همتك نعدل الكفة
1٬240   مشاهدة  

فؤاد خليل .. صاحب بالين كوميديان

فؤاد خليل


حينما عرّف الإغريق الدراما قالوا أنها الأحداث التي يتم تقديمها بواسطة اشخاص من أجل نقد أو شرح أو عرض فكرة أو حدث معين، وبدايتها كانت في تلك الطقوس الدينية التي كانوا يمارسونها في المعابد، بعد ذلك اتي التقسيم المعروف فانقسمت الدراما إلى مأساه ” التراجيديا” وملهاة “الكوميديا، تلك الأخيرة بدأت على يد كهنة الإله ديونيسيوس حيث جاءت من الحوار الذي كان يدور بين الأشخاص في طقوس الخصوبة لهذا الإله ثم قسمت الكوميديا إلى فروع فجاء “الهجاء” أو ما يسمى بالسخرية، وهو نقد وضع اجتماعي أو سياسي أو حدث نقدا ساخرا، وأيضا هناك “المحاكاة” وهي تلك التي تأتي بعمل تراجيدي وتقوم بتحويله إلى كوميدي وهو ما يعرف حاليا باسم “parody” ثم جاء الهزل أو ما يعرف باسم “farce” وهو نوع من الكوميديا قائم على المواقف العبثية والمبالغة الشديدة.
في الستينات عرفت مصر مسرحا قويا للغاية به العديد من المدارس المختلفة ولعل أشهرها وأبرزها “المدبوليزم” تلك التي انشأها عبد المنعم مدبولي وكان رائده بالإضافة إلى شريكه وصديقه فؤاد المهندس، ومن تلك المدرسة خرج العديد من التلاميذ، المدبوليزم هي مدرسه تمزج نوعان من الكوميديا معا وهما “السخرية والهزل” فتقوم بالسخرية من الأوضاع أو الأحداث مستخدمه المبالغات الشديدة في التمثيل والحركات.
ولكن كعادة وطبائع الأمور تتغير الأذواق فيصبح المخلصين من أبناء المدبوليزم في تناقص مستمر، ولكنه الوحيد الذي ظل محافظا على إخلاصه لمدرسته حتى أخر ادواره، ظل التلميذ المخلص للمدرسة التي كانت سببا في دخوله عالم التمثيل، وسببا في شهرته، ظل وحده القلعة الأخيرة للمدبوليزم، فؤاد خليل الفارصير الأخير من مدرسة المدبولي.
يبدو أن الإغريق لم يبنوا الإسكندرية فحسب بل وضعوا في داخلها سرا لا يعرفه غيرهم، فالعديد من أبناء تلك المدينة الساحلية كان الفن خليلهم وقاتلهم ومن بينهم فؤاد خليل الذي ولد في الإسكندرية في 19 يوليو 1940 بينما كان النازي يستعد لاجتياح شمال افريقيا كان فؤاد الطفل يصيح أولى صيحاته في هذا العالم.
الكذب.. خرم إبره
وبعد هزيمة النازي بست سنوات كان فؤاد يدخل إلى الصبا بمشروع فني جديد، فؤاد ذو الحادية عشر عاما قرر أن يكون فرقة مسرحية من اصدقاءه وكان شريكه في تلك الفرقة صديق طفولته الفنان “محيي إسماعيل” إضافة لمسرح المدرسة ومنه إلى مسرح الجامعة حتى التخرج من كلية طب الأسنان في بداية الستينات.
مسارح الهواه ليلا وصباحا طبيب في مستشفيات الإسكندرية، وبين كل فترة يبحث عن خرم أبره، أصبح فؤاد خليل “صاحب بالين” بالفعل، ولكنه لم يصبح كاذبا بعد، الكذبة جاءت بعد ذلك حينما قرر أنه ابن شقيقة الفنانة شادية، لتكون تلك الكذبة هي خرم الإبرة التي نفذ منها خليل إلى المسرح ليقدم أولى أدواره في مسرحيه سوق العصر عام 1968.
في المادبوليزم، المستقر الأول والأخير لفؤاد خليل، وجد ضالته، ذلك الشكل الكوميدي الذي يحبه ويبرع فيه، خاصة وان تكوينه الجسماني يساعده دوما في أداء هذا النوع من الكوميديا، الفارص او الفارس، كانت وسيلة فؤاد خليل للدخول إلى عالم الشهرة في المسرح، الذي طالما اتسع لموهبة خليل حتى وإن ضاقت عليه الأدوار.
بلغة المسرح ” دخلتين” فقط كانتا كافيه ليصبح مشهده في مسرحية ” مع خالص تحياتي” إخراج وبطولة عبدالمنعم مدبولي أشهر من المسرحية نفسها، لدرجة أنني أعرف المسرحية بسبب مشهده الذي يقف فيه يفترس حرفيا الفنان “ناجي سعد” وهو يقول ” بلغوااااااااااااا تحياااااااااااااااااتي” مستعينا بكل ما دفنه الإغريق من اسرار في بطن الإسكندرية، ليقدم كوميديا فارص كما قال الكتاب، وربما إذا وجد فؤاد خليل أيام الاغريق لوضعوا اسمه كأحد أهم ممثلين هذا النوع من الكوميديا.
ولكن هل كان ناجي سعد هو وحده ضحية فؤاد خليل في تلك المسرحية، الحقيقة ان هناك ضحية ألتهمها خليل قبل أن يأكل ناجي سعد، كانت تلك الضحية هي عبدالمنعم مدبولي نفسه، الذي كان رفيقه على خشبة المسرح دون ثالث ليلتهمه فؤاد خليل من جميع النواحي ليقف الأستاذ فخورا بتلميذه النجيب الذي لم يخيب يوما ظن استاذه.

الفارصير الأخير”

اللعيب الحريف” فقط هو من يتألق وسط نخبه من “اللعيبة” هذا هو حال فؤاد خليل في مسرحية راقصة قطاع عام فبعيدا عن الفخراني وسماح أنور كانت خشبة المسرح تشهد تجمع ” محمد الشرقاوي ومحمد فريد” وكوميديان بدرجة قدير جدا ولكنه للأسف لم يكن يعرف هذا عن نفسه اسمه خليل مرسي، وبالطبع فؤاد خليل، لتتحول المشاهد من مشاهد مسرحية إلى كلاسيكو ممتع، بين عدد من “الحريفة” الذين يتشاركون اللعب الجماعي ويحرز كلا منهم الأهداف.
السينما تظلم، لم ولن تكون عادلة يوما ما، ولكن المسرح لا مجال فيه لظلم، لذلك كان حظ فؤاد خليل على المسرح أفضل بكثير من حظه في السينما، رغم أننا نتذكر له العديد من الأدوار في السينما ولكن الكادر السينمائي ربما كان يخطف منه بريق أضواء المسرح، وربما لان السينما ليس بها متسع كبير للفارص، وخليل هو الفارصير الأخير في مصر فيتألق في مشهد صغير هنا او مشهد صغير هناك، ولكنه لا يزدهر إلا في المسرح.
يظل فؤاد خليل حتى بداية التسعينات صاحب بالين طبيب اسنان وممثل إلى أن ينتصر الممثل بداخله، فيتفرغ للتمثيل وهو من أعضاء نادي 200، حيث تتجاوز أدواره 200 دور قدمهم في السينما والمسرح والتلفزيون، ولكن في النهاية يقتله المرض والجحود، يظهر في للمرة الأخيرة على كرسي متحرك ليتسلم بنفسه التكريم الوحيد الذي ناله من مهرجان الضحك عام 2010 ليتمنى أن يقف على قدميه ليحي جمهوره ولكن الشلل الرعاش والجلطة تحول دون ذلك، ليرحل الفارصير الأخير في 9 ابريل 2012، تاركا ورائهم كمية المشاهد يسعى خلفها كل من يناديه قلبه للضحك.






ما هو انطباعك؟
أحببته
10
أحزنني
1
أعجبني
3
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان