“صور” شرح 10 لقطات في المعركة بين السلاجقة والحشاشين بالحلقة 11 من المسلسل
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
دارت أحداث الحلقة 11 من مسلسل الحشاشين عن اندلاع الحرب بين السلاجقة والحشاشين عام 1092م / 485هـ وهي المعركة التي أطلقت سلسلة من المعارك بين الباطنية والدولة السلجوقية دامت لسنوات كثيرة.
قيمة الحلقة 11 من الحشاشين على الصعيد الفني
لم يكن مسلسل الحشاشين هو أول الأعمال الفنية التي تناولت الحرب بين الباطنية والدولة السلجوقية، لكنه كان الأفضل إذ ما قورن بالإنتاج والذي أدى إلى أن تكون الحلقة 11 من الحشاشين أفضل ما خرج فنيًا لتصوير الحرب بين السلاجقة والباطنية.
وتكمن أهمية الحلقة 11 من الحشاشين أنها تتناول أول معركة عسكرية بين السلاجقة والحشاشين ولأسباب إنتاجية أثرت إيجابًا على الإخراج، ظهرت مشاهد الحرب في الحلقة أفضل من غيرها من الأعمال، مثل الحلقة 19 في مسلسل الإمام الغزالي (إنتاج 2012م)، وكذا الحلقتين 25 و26 من مسلسل سمرقند (إنتاج 2016م)؛ وهي الحلقات التي تناولت تلك الحرب، ويخرج من هذه المقارنة المسلسل التركي نهضة السلاجقة (إنتاج 2020م) والذي لم يتعرض لواقعة احتلال آلموت، ولخلو المسلسل أصلاً من أي سياق تاريخي له صلة بالمعركة.
بالتالي خرجت مشاهد المعارك بمثابة لوحات استرشادية لوقائع تلك المعركة المشهورة في حدوثها والمغمورة في تفاصيلها، وكنا تطرقنا إلى تفاصيل تلك المعركة وللتفاصيل اقرأ هذا التقرير :- “هؤلاء سر تميز الحلقة 10 من الحشاشين” الخيال لم يؤثر على تاريخ حصار قلعة آلموت
لقطات الحلقة 11 ومعارك السلاجقة والحشاشين
إن استثنينا بعض التفاصيل التاريخية التي أوردناها في تفاصيل قصة هذه الحرب، فسنجد أن الحلقة انسجمت في تفاصيل أخرى تخص التسليح والعسكرية من الناحية التاريخية، لكن يأتي تساؤل مهم وهو هل كان الحشاشين لديهم كفاءة في الأسلحة ؟.
لا يوجد مرجع بشأن تشكيلات جيش الحشاشين، لكن المؤكد أنهم امتلكوا مقومات تسليحية كبيرة وإلا ما كان لهم أن يهزموا الجيش السلجوقي في وقائع كثيرة غير المعركة التي استعرضت الحلقة الحادية عشر؛ والأسلحة الموجودة في كل لقطات المعارك تعود إلى القرن الحادي عشر الميلادي ولم تكن حكرًا لدولة معينة من حيث التواجد وإنما الفوارق تكون في الفاعلية لكل سلاح، إلى جانب ذلك فإن المتوقع أن الحلقات القادمة ستظهر كل أدوات سلاح الجيش السجلوقي لأنه تاريخيًا لم يستخدمها في معركة الحلقة الحادية عشر.
وإن أردنا البحث في تاريخ وتطور سلاح القرن ال11 في العالم الإسلامي سواءًا الذي كان مع الجيش السلجوقي وغيره، فإن المسلسل وصل فيها إلى حد التطابق مع التاريخ ويظهر ذلك في طريقة المعارك ونوعية السلاح والديكورات ونحو ذلك؛ والمراجع في ذلك متوفرة، معرفة سلاح الجيش السلجوقي (والذي كان الحشاشين يملكون أنواعًا منه) تأتي بمطالعة كتاب النظم الحربية عند السلاجقة لنايف بن حمود أبو قريحة، والذي نقل الصلابي منه في تاريخه عن السلاجقة[1]، وجميعهم نقلوا من كتب التاريخ القديمة، وفي هذا التقرير نستعرض أهم اللقطات مع شرحها.
لقطة الخيانة في معركة الليل
كانت لقطة خيانة المرأة الموجودة في الجيش السلجوقي من خيال المؤلف، لكنها تمهيد لاختراق الحشاشين صفوف جيش السلاجقة وهو حدث وقع بالفعل زمن السلطان بركيارق بن ملكشاه (الذي سيؤدي دوره الفنان عمر الشناوي)؛ وأشار له بن خلدون، فأثناء انقسامات السلاجقة كان يستعين ببعض الباطنية لقتل خصومه، ووصلت قوة العلاقات بينه وبين الباطنية لدرجة خوف الجيش من نفسه، فاجتماع كبار الدولة وعزموا على عزل بركيارق لكنه نفى عن نفسه التهمة وأمر بقتل الباطنية[2]؛ فيحكي بن الجوزي في المنتظم أن بركيارق قتل 800 رجل باطني وتتبع أموالهم ودورهم.[3]
لقطات السلاح
فعلى صعيد التسليح كانت أسلحة الجيش السلجوقي على 3 أنواع، الأول أسلحة هجومية فردية، أما الثاني فهو أسلحة هجومية جماعية، بينما النوع الثالث من الأسلحة هو السلاح الدفاعي؛ وقد ظهر في مشاهد السلاجقة والحشاشين نوعين هما الأسلحة الهجومية الفردية والأسلحة الدفاعية.
تضم الأسلحة الهجومية الفردية 9 قطع هي «القوس، والسيف، والرمح، والسكين، والدبوس، والبراوة، والطَبْر، والمقاليع، والمخباط»، وال4 الأولى معروفة.
أما الدبوس فهو هراوة مدملكة الرأس في طرفها كتلة صغيرة[4]، ويسمّى: العامود؛ وهو آلة من حديد ذات أضلاع ينتفع بها في قتال لابس الخوذة[5]، أما البراوة فهي قطعة حديد لها رأس من حديد يبرز منها نتوءات مسننة مثل أطراف الحربة وكان يتم استخدامها لضرب الدروع[6]، الطَبْر فهو البلطة وكان حملته يسمون الطبردارية، بينما المقلاع فهو أداة لضرب المقذوفات كالأحجار الصغيرة أو كرات اللهب وهو أصغر من المنجنيق، أما المخباط، وهو سلاح يتكون من رأسِ ضربٍ متصل مع مقبض بحبل مرن أو شريطة أو سلسلة.
أما الأسلحة الجماعة الهجومية والتي ستظهر في الحلقات القادمة فأبرزها 4 قطع هي «الدبابة بأنواعها، والمنجنيق، والعَرَّادة، الجروخ»، مصطلح الدبابة ليس حديثًا، فهو كـ مصطلح موجود عند المسلمين من قبل السلاجقة فقد تم استخدامه في معركة الطائف سنة 630م / 8 هجرية[7]، ليتوصلوا بها إلى نقب الحصن وتقويض أساسه، فيسهل عليهم الدخول والتلاقي مع الأعداء وجها لوجه، فدخل نفر من الصحابة تحت دبابة ثم زحفوا إلى جدار الحصن لينقبوه.[8]
وأصلها مصري وهي آلة من الخشب المغلف باللبود والجلود المنقعة في الحل لدفع النار وتُرَكَّب على عجلات يصعد الجند لأعلاها بهدف النزول فوق الأسوار ويتم استخدامها أيضًا لهدم الأسوار، وهي أقدم من المنجنيق؛ وعلى سبيل الحصر للأنواع المندرجة منها أخذت اسم بروج، فيندرج منها سلاح الضبرة وهي آلة من الخشب المغطى بالجلد لنقب الأسوار، ويندرج أيضًا منها سلاح الكبش وهو مثل سلاح الدبابة لكن رأسه مثل الكبش ومتصل بعامود غليظ داخل الدبابة معلق بحبال تجري على بَكَر ومعلقة بسقف الدبابة ويدفعه الجنود وهم داخلها لنقب الأسوار.[9]
اقرأ أيضًا
“توقعات حلقات الحشاشين القادمة” هل شارك نظام الملك في الحرب بين السلاجقة والباطنية؟
أما المنجنيق فهو معروف والعَرَّادة فهي أصغر منه حجمًا، بينما الجروخ فهي آلة حربية يتم استخدامها لرمي الحجارة وكثر استخدامها في السهام النارية وكذا المواد المشتعلة، ولها أقواس كبيرة تشد بوتر.[10]
بينما النوع الثالث فهو الأسلحة الدفاعية ومكون من 3 قطع هي سلاح الترس الواقي من ضرب الوجه وما حوله، وسلاح الدرع وهو جبة من الزَّرد المنسوج يلبسه المقاتل للوقاية من السيوف والسهام، وسلاح الخوذة وهي من الحديد أو الفولاذ المبطن بالمواد اللينة لحماية الرأس.[11]
لقطات التشكيلات العسكرية
أطلت مشاهد الحلقة 11 وجود رماة الأسهم بالجيش السلجوقي في المعركة، وهذا يتكامل مع قوام الجيش السلجوقي في التاريخ، وستظهره الحلقات القادمة بكثرة وقد أشار لذلك سبط بن الجوزي فقال أن عدد رماة السهام في مقدمة الجيش السلجوقي وصل إلى حوالي عشرة آلاف رجل واسمهم نُشَّابة.[12]
تاريخيًا فإن قوام الجيش السلجوقي مكون من التشكيلات هم «تشكيل الفرسان (الخيالة) وكان ينتقى منهم الاسفهسلارية وهم قادة الجيش وسلاحهم السيوف والرماح والحراب والدروع، وتشكيل المشاة وأسلحتهم نفس أسلحة المشاة، تشكيل النشابون وهم الذين يرمون السهام والفؤوس الصغيرة، تشكيل المنجنيقيون وهم رماة المنجنيق، تشكيل الجمارون وهم الذين يتولون أعمال التحصين وبناء الأسوار وحفر الخنادق، تشكيل النفاطون وهم الذين يرمون العدو بقوارير النفط، وتشكيل الزرافون وهم الذين يقذفون اللهب بواسطة أنابيبة اسطوانية أو نحاسية، والعرادون وهم الذين يستخدمون آلة العرادة الأصغر من المنجنيق، وتشكيل الجرخية وهم الذين يرمون المواد الحارقة بواسطة آلة الجرخ».
هناك مهام أخرى في الجيش السلجوقي فكان المنادي والذي ينادي بالمعركة، والبيشرو وهم قوات الاستطلاع، وحراس الجند الذين يحيطون بالجيش من جوانبه لحراسه، والصياح الذين يصيحون في الجند بمواعيد القتال، والمعبئ الذي ينظم الجند في ديوان العرض، والعارض الذي يتولى رئاسة ديوان عرض الجيش، والسلاح دار وهو أمير السلاح، والكردوس وهو جالي السيف، وقاضي العسكر الذي يفصل بين الجند في منزاعاتهم، الفراشون وهم الذين يقومون بفرش ونصب الخيام للجند، الفقهاء، الأطباء؛ وقد ظهر في الحلقة 11 لقطة الصَّيَّاح الذي نادى بالهجوم والانسحاب، وكذلك الخيام التي يقوم بإعدادها الفراشين.
لقطات مقاتلي الحشاشين
خلال تنوع المشاهد بين معركة السلاجقة والحشاشين كان حسن بن الصباح يقول مصطلحين هما «الفدائي، مختار الدعوة»؛ ويمكن استيضاح الفرق بينهما في الملابس، فالمختار كان يرتدي الأسود، بينما الفدائي يرتدي غير اللون الأسود.
المختارين مصطلح من خيال المؤلف وهو مستوحى من مصطلح الرفاق وقد كان رتبة في جيش الحشاشين ويُطْلَق على الذين قطعوا خطوات في التفقه بأصول المذهب ولكنهم بارعون في العمليات الحربية ويقومون بتدريب الفدائيين.[13]
أما مصطلح الفدائيين فهو مصطلح حقيقي لأنه تاريخيًا، الأولى هم المقدمون والذين يتولون القيادة، والثانية هم الفدائيين والذين يشاركون في المعارك وينفذون مهام الاغتيالات، والثالثة هي مرتبة المستجيبين وهؤلاء هم نواة الفدائيين.[14]
[1] علي محمد محمد الصلابي، دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامي لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي، ط/1، مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة، القاهرة ـ مصر، 1427هـ / 2006م، ص ص216–266.
[2] عبدالرحمن بن خلدون، العِبَر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر، ضبط: خليل شحادة، مراجعة: سهيل زكار، ج5، ط/1، دار الفكر ـ بيروت، 1401هـ / 1981م، ص ص31–32
[3] ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، تحقيق محمد عبدالقادر عطا ومصطفى عبدالقادر عطا، ج17، ط/1، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، 1412هـ / 1992م، ص62.
[4] عبدالرحمن زكي، السلاح في الإسلام، ط/1، دار المعارف، القاهرة ـ مصر، 1951م، ص26.
[5] القلقشندي، صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، تحقيق: محمد حسين شمس الدين، ج2، ط/1، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، 1407هـ / 1987م، ص151.
[6] محمد عبدالعظيم أبو النصر، السلاجقة تاريخهم السياسي والعسكري، ط/1، عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، القاهرة ـ مصر، 2001م، ص365.
[7] ابن هشام، السيرة النبوية، تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الإبياري وعبدالحفيظ شلبي، ج2، ط/2، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة ـ مصر، 1375هـ / 1955م، ص483.
[8] محمد أبو شهبة، السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، ج2، ط/8، دار القلم، دمشق ـ سوريا، 1427هـ / 2006م، ص476.
[9] أنور الرفاعي، الإسلام في حضارته ونظمه، ط/3، دار الفكر، دمشق ـ سوريا، 1417هـ / 1997م، ص198.
[10] محمد عبدالعظيم أبو النصر، السلاجقة تاريخهم السياسي والعسكري، ص367.
[11] علي محمد محمد الصلابي، دولة السلاجقة، ص255.
[12] سبط بن الجوزي، مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، ج20 بتحقيق: إبراهيم الزيبق، ط/1، دار الرسالة العالمية، دمشق ـ سوريا، 2013م، 1413هـ، ص26.
[13] محمد عثمان الخشت، حركة الحشاشين .. تاريخ وعقائد أخطر فرقة سرية في العالم الإسلامي، ط/1، مكتبة بن سينا للنشر والتوزيع، القاهرة ـ مصر، 1988م، ص182.
[14] علي ناجي حسن، الحسن الصباح ونزارية آلموت، (رسالة ماجستير)، معهد التاريخ العربي والتراث العلمي للدراسات العليا، الأمانة العامة لاتحاد المؤرخين العرب، جامعة الدول العربية، 1413هـ / 2010م، ص282.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال