“عن أسامة الشاذلي” محبيه حتى اللحظة وإلى الأبد لم يستوعبوا رحيله
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
«أسامة الشاذلي مات»
تلك الجملة الوحيدة التي لم يصدق أحد ممن لِزَم أسامة الشاذلي من أهله ورجاله وأصدقاءه أن يسمعوها في يومٍ ما، رغم إيماننا جميعًا بالموت وأننا سنموت، ومعرفتنا بأنه سيموت، لكن كلنا تمنينا أن لا نشهد هذه اللحظة أبدًا، وللدقة كلنا استبد بنا الأمل فصرنا على يقين (مستحيل في نظر البشر)، أن أسامة الشاذلي هو من سيحضر وفاتنا ويدفننا وينعينا ويكتب عنا.
السبب في ذلك واضح، فـ أسامة الشاذلي ببهجته وبعطاءه وبوجوده كـ سند وضهر لم يجعلنا نشعر بأنه سيموت، رغم أنه في أيامه الأخيرة كتب لنا سرًا وعلانيةً أنه سيموت، لكنه كان يدفعنا للأمان ويثبتنا.
لن أحكي عن التجربة الشخصية الممتعة في سنوات معرفتي بأسامة الشاذلي، ولن أتطرق إلى الكلام عن تفاصيل أيامه الأخيرة، فهي أقسى من أن يعبر عنها اللسان قبل الكيبورد والقلم، إنما سأتطرق إلى لحظات لعينة وهي فترة توديع أسامة.
كتبت زوجته رشا الشامي منشورًا عبر صفحتها الشخصية قالت فيه «ربنا يسعدك في الجنة يا حبيبي على قد ما أسعدتني وأسعدت ولادي وحبتهم وربتهم، مع السلامة يا نور عيني يا أسامة يا أحلى راجل في الدنيا».
لا أعلم حتى هذه اللحظة كيف استطاعت رشا الشامي بكل ما يختلجها من مشاعر أن تصيغ منشورًا يحمل نبأ وفاته بطريقة غير صادمة ومباشرة، فأغلب من قرأ المنشور لم يستوعبه، قد ظنوا أنه منشور في محبة أسامة تريد به زوجته أن تقول ما يعبر عنها وعنا «وجودك في الدنيا جنة فقم من غيبوبتك»؛ لكن في نفس اللحظة أدركنا أنه منشور يحمل خبر الرحيل.
من حبنا في أسامة أعمينا بصيرتنا عن المؤشرات المعطاة لنا من منشورات رشا الشامي، فأغلبها يؤكد أن ملك الموت بجانب الرجل ويحسب آخر ما تبقى من عمره، لكن لتأثير أسامة فينا لم نصدق هذه المؤشرات، ومكثنا فترة لم نتمالك أنفسنا من الصدمة، بل ولم نستوعب صدق الخبر الصادق إلى غاية أن دخل قبره.
لم تكن جنازة أسامة الشاذلي تقليدية، ليس بسبب أنه لم تندب امرأة ولم تقل أخرى بالتعديد، وإنما لأننا جميعًا نواسي بعضنا، فأشدنا حزنًا على أسامة وهم زوجته ونجله وبناته وإخوته وعائلته، كانوا يواسون رجاله ورفاقه وأحباءه، وهم في أمس الحاجة للمواساة، وهم أنفسهم كانوا يواسون بعضهم، وهم أيضًا الذين كانوا يبكونه أمامنا، تلك هي العائلة الأُسَامية.
كل من سار في جنازة أسامة الشاذلي كان بين اللوثة والجنون واليقين والإنكار، فجميعهم يتصوروا أنه سينهض من نعشه، رغم أنهم يسيرون في طريق اللامفر واللاعودة، ولما دخل لحده أيقنوا أنه رحل عن دنيانا، فاستسلموا للحقيقة المحتومة.
في عزاءه جلس كل من عرفه عن قرب ومن لم يعرفه عن قرب، مستسلمين للحقيقة الوحيدة الماثلة أمامهم وهي أن أسامة الشاذلي رحل، لكنهم ولوا أدبار أذهانهم عن التعبير عن رحيله بالمصطلحات التي تقال عن ما فارقونا.
نعم .. سنتأقلم على الرحيل، نعم .. نعرف أن الدنيا لا تقف بموت أحد، نعم .. نعرف أن أسامة لن يُنْسَى، نؤمن بأن البقاء لله وحده، كل هذه الجمل المصبوبة الحقيقية نعرفها وستحدث، لكن في النهاية ترك رحيل أسامة بداخلنا جرحًا عميقًا لن يلتئم، وسنعاني منه كثيرًا، فقط ما يهون على محبيه هو الاشتياق له في الجنة، فاللهم أكرم نُزُلَه فيها واجمعنا به عندها في دار الخلود.
اقرأ أيضًا
لن أكتب عن أسامة الشاذلي
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال