همتك نعدل الكفة
1٬067   مشاهدة  

عندما كان مصطلح البغلة يحمل معاني جنسية في تاريخ اللهجة المصرية

البغلة
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



تأتي البغلة كأحد أسماء الحيوانات التي لها نصيب في اللهجة المصرية ليُضْرَب بها الأمثال، أو يُشَبَّه بها الإنسان مدحًا أو شتمًا، ومع تطور اللهجة المصرية، توارت كلمات واستبْدِلَت بأخرى، فكانت البغلة مصطلحًا للجواري.

مصطلح البغلات على الجواري .. لماذا ؟

الجواري من رسومات المستشرقين
الجواري من رسومات المستشرقين

رغم أن كتب التاريخ تناولت تفصيلات كثيرة حول تجارة الجواري في مصر، لكن أحدًا لم يتطرق إلى اسمهن في الدارجة المصرية، وتعج معاجم اللغة بالاتفاق حول أن المصريين كانوا يطلقون على الجواري مصطلح البغلات منذ العصر العباسي.

طابع بريد سوري صدر في سنة 1968م يظهر رسماً تخيلياً للجاحظ
طابع بريد سوري صدر في سنة 1968م يظهر رسماً تخيلياً للجاحظ

كان الجاحظ هو أول من رصد هذا المصطلح فقال «البغلات جواري من رقيق مصر، نتاج بين الصقالبة (أناس من بلاد البلغار من شرق أوروبا) وجنس آخر، الواحدة منهن يقال لها بغلة؛ ولهن أبدان ووثارة (كثرة الشحم) وجدارة.

يحكي الجاحظ في كتاب القول في البغال حكاية تضفي جانبًا آخر لمعنى البغلة، فهو لا يصف فقط سمنة الجواري، وإنما أيضًا يحمل ألفاظًا إيحائةً فجة، إذ جاءه رجل عراقي وقال للجاحظ «كنت عند قاضي مصر وهو يقول لبعض جلسائه: عندي جارية أطؤها منذ حين (الوطء بمعنى العلاقة الجنسية الكاملة)، وقد اعتراني شبق (رغبة جنسية)، وأنا عليّ أن أشتري بغلة، فقلت: وما تصنع ببغلة ؟، فقال: أطؤها وأصيب منها، فقلت في نفسي: هذا أمْجَن الناس وأحمقهم، يتكلم بهذا وهو قاضٍ ؟!!».

هنا كان الرجل العراقي يظن أن القاضي سيقوم بمعاشرة البغلة (الحيوان)، لكنه صُدِم من الحقيقة وأكمل للجاحظ قائلاً «حكيتُ ذلك عند رجل من أهل مصر، فقال لي: عافاك الله !، ما مِنَّا من أحد إلا وعنده بَغَلات ينيـ *** هـن، فتعجبت، فلما رأى إنكاري ذلك فسر لي معنة البغلة عندهم».

شهرة مصطلح البغلة بهذا المعنى وصلت إلى علماءٍ آخرين غير الجاحظ، فالزمخشري في أساس البلاغة قال « ومن المجاز: يقول أهل مصر: اشترى فلان بغلة حسناء، يريدون الجارية»، وأضاف شيئًا آخر في كتاب ربيع الأبرار وفصوص الأخبار «البغلات جوارٍ من رقيق مصر».

الربط بين البغلة والجواري شرحه الدكتور ياسر السيد رياض المرسي، أستاذ علم أصول اللغة في دراسته عن اللهجة المصرية بقوله «ترشد عبارة الجاحظ: (ولهن أبدان ووثارة وجدارة) إلى أن سبب تلقيبهن بهذا في اللهجة المصرية، هو اتصـاف هـؤلاء الجـواري بالغلظ والسمنة، ويتسق هذا مع اشتقاق كلمة البغل؛ فقد قيل: إنه سمي بهذا لغلظ جسمه وصلابته، وربما كان إلغاء نظام الرق، سببًا لموت هذه الكلمة، وعدم استمرارها في اللهجة المصرية».

كيف كان حال الجواري قبل إلغاء الرق

جواري راقصات
جواري راقصات

أجرى الدكتور عمرو عبدالعزيز منير دراسةً في الكتب التي تناولت التاريخ الحديث للجواري قبل اتجاه مصر لإلغاء الرق، وذلك أن المعتاد قديمًا كان الكشف على الرقيق من الجنسين وهم عرايا، عبر اختبارات غريبة خاصةً بالنسبة للجواري.

اقرأ أيضًا 
جواري وصلن إلى كرسي الحكم.. ما بين العشق والاتهام بالزنا

إقرأ أيضا
رأس السنة في مصر 2000م

وصف عمرو عبدالعزيز حال الجواري بقوله «يتعرضن لتفرس المشترين ونظراتهم، وهن في حالة من العري والبؤس، فلا يسترهن سوى قطعة صغيرة من القماش حول أصلابهن، أو شال معلق فوق أكتافهن، ويستسلمن بهدوء لعبث أيدي المشترين والبائعين الفاحصة ونظراتهم التي لا ترحم، وأما المرأة التي سبق لها العمل في خدمة المنازل فكانت ترتدي الملابس الشرقية، وتغطي وجهها، وتجلس سقيمة المزاج، وتبدي نفورًا من المشتري الذي يطلب منها كشف وجهها أو أعضائها الحساسة، بل كانت الجواري توضع في حريم المشتري أو حريم أحد أصدقائه لمدة ثلاثة أيام، تظل تحت مراقبة نساء الحريم، وفي النهاية يقدمن تقريرا عنها، فإما يقبلها المشتري وإما يردها إلى التاجر».

ثمة أسباب عديدة تنهي صفقة شراء الجواري في مصر، عددها إدوارد وليم لين بقوله «أن تغط في نومها، أو تصر بأسنانها، أو تتكلم أثناء النوم، ولكن حق التظلم كان مكفولاً للتاجر في إحدى حالتين؛ أن ترد إليه الجارية بعد انقضاء مهلة الثلاثة أيام، أو أن يجامعها المشتري، خاصة إذا كانت عذراء، فعند ذلك ليس للمشتري الحق في ردها إلى التاجر!».

المصادر
  1. كتاب: القول في البغال، تأليف/ الجاحظ، طبعة مكتبة مصطفى البابي الحلبي، 1955 م
  2. كتاب: أساس البلاغة، تأليف/ الزمخشري، طبعة دار الكتب العلمية، 1998 م
  3. كتاب: ربيع الأبرار وفصوص الأخبار، تأليف/ الزمخشري، ج5، طبعة الأعلمي، 1992م
  4. مجلة ذاكرة مصر المعاصرة، عدد: 23 – أكتوبر 2017 م
  5. مجلة حولية كلة اللغة العربية في إيتاي البارود، مجلد 33,عدد: 2 – أكتوبر 2020 م

الكاتب

  • البغلة وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان