عن الجانب الشعبي في عملية تحرير الطفل زياد .. ليلة لم تنم فيها المحلة الكبرى

إذا توقفت سيارتك بالأمس بمدينة المحلة ، ونزلت إلى البنزينة دقائق قليلة للتفويل وشرب فنجال القهوة لاستكمال الطريق .. وتطرقت مسامعك لأي اثنين داخل البنزينة أو خارجها ، لن تسمع سيرة إلا عن الطفل زياد .. ذلك الطفل الذي تربص به ثلاثة من الذئاب واختطفوه من أحضان أمه من إحدى المحلات بمدينة المحلة الكبرى ، وكان المشهد الخطف ، وسحل الأم خلف سيارة الخاطفين مرعبًا للدرجة التي لم تتحملها المشاعر ، فانتشر المقطع سريعًا بين الناس في المحلة الكبرى ، ومن ثَم في مصر كلها ، ثم تزايد الموضوع انتشارًا حتى تناقلته وكالات عالمية كبيرة ، فأصبحت – في ظرف 48 ساعة – قضية رأي عام .

على مدار يومين ونصف تقريبًا ، كان هذا المشهد في المحلة الكبرى : مراسلين الصحف قد وزعوا أنفسهم بطبيعة التحرك الصحفي ، على ثلاثة أماكن أساسية ، مجموعة من الصحفيين رأوا أنه من الأفضل نقل صورة لحالة أسرة الطفل المخطوف ، ومجموعة أخرى كانت تتابع الموقف مع أجهزة الأمن ، ومجموعة ثالثة ترصد كل ما هو جديد من معلومات للنشر .. أجهزة الأمن تعمل على قدم وساق بعدد كبير من أفراد الشرطة لسرعة رد الطفل إلى أحضان أهله ، بمتابعة عن كثب من نائب مدينة المحلة والصحفي بالمصري اليوم أحمد بلال البرلسي ، وهناك .. كان فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي شخصيًا يتابع القضية وتحركات الأجهزة المعنية لإنهائها ، وحرص سيادة الرئيس على مشاركة أهالي المحلة فرحتهم بإهداء الطفل هدية عجلين ولاب توب .. وكان أهالي المحلة قد رفعوا صورة الرئيس السيسي أمام منزل الطفل بعد تحريره والقبض على الجناة في منزل مهجور . . كل هذه التحركات إن حاولنا بلورتها في جملة واحدة ، فإننا أمام دولة ذات يد أمنية قوة قادرة على ردع كل من تسول له نفسه لخدش السلم العام ومحاولة ترويع الآمنين ، ومثل هذه القضايا التي تتعامل فيها الدولة في تروس ميكانيكية سريعة ترسم معنى كبير هو أن المواطن المصري غالي على دولته ولا صحة لما يحاول البعض تسريبه من إحباط للمواطن المصري .

قبل عملية تحرير الطفل زياد بيوم ونصف :

هرع مراسلين الصحف لالتقاط السبق الصحفي ومتابعة أسرة الطفل والتأهب لتصوير لحظات تحريره .. لكن الزخم الحقيقي كان على المقاهي ، وفي محادثات التليفونات بين ربات المنازل ، وعلى المصاطب ، وبين الجميع لا يوجد إلا سؤال واحد : هاه .. لقوا زياد والا لسه ؟ .. وكأن زياد هذا ابن الجميع ، وأخو  الجميع ، وحفيد الجميع .. وكأن هذا الزياد جاء بأزمته الكبيرة لكي يعود الناس إلى طبيعتهم المصرية في وقت الأزمات .. فلا دعاء من الأمهات بالأمس إلا لزياد ، ولا كلام إلا عن رجال يحاولون مساعدة أجهزة الأمن بأي شئ قادرين لفعله حتى يعثرون على الطفل المخطوف في ملحمة استطاع فيها أهالي المحلة الكبرى وشعب مصر تمًا تكوين رأي عام ، وبيئة صحية لتعامل جميع الأجهزة بحماس واتزان وتخطيط معتدل في نفس الوقت ..

تأتي مثل هذه الأزمات لتلقي بالأفكار المحبطة التي يحاول أعدائنا تمريرها إلينا في أقرب سلة قمامة ، فلا نحن شعب قد فقد نخوته ، ولا شعب أصيب بالبرود من ناحية الرحمة الاجتماعية بسبب ثقل الحمل على كاهليه ، ولا نحن أناس نعيش لنأكل كما يحاول البعض تحجيمنا في هذه الدائرة المغلقة ، ولا نحن كما يقولون .. فما إن ترى فرحة أهالي المحلة بتحرير الطفل ، ورفعه على الأعناق ، وتسمع الزغرودة الريفي فرحًا بعودته .. حتى تعرف ، وتتيقن ، وتتأكد في أعماق وقرارة نفسك أننا مازلنا بخير ، وسوف نظل بخير !

إقرأ أيضا

الحرب الباردة بين “السادات” و” جولدا مائير”