همتك نعدل الكفة
214   مشاهدة  

عيون ليندا

ليندا


– بعد سنوات كثيرة ضاعت في التناحر والشد والجذب بين الحلال والحرام أخيرًا ومنذ ساعات قليلة أصدرت دار الإفتاء المصرية موافقتها الرسمية على السماح بالتبرع بالأعضاء البشرية بعد الوفاة.. صحيح أنها قد أقرنت تلك الموافقة بـ5 شروط أساسية يجب توافرها أولًا لكن الأهم هو الخطوة نفسها .. قال تعالى في سورة المائدة: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا۝32﴾ صدق الله العظيم.

الصحفية الأمريكية بجريدة لوس أنجلوس تايمز“ليندا آدم” كتبت فى الفصل الثانى من مذكراتها التى تم نشرها مارس 2010 قصة حقيقية عن فترة هامة فى حياتها، فى سنة 1980 توفيت والدة الطفلة “ليندا” صاحبة الـ 6 أعوام وقتها.. في أثناء وجودها مع والدها في المستشفى عقب تلقيهم خبر وفاة أمها، سمعت حوار بين الطبيب ووالدها أخبره الأول فيه برغبة المستشفى في تنفيذ وصية الأم بالتبرع بقرنية عينها بعد الوفاة.. لم يعترض الزوج لعلمه بالأمر من قبل لكن “ليندا” ثارت وتدخلت بعنف في الحديث مع والدها، وقالت: (لا يمكنك الموافقة على هذا فقد جاءت أمي إلى الدنيا كقطعة واحدة ويجب أن تغادرها كذلك أيضًا).. استقبل الوالد ثورتها بهدوء وضمها لصدره، وقال لها: (أعظم هدية يمكن أن يهديها شخص لآخر هي جزء من نفسه، أمك عظيمة وقررت أن تعطي جزءًا من جسدها لشخص لا تعرفه).. تدريجيًا استوعبت “ليندا” الأمر.. مرت السنين، وكبرت الطفلة، وتزوجت، و مَنَّ عليها الله بطفلة تشبهها كثيرًا أسمتها “وندى”.. أُصيب والد ليندا بمرض عضال -انتفاخ الرئتين- ووفاته أصبحت قريبة بالمعايير الطبية وقتها.. استدعى “ليندا” في أثناء وجوده على فراش الموت وطلب منها أن تتبرع بـقرنية عينيه الاثنتين بعد موته! .. “ليندا” كانت مترددة، لكن والدها ابتسم، وذكرها بـ “أمها”، وأنه يحاول أن يكون عظيمًا مثلها.. وافقت “ليندا” .. خرجت من الغرفة، وفوجئت بـابنتها “وندى” قد استمعت للحوار كاملًا، وبمجرد أن رأتها الطفلة صاحت: (أنا فخورة جدًا بـجدي يا أمي وأرجوكي أن تساعديه على تحقيق رغبته).. سألتها أمها: لماذا؟ .. أجابت: (تخيلي أن تكون عينه السبب في أن طفل صغير يستطيع أن يفرق بين الألوان أو يرسم أو يرى مَنْ يحبهم، جدي عظيم، وأنا أيضًا عندما أموت أريدك أن تتبرعىي بعيني مثله).. احتضنت “ليندا” ابنتها، وشعرت بمدى عظمة والدها الذي توفي، ونُفِذّتْ وصيته حرفيًا.. تمر السنين أكثر وأكثر وتواجه “ليندا” ثالث أكبر صدمة فـي حياتها بموت “وندى” في حادث سيارة! .. لكنها هذه المرة وهي توقع على ورق التبرع بقرنية عيون ابنتها كانت سعيدة؛ لأنها استوعبت المعنى من المرتين السابقتين من والدها وأمها.. لذا لم يكن غريبًا أن تتضاعف سعادتها عندما تلقت -بعدها بعدة أسابيع- خطابًا من بنك العيون في أمريكا جاء فيه بالنص: (السيدة ليندا ريفرز.. نود أن نعلمكم أن عملية استزراع القرنية كُللت بالنجاح، والآن استعاد شخصان مكفوفان نعمة البصر، وهما يمثلان ذكرى حية لابنتك، تلك الإنسانة التي كانت حريصة على الحياة ومشاركة الغير في جمالها).

إلى أي درجة تملك القدرة أن تعطي لأي شخص غريب عنك شيئًا ما تحبه بنفس صافية ودون تردد؟ .. ولأي درجة تملك الاستعداد أن تعطي شخصًا تحبه شيئًا تحبه؟ .. قلة قليلة هي من تملك شجاعة التضحية وتؤمن بمبدأ أن تعطي قبل أن تأخذ.. أصبح أغلب الناس بُخلاء في مشاعرهم بل وحتى في كلمة!..  مَنْ يحبك سيكون عنده وقت ليتصل ويسأل عنك، وإن لم تمكنه ظروفه أكيد سيكون عنده وقت ليرد عليك أو حتى يعاود الاتصال بك عندما تحين الفرصة.. لا يوجد مهتم مشغول طوال الوقت ولا يوجد محب ظروفه لا تنتهي.. ما تدفعه اليوم من مشاعرك، وتعبك، وتضحيتك سيعود لك في الغد بأضعافه.. ترمومتر قياس قدر الناس في قلوبنا هي قيمة الأشياء التي نمتلك شجاعة التخلي عنها لهم، وهو أيضًا المقياس نفسه الذي نختبر به مكانتنا عند غيرنا.. قال الكاتب الكبير أنيس منصور: (التضحية هي أهم وسيلة مواصلات إلى ما تريد).






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان