الذي جعل المنتج عمرو محمود يسرع بالدخول في التجربة التالية في شريط “من أول لمسة”.
تنوع الأفكار المطروحة داخل الشريط سواء على مستوى الأشعار أو التناول الموسيقي جعلت من شريط “ممكن” ثورة فنية بالإضافة إلى الترتيب العبقري للأغاني حيث قسم الشريط إلي وجهين الأول احتلته الأغاني العاطفية والثاني دخلت فيه المضامين الإنسانية والفلسفية غير الدارجة و لم يتطرق إليها سوق الغناء التسعيني المحصور في الأغاني العاطفية الصريحة على وقع إيقاع المقسوم السريع.
بشكل عام يعتبر “ممكن” الأفضل في تجربة منير مع شركة “ديجيتك” التي استمرت في “من أول لمسة” و”الفرحة” وأعلن عن بداية المرحلة الثانية من التوهج الفني في حياة منير مثلما فعل في السابق شريط “شبابيك” صاحب الضربة الأولى.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال