همتك نعدل الكفة
191   مشاهدة  

عديمة النظير في نساء وقتها .. عن حفصة بنت سيرين المحدثة الفقيهة

حفصة بنت سيرين
  • مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



إنّ الناظر في التاريخ الإسلامي يوقن مكانة المرأة وأهميتها ودورها في إرساء الحضارة، وتأكيدًا على (علو) علومها ذكر جُل علماء الأمة ومؤرخيها العِظام دورها في ترسيخ العلوم لا سيما الشرعية، فهم من أخذوا العلم عن نساء وتربوا في حجور نساء صالحات بذرنّ في صدورهم حبّ المعارف.

ومن الصالحات التقيات العالمات” حفصة بنت سيرين”؛ المرأة التي ناظرت التابعين وعلماء الأمة بكل ثقة، جاءت سيرتها في أمهات المصادر التاريخية كفقيهة محدثة، ولها روايات كثيرة في صحيح البخاري ومسلم وغيرها من كتب السنة.

نشأت في بيت تقوى 

نشأت” حفصة بنت سيرين ” في بيت تقوى وورع، فأبوها ” سيرين” كان مولى الصحابي والمحدث الجليل ” أنس بن مالك الأنصاري” رضي الله عنه أعتقه، وزوجه من فتاة تُدعى” صفية”؛ كانت أَمة عند “أبي بكر الصديق” رضي الله عنه، وقد أعتقها لوجه الله.
جالس الأبوين كبار الصحابة في المدينة، تعلموا وأخذوا عنهم العلوم لا سيما علم الحديث والفقه، ثم قررا الأبوين الخروج من المدينة في النصف الأول من القرن الأول الهجري إلى البصرة ليستقرا فيها. أنجب “سيرين” و”صفية”  عددًا من الأبناء والبنات عُدوا من التابعين، وهم ( حفصة، محمد، أنس، ويحيى، ومعبد، وخالد، وكريمة، وأم سليم).

ولدت حفصة عام 32 للهجرة، بالبصرة ، وهي أكبر ولد ” سيرين”، قرأت القرآن وهي ابنة الـ 12 سنة، اشتهرت بالزهد والورع، وقيل عنها أنها” لا تخرج من بيتها إلا لحاجة أو لمقابلة من يأتون ليستفتوها ويتعلمون منها”.

كان إخوة ” حفصة” الذكور من التابعين المشاهير في التاريخ الإسلامي، حيث برعوا في علوم الحديث والتفسير والفقه والقراءات وتفسير الرؤى والأحلام، ولعل أشهرهم التابعي” محمد بن سيرين”، ورغم شهرته الواسعة وعلومه المتقنة إلا أن” حفصة” كانت أتقن منه إذ ورد في كتاب تاريخ بغداد أن (أخوها) “محمد بن سيرين” إذا استشكل عليه شيء من القرآن قال: اهبوا إلى حفصة، واسألوها كيف تقرأه” ، ويدل هذا على إتقانها علوم القراءات.

بنت سيرين ورواية الحديث 

روت ” بنت سيرين ” عن الصحابية ” أم عطية الأنصارية”، كما روت عن الصحابية ” أم الرائح الرباب” ، ومولاها “أنس بن مالك” ، و التابعي “أبي العالية”. لم تسمع ” بنت سيرين” الحديث فقط بل نشرته وعلمته لجُل التابعين ومن تابعهم، فقد روى عنها أخوها” محمد بن سيرين” ، وأيوب، وقتادة، وهشام بن حسان، وابن عون، وخالد الحذاء وغيرهم.

ومما ذكره” ابن الجوزي” في كتابه “المنتظم في تاريخ الملوك والأمم” عن مُدارستها للحديث أن :” موّرق بن المشمرج العجليّ كان يزورها في بيتها للمدارسة والمذاكرة، فتقول حفصة: “كان مورّق يزورنا، فزارنا يومًا فسلّم فرددتُ عليه، ثم ساءلني وساءلتُه”.

كما كان كان لحفصة ابن بار يسمى” الهذيل بن عبد الرحمن” أو “هذيل بن حفصة”، وهو من الرواة الثقات حرصت على تربيته، فبرع في علم الحديث،و روى الحديث عنها حتى إن سيرته في كتب التراجم في معظمها تقول ” الهذيل بن عبد الرحمن بن حفصة بنت سيرين” ويعود هذا لشهرة والدته الزاهدة المحدثة.

وتوفي  في حياتها فتقول ” بنت سيرين” يوم وفاته :” فلما مات رزقني الله عليه من الصبر ما شاء أن يرزق، فبينا أنا ذات ليلة أقرأ سورة النحل إّ أتيت على هذه الآية “وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ، وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” فأعدتها فأذهب الله عني ما أحِد.

ومن تلاميذها أيضًا” عائشة بنت سعد السعدية” وكانت بدورها ثقة من أهل البصرة روت الأحاديث عن الحسن البصري وشيختها حفصة بنت سيرين، كما أخذ عنها قاضي البصرة ” إياس بن معاوية ” وهو من جيل التابعين، وفقد جاء عنه في كتاب” المتفق والمفترق” للخطيب البغدادي أنه قال : “ما أدركتُ أحدا أُفضِّله على حفصة، فقيل له: الحسن (البصري)، وابن سيرين (محمد)؟ فقال: أما أنا فلا أُفضِّل عليها أحدا. قال: وقرأتِ القرآن وهي ابنة اثنتي عشرة سنة، وماتت وهي ابنة سبعين سنة”.

مما جاء في روايتها 

ـ عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية الأنصارية قالت: “أخذ علينا النبي صلى الله عليه وسلم في البيعة أو عند البيعة أن لا ننوح”.

ـ  و روت عن أم عطية مشهد غُسل السيدة زينب الكبرى ابنة النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاتها، قالت حفصة بنت سيرين: “حدثتني أم عطية، قالت: تُوفيت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم فأمرنا رسول الله فقال: اغسلنها وترا ثلاثًا أو خمسا أو أكثرَ من ذلك إن رأيتُنّ ذلك، وغسِّلنها بماء وسِدر، واجعلن في الآخرة كافورًا أو شيئا من كافور، فإن فرغتُنَّ فآذِنَّني”.

إقرأ أيضا
الاقتصاد السوداني

ـ كما روت عن ‌أم عطية رضي الله عنها أنها قالت :” بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأ علينا: أن لا يشركن بالله شيئا، ونهانا عن النياحة، فقبضت امرأة يدها، فقالت: أسعدتني فلانة، أريد أن أجزيها، فمَا قال لها النبي صلى الله عليه وسلم شيئا، فانطلقت ورجعت، فبايعها”.

ـومن الأحاديث الصحيحة التي أُخذت عنها  إخبار  عثمان بن محمود بن أبي بكر – بأصبهان – أن أبا الخير محمد بن أحمد أخبرهم ، أبنا أبو عمرو عبد الوهاب بن أبي عبد الله بن منده ، أبنا إبراهيم بن عبد الله ، ثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي ، ثنا علي بن شعيب ، ثنا الوضاح بن حسان ، ثنا سلام أبو الأحوص ، عن عاصم بن سليمان ، عن حفصة بنت سيرين ، عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتحل وترا .

 هذه نماذج قليلة مما جاء عن “بنت سيرين” ، وإنّ الناظر في صحيح البخاري و مسلم وكتب السنن المختلفة ستجد مئات الأحاديث الصحيحة التي روتها، بإخلاص وعلم دون تحريف أو زيف، لذلك وجدناها في طبقات ” الثقات” في مؤلفات الجرح والتعديل، والثقة في علم الحديث بمعنى الضبط وصحة الرواية وعدم الكذب والتدليس، يقول عنها “أبو الحسن العجلي الكوفي” ، في كتابه “تاريخ الثقات”: “حفصة بنت سيرين أم الهذيل؛ بَصْرية؛ ثقة، تابعية، سمعت أم عطية (الأنصارية الصحابية)”.
قالو عنها ..
ـ يقول عنها “أبو عبد الرحمن السُّلمي” في كتابه “طبقات الصوفية“: “حفصةُ بنت سيرين أُخت محمد بن سيرين من متعبّدات البصرة، وكانت مثل أخيها محمد بن سيرين في الزهد والورع، وكانت صاحبة آيات وكراما، كانت حفصة بنت سيرين تسرجُ سراجها مِن الليل ثم تقوم وتصلي في مصلاها فرُبما طُفئ السراج، ويُضيء لها البيتُ حتى تُصبح”.
ـ يقول” ابن الجوزي “في كتابه ” المنتظم في تاريخ الملوك والأمم” “قرأت القرآن وهي بنت اثنتي عشرة سنة، وكانت تختم كل يومين، وتصومُ الدهر (أغلب العام)، وتقومُ الليل”.
ـ وقول “ابن الجوزي” في كتابه ” مرآة الزمان” “مكثت في مُصلّاها ثلاثين سنة لا تخرج إلا لحاجة، وكانت تختِمُ القرآنَ كل يوم وليلة، وتصومُ الدهر، وتُفطر العيدَين وأيَّام التشريق”.

ـ يقول  ” الذهبي” عنها في كتابه ”  سير أعلام النبلاء” ـ وقد عدها في الطبقة الثانيةـ  “كانت عديمة النظير في نساء وقتها، فقيهة صادقة فاضلة كبيرة القدر، توفيت بعد المئة من الهجرة”.

ـ يقول عنها “ابن حجر العسقلاني” في كتابه “تهذيب التهذيب” أنها توفيت سنة 101 من الهجرة عن عُمر ناهز التسعين سنة.

رحلت “حفصة بنت سيرين”  بعد حياة حافلة مليئة بالعلم والورع ، وقد خرج في جنازتها كبار التابعين والصالحين في البصرة آن ذاك ومنهم “الحسن البصري” وأخيها “محمد بن سيرين”، وغيرهم. إنّ في حياة ” حفصة” عظة وعبرة ودليل دامغ على مكانة المرأة وإسهاماتها في الإسلام وكيف نقل عنها العلم كبار التابعين والفقهاء، وعلماء الأمة .

الكاتب

  • حفصة بنت سيرين مي محمد المرسي

    مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان