رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
1٬507   مشاهدة  

“الوباء من ضيوف الرحمن (1-2)” لماذا رفضت أوروبا إلغاء الحج عام 1947 ؟

ضيوف الرحمن
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



بين الحج والوباء (أي وباء) من ضيوف الرحمن تناغم كبير، فالحج أكبر تجمع بشري سنوي على وجه الأرض من شتى أرجاء العالم، ولأن كورونا بات خطرًا مؤكدًا بدأت التكهنات حول إلغاء الحج لهذا العام خاصةً بعد القرارات التي اتخذتها المملكة العربية السعودية الشهر الماضي بشأن الحرمين المكي والمدني.

اقرأ أيضًا 
هل توقف الطواف حول الكعبة 40 مرة “أخطاء تغطية المواقع لأخبار كورونا”

مؤخرًا أطلقت دار الافتاء المصرية مبادرةً أسمتها «كأني اعتمرت» وأعلن الشيخ شوقي علام «مفتي الديار المصرية» مفادها بأنها مبادرة تستهدف توجيه الأموال التي كان المعتمرين سينفقونها لأداء العمرة الرمضانية إلى مصارف الخير ودعم المحتاجين والعمالة اليومية غير المنتظمة، وأشار إلى أن حج النافلة ربما سيكون ضمن تلك المبادرة في حال استمرار فيرس كورونا.

الحج والوباء في مصر

محمل الحج المصري
محمل الحج المصري

يكتظ التاريخ المصري بالمآسي في سيرة ثنائية الحج والوباء خاصة مع الكوليرا التي انتشرت بين ضيوف الرحمن 21 مرة في 61 سنة، وحدثت الكوليرا في مصر 10 مرات في السنوات التالية “1831، 1834، 1848، 1850، 1855، 1865، 1883، 1895، 1902، 1917، 1947″، ومن المرات العشرة كان هناك 6 دخل فيهم الوباء عن طريق ضيوف الرحمن.

اقرأ أيضًا 
“تاريخ الكوليرا في مصر” إحصاء المواقع غير صحيح وهذه حكاية كل وباء

الوباء الأول بسبب الحجاج كان في أغسطس من عام 1831 وعُرِف وقتها باسم الهيضة وكان مصدره الحجاج المصريين العائدين من مكة وخلال شهرين فقط تمكن الوباء من قتل 6 % من تعداد مصر حيث بلغ مجموع من قضى نحبهم 150 ألف نسمة واستحوذت القاهرة على 3600 من الضحايا.

من وثائق محجر جدة في السعودية بعد كوليرا 1901 م
من وثائق محجر جدة في السعودية بعد كوليرا 1901 م

أما الأوبئة الأربعة الذين تلوا كوليرا 1831 فلم تكن أقل ولا أخف وطأة ويرجح أن عدد من فقدوا حياتهم خلال الأوبئة الخمسة وصل إلى نصف مليون، بينما الوباء الخامس كان عام 1865 عبر الحجاج المصريين الذي دخلوا الأراضي المصرية عبر الباخرة سيدني، فيما حل الوباء السادس بسبب الحجاج عام 1902 حيث بدأ يسري داخل مصر عن طريق قرية موشا في أسيوط وخلال 6 أشهر بلغ عدد المدن والقرى التي عانت من وباء موشا 2026 قرية ومدينة ومات 34 ألف 595 نسمة.

ما قبل طوفان 47 .. هل جرى استعداد ؟

جدول خط السير من مصر إلى الحجاز قبل سنوات كوليرا 47 - ص 1
جدول خط السير من مصر إلى الحجاز قبل سنوات كوليرا 47 – ص 1

ماضي مصر مع الكوليرا أثبت أن أهم مصدر لانتقال الكوليرا هم ضيوف الرحمن وقد أمكن اتقاء العدوى من هذا المصدر بإنشاء محجر الطور والذي اعتبره المؤرخين أهم درع لوقاية القطر المصري من الكوليرا التي تتفشى بين الحجاج نظرًا لاختلاط المصريين بالحجاج الهنود التي تقطن الكوليرا في بلادهم، وأول مرة استعمل فيها الحجر الصحي في الطور كان عام 1800م على القادمين بالبر.

جدول خط السير من مصر إلى الحجاز قبل سنوات كوليرا 47 - ص 2
جدول خط السير من مصر إلى الحجاز قبل سنوات كوليرا 47 – ص 2

تم الحجر على ضيوف الرحمن لأول مرة في معزل الطور عام 1842 م وتقرر أن يحجز فيه على البواخر الناقلة للحجاج عام 1866 م بناء على قرار صدر من المؤتمر الصحي في الأستانة في تلك السنة، وفي 1910 استبدلت الخيام في محجر الطور بمبان ، وكان يشرف على محجر الطور هيئة دولية تابعة للمكتب الدولي للصحة العامة في باريس إلى عام 1939 م، التي بدأت فيها تبعيته للحكومة المصرية.

جدول خط السير من مصر إلى الحجاز قبل سنوات كوليرا 47 - ص 3
جدول خط السير من مصر إلى الحجاز قبل سنوات كوليرا 47 – ص 3

قبل أن تحدث موجة الكوليرا عام 1947 م بعامين، ظهرت فكرة أشار لها الدكتور صلاح السيد عبدالعال علام في دراسته عن تاريخ الكوليرا، وهي فكرة بنود تعديل مواد الحج بالمعاهدة الصحية الدولية، حيث اجتمعت اللجنة الصحية لجامعة الدول العربية لأول مرة في نوفمبر 1945م ، وأثير فيها مسألة محجر الطور وتعديل الأنظمة الخاصة بالحج وكان يرأس هذه اللجنة الدكتور محمد خليل عبد الخالق وكيل وزارة الصحة لشئون الحجر الصحي.

جدول خط السير من مصر إلى الحجاز قبل سنوات كوليرا 47 - ص 4
جدول خط السير من مصر إلى الحجاز قبل سنوات كوليرا 47 – ص 4

كان من أهم قرارات اللجنة طلب تعديل المادة الخاصة بالكوليرا على الوجه الآتي: الأشخاص الذين يعتزمون الحج ويكونون قادمين من مناطق ظهرت فيها إصابات بالكوليرا في بحر الستة شهور السابقة يمنعون من الذهاب إلى الحج ما لم يوضعوا تحت الملاحظة في ميناء القيام لمدة خمسة أيام ولا تظهر عليهم أعراض المرض، وفي نفس الوقت يفحص برازهم بكتريولوجيا حتى يظهر منه أنهم غير حاملين للميكروب قطعا، وافق مجلس الجامعة العربية على التعديلات الخاصة بفحص براز الحجاج بكتريولوجيا، والتي صارت بعد تلك الموافقة ملزمة للدول العربية.

لماذا اعترضت أوروبا على اقتراح مصر بشأن الحج

مكة المكرمة
مكة المكرمة

وفي أبريل عام 1946 م اجتمع المكتب الدولي للصحة العامة بباريس ، اشتركت فيه الدول التي اهتمت بأعمال الحجر الصحي ، وقد مثل مصر في هذا المؤتمر الدكتور محمد خليل عبد الخالق وتقدم باسم مصر وباسم الدول العربية التي انتدبته لتمثيلها في هذا المؤتمر باقتراح لتعديل المادة 92 من المعاهدة الدولية الصحية ، وكان أساس هذا التعديل عدم السماح للمسافرين من مناطق موبوءة في الهند بالسفر إلا بعد عزلهم خمسة أيام من مواني السفر سواء كان بالطائرات أو بالبواخر وفحص برازهم بكتريولوجيا.

إقرأ أيضا
برومو مسلسل الحشاشين
مبنى المسافر خانة في الحجاز
مبنى المسافر خانة في الحجاز

عارض مندوب الهند على أساس أن ذلك يتطلب نفقات إضافية بإنشاء معازل ومعامل بكتريولوجية وقال إنه لا يمكن تنفيذه عمليا ، وكان الرأي السائد هو أن مصر ترمي إلى زيادة الضمانات ضد تسرب الكوليرا من مواطنها الأصلية وذلك ليتحقق الخير الحجاج ولصالح جميع العالم ، وقد تقرر إرسال مشروع التعديل إلى سائر الحكومات التقدم ملاحظاتها ، ثم يطرح للمناقشة في الاجتماع التالي والذي حدد له أكتوبر 1946م وفي هذا الدور مثل مصر الدكتور مصطفى عمر ومعه الدكتور محمد خليل عبدالخالق بصفته مستشارا، وأصر الأخير على طلب إجابة مصر إلى مقترحها باعتباره حقا طبيعيا لها ووسيلة من وسائل الدفاع عن النفس ، وضمانا لوقاية مصر والعالم من وباء الكوليرا.

اقرأ أيضًا 
حقيقة أكذوبة وباء كل 100 سنة في عام 20 “حين تتورط سكاي نيوز بالكوبي بيست”

ألبت الحليفة بريطانيا مندوبي الدول الأخرى ضد الاقتراح وتمكنت من تأجيل النظر فيه إلى دور أبريل 1947 لعدم وجود فان لوغيم المندوب الهولندي والأخصائي الوحيد بين مندوبي الدول لمكافحة وباء الكوليرا، وقامت وزارة الصحة بعمل مناورة لعدم تمكين الدكتور محمد خليل عبد الخالق من متابعة هذا المشروع، وذلك بندبه لعمل آخر ، وكان هذا العمل بمثابة إهمال وتنحية له وأسندت أعمال الحجر الصحي لسكرتير عام وزارة الصحة.

مستشفى الإسكندرية للعزل من الكوليرا
مستشفى الإسكندرية للعزل من الكوليرا

ترتب على ذلك أن اجتمع في الإسكندرية في أبريل 1947م مندوبو الستة  وهم انجلترا وفرنسا وهولندا والهند والمملكة العربية السعودية ومصر ، وتقرر الاكتفاء بالتطعيم وملاحظة الحجاج قبل سفرهم ، وأن شهادة التطعيم لا تكون مقبولة إلا بعد ثمانية أيام من حصوله ولمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر وأسقطت مسألة الفحص البكتريولوجي ، ووافق على القرار المسيو “فان أوغيم ” مندوب هولندا ، فلما خرج من الاجتماع راجعة الدكتور محمد خليل عبد الخالق وأقنعه بأهمية الفحص البكتريولوجي، واقتنع بأن هذا الإجراء هو في صالح العالم أجمع ، فعاد في الجلسة التالية وأصر على ضرورة الفحص البكتريولوجي مما دعا اللجنة إلى اعتبار أن هذه مسألة فنية تعرض على هيئة الخبراء في جنيف، والذي أجل البت فيه إلى دور نوفمبر 1947 ، حتى يتم بحثه بواسطة لجنة فنية.

ميناء جدة
ميناء جدة

عارضت كلا من انجلترا وفرنسا الاقتراح المصري ؛ لأنهما من الدول البحرية وتتأثران بهذا الحجر، وكذلك الهند لأن الحجر يكلفها مبالغ طائلة، وإصرار الحكومات المصرية على إبعاده عن مصلحة الحجر الصحي بناءا على تعليمات من السلطات البريطانية والذي يؤكد ذلك أن خبر ندب الدكتور محمد خليل قوبل بارتياح في دوائر لندن ، وهذا يعد وجها من أوجه التقصير لوزارة الصحة في نظر كثير من السياسيين ؛ لأنه ثبت أنه لم يكن هناك حجر صحي بمعنى الكلمة، ولو كانت هناك رقابة تامة لما تسرب الوباء الحالي إلى مصر.

الكاتب

  • ضيوف الرحمن وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
2
أعجبني
2
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان