عصام عمر في “تغيير جو”.. حين يتعاطف الجمهور مع الشرير
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
إحدى حسنات “تغيير جو” المعدودة دور أيمن الذي يقدمه عصام عمر، شخصية استطاعت الجمع بين نقيضين؛ جعلت المشاهد يكرهها ثم يعود ليتعاطف. موهبة طاغية وملامح طبيعية ساعدته على إمتعانا بمغامرة مع أيمن، الشاب المسحول في غربة لبنان حين يجد فرصة لابتزاز ما يعينه على صعوبة الحياة.
تبدأ حكاية أيمن في البنزينة التي يعمل بها بالسخرة، أوقات عمل طويلة وملاليم بالكاد تسد احتياجاته؛ ولا سبيل لعمل آخر كونه مقيم غير شرعي في لبنان. يظن أن الحظ ابتسم له حين يكتشف أنه الشاهد الوحيد على سرقة حقيبة شريفة، ليتعرف على اللص ويرغمه على تسليم الحقيبة. بعد حصوله على الحقيبة يبدأ رحلة من التفاوض والمساومة مع شريفة؛ الحقيبة مقابل 10 آلاف دولار.
أولى مشاهد الشخصية في تغيير جو كانت من داخل البنزينة، حيث يظهر في واقعه المتهالك. ونرى كيف يتعايش مع عمله وخاصةً زميلته “أنيسة” المهاجرة الإفريقية. مع استمرار الحلقات نتعرف أكثر على أيمن، النموذج المتكرر للشاب المغترب، الذي يقضي أيامه محاولًا تلبية مطالب أسرته في مصر.
اقرأ أيضًا
“تغيير جو” جولة في لبنان التي لا يعرفها أحد
في الواقع أيمن لم يتورط مع سارق الحقيبة لمساعدة شريفة، خاصةً بعد أن تأكد من عدم حصوله على “الحلاوة”؛ فقط رأى فرصة واقتنصها. كان من الواضح أمامه أهمية الحقيبة لصاحبتها من استماتها في الحصول عليها. وتأكد من ذلك بعد أن رأى أوراق بيع بيت شريفة من ضمن محتوياتها.
شخصية مرسومة بالمسطرة وأداء مبهر من عصام عمر
رأى فرصة وحاول اقتناصها، معتقدًا أن المبلغ الذي يطلبه مكافأة استحقها لن تنقص من ثروتها شيء كما قال “الـ10 آلاف دولار بالنسبة ليها ولا حاجة؛ بالنسبة ليا أنا عمر جديد”. هنا يظهر الدافع خلف ابتزازاه شريفة؛ ليس الابتزاز ولا الاستغلال بل الحاجة. ليجد المشاهد نفسه متعاطفًا مع الشخصية التي ترتكب أفعالًا شريرة.
الأداء الصادق لعصام عمر كان أحد أهم عوامل نجاح الشخصية، إضافةً للدور المكتوب بذكاء والكادرات التي أظهرت عدة جوانب من شخصيته بشكل غير مباشر. نرى في أكثر من مشهد علاقة أيمن بالقطط، وكيف وصى عليهم أنيسة حين اضطر لترك عمله في البنزينة. ثم تردده في التعاون مع صاوي مشتري البيت من شريفة، حين عرف أن تسلميه العقد سيؤذيها.
نحن أمام ممثل ذكي يستطيع التحكم في انفعالاته، بإمكانه أن يضحكنا كما فعل في مسلسل “بالطو“، وبالسهولة نفسها يبكينا. أحد أهم مشاهده في تغيير جو من الحلقة الـ13؛ وهو محتجز في منزل زوزو بعد أن حاول إرجاع حقيبة شريفة. لا يمكن بحال ألا نشعر بالتأثر وهو يبكي بحرقة منثنيًا على نفسه في وضع الجنين، لمسنا الخوف واليأس وشعرنا بالقهر حين اضطر لمداراة مأساته هو يتحدث مع والدته على الهاتف.
انتقل بنا عصام عمر من شعور سيء إلى أسوأ في أقل من 20 ثانية، وكلاهما مختلف وحقيقي، تعاطف معه المشاهد لدرجة جعلته ينسى أنه أجرم بالفعل في حق شريفة واستغل وضعها لابتزاز الأموال. أمام دموعه واصطناعه الضحكات في مكالمة والدته التمسنا له العذر دون أن يطلب، ورأينا الوجه الآخر من الشرير الذي يجعله ضحية لظروفه.
اقرأ أيضًا
“تغيير جو” دراما الحياة من داخل المتاهة وأغاني أمير عيد المميزة
محاولة للحب..
نعم الظروف سيئة بما فيه الكفاية، بلا عمل وبلا إقامة ومتورط في قصة قد تلقي به في السجن؛ لكن المشاعر تتسرب ببطء دون أن يدري نحو أنيسة- السمراء الجميلة التي رغم صغر دورها أحببناها-. نشاهد قصة حب مختلفة تمامًا بين أيمن وأنيسة، قائمة على الدعم والمساندة في اتجاه واحد معظم الوقت منها نحوه. دائمًا ما يحتاج الإنسان للحب في ظل الظروف الصعبة، وربما يبحث عنه دون أن يدرك.
وإن كانت الأحوال غير ملائمة إلا أنها نتيجة طبيعية بعد بوادر الإعجاب والتفاهم بينهما قبل أن تبدأ قصة الحقيبة. كلاهما يرى نفسه في الآخر، يتشاركا الظروف والصعوبات نفسها ويحاولان الصمود معًا. لكن منطق أيمن مختلف عن منطقها في التعامل مع الأمور، وهنا يواجها أول مشكلة في علاقتهما حول ابتزازه شريفة.
في البداية نجح أيمن في إقناع أنيسة بالتعاون معه في لقائه الأول بشريفة، وهنا وافقت ليس لاقتناعها وإنما من أجله. ثم وصلت الأمور لنقطة الخلاف الصريح؛ لأن الحب لا يمكن أن يعيش مع الأذى والشر. لم يتردد أيمن في اختياره للحب على حساب الحل السريع لمشاكله، وقرر تسليم الحقيبة إرضاءً لها بعد عدة محاولات محبطة.
قدمت شخصية أيمن الدوافع الإنسانية خلف الأفعال الشريرة، حين يرغب الإنسان في التصالح مع أفعاله السيئة أمام نفسه بخلق مبررات. تمامًا كما رأى بطل “الجريمة والعقاب” مبررًا للقتل، متناقضًا مع طبيعته التي لا يمكن أن تصنف شريرة. جانب مبهر من رسم الشخصية جعل المشاهد يرى الواقع النفسي من خلاله، كل من يرتكب أفعالا سيئة يبحث أولًا عن المبرر لنفسه، نادرًا ما يستطيع الإنسان التعايش وهو يرى نفسه في دور الشرير.
بشكل عام قدم المبدع عصام عمر دور أكثر من رائع ظلمه فشل العمل في استقطاب الجمهور، كانت شخصيته القصة الأفضل وسط زحام من القصص الجانبية في تغيير جو. موهبة حقيقية تعاونت مع إخراج ممتاز وحوار مبدع، جعلت الجمهور يعيش من خلال أيمن ويتعاطف مع شخصيته الطبيعية بخيرها وشرها.
الكاتب
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال