عندما أُسِر زوج بنت النبي مع كفار قريش “ردها للرسول ثم تزوجها لاحقًا”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
وضعت معركة بدر بين المسلمين وكفار قريش أوزارها بانتصار ساحق للمؤمنين، ثم فتحت حكاية زوج بنت النبي صلى الله عليه وسلم أبو العاص بن الربيع.
حكاية أبو العاص بن الربيع زوج بنت النبي
اختلف المؤرخون في اسم أبو العاص بن الربيع، فالطبراني في معجمه أورد 3 أسماء له وهم «لَقِيطٌ، والْقَاسِمُ، ومُهْشَمٌ»[1]، والأخير أورده الزبير بن بكار في جمهرة نسب قريش[2]، لكن الطبراني يذهب إلى أن الثابت اسم القاسم وأمه هي هالة بنت خويلد أخت السيدة خديجة بنت خويلد.
لم يكن أبو العاص بن الربيع من الذين أسلموا من داخل آل البيت النبوي، لكنه كان زوجًا للسيدة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إلى أن حدثت الهجرة النبوية واستعدت قريش للمواجهة مع المسلمين في معركة بدر.
اقرأ أيضًا
منذ متى ورأس السنة الهجرية أجازة في مصر ؟ “مسيحي وأديب ولاعب كرة كانوا السبب”
كان كفار قريش يمارسون ضغوطًا كبيرة على أبي العاص بن الربيع ليطلق السيدة زينب لكنه أبى ورفض وعبر عن ذلك بقوله «لا أفارق صاحبتي، فإنها خير صاحبة»[3]، وعبر عن حبه الصريح لها بقوله «ما أحب أن لي بامرأتي امرأة من قريش».[4]
اندلعت معركة بدر وكان أبو العاص من مقاتلي قريش لتحيق بهم الهزيمة ويقع في الأسر، وقد اختلف المؤرخون في المسلم الذي أسره، فابن عبدالبر يقول أنه عبدالله بن جبير بن النعمان الأنصاري[5]، فيما يرى بن هشام أن الذي أسره هو خِرَاش بن الصَّمّة.[6]
مكث أبو العاص بن الربيع في الأسر إلى أن تأتي فديته فكانت السيدة زينب هي التي افتدته إذ بعثت بقلادة لها كانت أمها السيدة خديجة رضي الله عنها أعطتها لها عندما تزوجت أبو العاص، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم القلادة رق وقال: إن رأيتم أن تُطْلِقُوا لها أسيره وتردوا عليها مالها فافعلوا، فوافق الصحابة وأطلقوه، ثم أخذ النبي من أبي العاص وعد أن يخلِّي سبيل زينب، فوعده بذلك وانصرف ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم كلاً من زيد بن حارثة ورجل من الأنصار بأن يكونا في منطقة يأجج انتظارًا لها.
طريق بنت النبي إلى أبيها من مكة إلى المدينة
بدأت السيدة زينب تستعد للمسير من مكة إلى المدينة بعدما أخبرها زوجها باللحاق بالنبي صلى الله عليه وسلم، فلما انتهت جهز لها كنانة بن الربيع شقيق زوجها بعيرًا بهودج ورافقها نهارًا للحماية، وهو الشيء الذي استفز كفار قريش.
يحكي الطبري في تاريخه أن هبار بن الأسود ونافع بن عبدالقيس والفهري قد ركبوا خيولهم لملاحقتها وكاد هبار أن يقتلها بالرمح لولا أن كنانة بن الربيع استعد للرمي بالنبال وكان دقيقًا في إصابته وقال: لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه سهمًا، فخافوا إلى أن جاء أبو سفيان وطلب منه أن يجعل خروج زينب لأبيها مساءًا، وذلك بحسب تصور أبو سفيان أن قريش هُزِمَت في حرب، وخروجها بعد الهزيمة جهارًا نهارًا يضيف إلى ذلهم ذل، فوافق ورافقها ليلاً إلى أن سلمها لزيد بن حارثة وصاحبه.[7]
السؤال الكبير: لماذا ظلت بنت النبي زوجةً لكافر ؟
من الأشياء الملفتة في قصة أبي العاص بن الربيع زوج بنت النبي صلى الله عليه وسلم استمرار الزواج بينهما حتى الهجرة النبوية، وذلك لا يحل شرعًا.
وقد أجاب بن كثير عن ذلك بقوله: حرم الله المسلمات على المشركين عام الحديبية[8]، وذلك عندما نزل قول الله تعالى في سورة الممتحنة «وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ».
مصير زوج بنت النبي
استفاض الطبري في تاريخه عن حال أبي العاص بن الربيع بعد ذلك[9]، فقال أنه بقي في مكة واستقرت زينب رضي الله عنه بالمدينة، وقبل فتح مكة كان أبو العاص في تجارة للشام ومعه أموال من قريش على سبيل الأمانة، وفي أثناء مجيئه لقيته سرية من المسلمين فأخذوا كل من معه، وهرب أبو العاص وفي المساء ذهب إلى السيدة زينب ليستجير بها في رد المال، وعند الصباح صاحت من عند صف النساء وقالت: أيها الناس، إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسالم من الصلاة، أقبل على الناس وقال: أيها الناس، هل سمعتم ما سمعت! قالوا: نعم، قال: أما والذي نفس محمد بيده، ما علمت بشيء كان حتى سمعت منه ما سمعتم، إنه يجير على المسلمين أدناهم، ثم دخل على ابنته وقال أي بنية أكرمي مثواه ولا يخلص إليك، فإنك لا تحلين له، فأخبرته بالأمر وسبب الإجارة.
وجاء النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وقال لهم «إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم، وقد أصبتم له مالاً، فإن تحسنوا تردوا عليه الذي له، فإنا نحب ذلك، وإن أبيتم فهو فيء الله الذي أفاءه عليكم، فأنتم أحق به، قالوا: يا رسول الله، بل نرده عليه»، فردوا عليه ماله، ثم ذهب إلى مكة وأدى الأموال لقريش وسأل هل عليه لأحدٍ شيء فقالوا لا، ليجيبهم بقوله: »فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، ووالله ما منعني من الإسلام عنده إلا تخوف أن تظنوا أني إنما أردت أكل أموالكم، فلما أداها الله إليكم، وفرغت منها أسلمت ثم خرج حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلن إسلامه ثم رده الرسول إلى ابنته.
وقد توفيت السيدة زينب سنة 629م/ 8هـ، فيما رحل أبو العاص بن الربيع عن الحياة بعدها بـ 4 سنوات وتحديدًا في 633م / 12هـ، ومن الأشياء التي تذُكْر في قصة أبي العاص بن الربيع هو أن النبي كان يراه دائمًا وفيًا لعهده واحترم وعده له وقال عنه حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي.[10]
[1] الطبراني، المعجم الكبير، تحقيق:- حمدي بن عبدالمجيد السلفي، ج19، ط/2، مكتبة بن تيمية، القاهرة، محرم 1404هـ / أكتوبر 1983م، ص ص200–201.
[2] الزبير بن بكار، جمهرة نسب قريش وأخبارها، تحقيق عباس هاني الجراخ، ج2، ط/1، دار الكتب العلمية، بيروت، 2010م، ص258.
[3] البَلَاذُري، أنساب الأشراف ، تحقيق:- سهيل زكار ورياض الزركلي، ج1، ط/1، دار الفكر، بيروت، 1417هـ / 1996م، ص397.
[4] بن كثير، البداية والنهاية، تحقيق:- مجموعة من المحققين تحت إشراف عبدالقادر الأناؤوط وبشار عواد معروف، ج4، ط/1، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، 1436هـ / 2015م، ص116.
[5] بن عبدالبر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق:- علي محمد البجاوي، ج4، ط/1، دار الجيل، بيروت، 1412هـ / 1992م، ص1701.
[6] عبدالملك بن هشام، السيرة النبوية، تحقيق:- عمر عبدالسلام تدمري، ج2، ط/3، دار الكتاب العربي، بيروت، 1410هـ / 1990م، ص293.
[7] الطبري، تاريخ الرسل والملوك، تحقيق:- محمد أبو الفضل إبراهيم، ج2، ط/2، دار المعارف، القاهرة، 1387هـ / 1967م، ص470.
[8] بن كثير، البداية والنهاية، ج4، ص117.
[9] الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج2، ص ص470–٤٧٢.
[10] أبو عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري، الجامع الصحيح، ط/1، دار بن كثير للطباعة والنشر، دمشق، 1423هـ / 2002م، كتاب فرض الخُمْس، باب ما ذُكِر من درع النبي، حديث 3110 ص766، كتاب فضائل أصحاب النبي، باب ذكر أصهار النبي، حديث 3729 ص917.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال