“صور” قصة خبر الأهرام الذي أدى إلى غضب الفريق سعد الشاذلي فعزله السادات
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
اتخذ غضب الفريق سعد الشاذلي الرئيس الأسبق لأركان القوات المسلحة المصرية أشكالاً متعددة ومتفاوتة طوال مسيرته العسكرية، وجميعها اتسمت بالجدية والوضوح والسرية (في حينها) أيضًا.
فلسفة غضب الفريق سعد الشاذلي
يمكن إدراك ذلك بوضوح في متابعة كافة لقاءاته التلفزيونية فهو يركز على أنه في غضبه لم يأخذ الشكل العلني إعلاميًا وقت حدوث الشيء الذي يغضبه، فقط هو يكتفي بتسجيل موقف أمام القيادات ويخلي مسؤوليته، ومهما كانت الاستفزازات التي يتعرض لها فهو لا ينطق إعلاميًا؛ (مثل تجاهله في حفل تكريم قادة حرب أكتوبر في 19 فبراير 1974م).
كتم الفريق سعد الشاذلي غضبه كثيرًا خلال أيام حرب أكتوبر أو للدقة لَجَّم غضبه إزاء ما أسماه تدخلات الرئيس محمد أنور السادات في الخطة، وشرحها الجنرال تفصيلاً في مذكراته.
لكن فيما يتعلق بحرب أكتوبر خرج غضب الفريق سعد الشاذلي إلى العلن مرتين، الأولى بسبب مذكرات الرئيس السادات والثانية بسبب خبر نُشِر على جريدة الأهرام وحكا الشاذلي تفاصيله في مذكراته أيضًا.
اقرأ أيضًا
الحرب النفسية .. لماذا يركز إعلام الجزيرة على الخلاف بين السادات والشاذلي خلال احتفالات اكتوبر ؟
بدأ الرئيس السادات نشر مذكراته في جريدة الأهرام بدءًا من 25 سبتمبر عام 1975م حتى أواخر أكتوبر من العام نفسه، واستكمل جزءًا منها في 31 أكتوبر من العام التالي عبر مجلة أكتوبر؛ وكانت كل هذه المذكرات تختص بالفترة الواقعة بين وفاة الرئيس جمال عبدالناصر في 28 سبتمبر 1970م إلى ثالث أيام الحرب.
وفي إبريل من العام 1978م أصدر الرئيس السادات مذكراته البحث عن الذات وطبعها المكتب المصري الحديث للطباعة والنشر؛ وورد فيها اسم الفريق سعد الشاذلي مرتين[1]، وفي المرتين اتهم السادات الشاذلي بالانهيار عند رجوعه من الجبهة، وأيضًا ذكر السادات أنه عزله من منصبه كرئيسٍ للأركان في منتصف ليلة 19/20 أكتوبر وعين الفريق محمد عبدالغني الجمسي رئيسًا للأركان بدلاً منه؛ على أن لا يتم إعلان هذا القرار على القوات حتى لا يحدث رد فعل سلبي معنوي على القوات.
قرر سعد الشاذلي لأول مرة أن يُظْهِر غضبه للعلن فأصدر سنة 1980م مذكرات حرب أكتوبر التي كان قد بدأ كتابتها في أكتوبر سنة 1977م وكان ينتظر الوقت المناسب لنشرها، خاصةً وأن الشاذلي في 19 يونيو 1978م بدأ يهاجم السادات دون أن يتكلم عن حرب أكتوبر.
وفي مذكراته كشف الشاذلي تفاصيل خلافاته مع السادات بشأن عمليات حرب أكتوبر ثم ذكر أسباب عزله عن رئاسة الأركان، فالسادات قال أنه عزل الشاذلي عن منصبه بسبب الثغرة في منتصف ليلة 19/20 أكتوبر 1973م، بينما الصحيح أن عزل الشاذلي تم رسميًا في في 12 ديسمبر 1973م وأعلن في الصحف خلال اليوم التالي، وكان ذلك بسبب غضب الشاذلي من خبر نشرته جريدة الأهرام.
ما هو الخبر الصحفي الذي أدى إلى غضب سعد الشاذلي
كان الخبر الذي نشرته جريدة الأهرام في 11 ديسمبر عام 1973م أن إسرائيل في يوم 10 أبلغت هيئة الرقابة الدولية بأن القوات المصرية تقدمت 10 كم غرب وشرق القناة وأن الجيش الثالث تجاوز منطقة عيون موسى لمواقع أكثر تقدمًا في سيناء، وإلى جانب ذلك وبحسب جريدة الأهرام فإن المتحدث باسم قوات الطوارئ الدولية أعلن أن بلاغات الإسرائيليين عن تحركات القوات المصرية غرب وشرق القناة صحيحة.[2]
كان ذلك الخبر كاذبًا ونفته جريدة الأهرام في اليوم التالي وقالت أن الخبر به خطأ مطبعي والصحيح أن التوغل كان 1كم وليس 10كم[3]؛ والكذب الذي نشرته الأهرام كان مستفزًا لسعد الشاذلي وغضب غضبًا شديدًا وحكاه في مذكراته.
قال سعد الشاذلي عن ذلك الخبر «كان الخبر صورة أخرى من التزوير لواقع الأمر، حاولت معرفة مصدر هذا الخبر اتصلت بقيادة قوة الطوارئ الدولية فنفت نفيًا باتًّا بأنها أصدرت بيانًا عن ذلك، واتصلت بإدارة المخابرات الحربية فنفت هي الأخرى أي علم بمصدر أو مؤلف هذا الخبر، كان الوزير (يقصد وزير الحربية المشير أحمد إسماعيل علي) يجلس بجواري في غرفة العمليات وأنا أجري هذه الاتصالات دون أن يعلق بشيء، مما جعلني أشك أنه هو مصدر الخبر وقلت بصوت عالٍ وبغضب ودون أن أوجه كلامي لأحد:
– هذا جنون .. ليس هذا هو الأسلوب الصحيح للإعلام يجب أن نعرف من هو الشخص الذي وراء هذا الخبر ويجب أن يُعَاقَب.
فتدخل وزير الحربية وقال: لماذا تغضب ؟ هل أنت وزير للإعلام ؟ قد يعتقدون أن إصدار هذا الخبر في مصلحة الوطن.
فسألت: من هم الذين يعتقدون؟.
فقال: لا أعرف ولكني أود أن أقول لك ألا تتدخل في عمل المخابرات أو في عمل الإعلام.
فأجبته بأنني سوف أتدخل».
وبالفعل تدخل سعد الشاذلي وكان يشك في اثنين أحدهما محمد حسنين هيكل رئيس تحرير جريدة الأهرام، والآخر هو محمد عبدالقادر حاتم وزير الإعلام وقتها، فذهب إلى مكتب الأخير ودار بينه حوار حول مصدر الخبر فنفى علمه بذلك ووعد بأن يبحث عن مصدر الخبر.
وقد علق سعد الشاذلي في هامش تلك القصة بقوله بقوله: قد عرفت من كان يقصد الوزير بكلمة (هم) بعد حوالي 4 سنوات ونصف السنة من هذه المجابهة، إنه كان يقصد السادات، وقد اعترف بذلك في مذكراته»[4]؛ (يقصد السادات في البحث عن الذات).[5]
إزاء تصرف الشاذلي وذهابه إلى مكتب محمد عبدالقادر أقيل من منصبه في اليوم التالي وقال عن ذلك « لقد بلغ التحدي بيني وبين السلطة السياسية مداه، إن بقائي سوف يفسد الألاعيب التي يقومون بها ولقد تحملوا مني الكثير وكان لابد أن يتخلصوا مني وفي مساء 12 ديسمبر أقالني السادات في منصبي كرئيس لأركان حرب القوات المسلحة المصرية».[6]
[1] محمد أنور السادات، البحث عن الذات، ط/1، المكتب المصري الحديث للطباعة والنشر، القاهرة، 1978م، ص ص348–349.
[2] جريدة الأهرام، عدد 11 ديسمبر 1973م، ص1.
[3] المرجع السابق، عدد 12 ديسمبر 1973م، ص1.
[4] سعد الدين الشاذلي، حرب أكتوبر (مذكرات)، ط/1، منشورات مؤسسة الوطن العربي للطباعة والنشر بالتعاون مع دار المحرر للطباعة والنشر، باريس – بيروت، 1980م، ص285.
[5] محمد أنور السادات، البحث عن الذات، ص255.
[6] سعد الدين الشاذلي، حرب أكتوبر (مذكرات)، ص285.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال