“فتحية العسال” في حب صاحبة سجن النسا ورائدة محو أمية السيدات
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
لم يُقَدَّر للمؤلفة والكاتبة فتحية العسال أن تشهد نجاح مسلسلها هي والمستحيل سنة 1979 م، والذي لاقى نجاحًا أكبر من مسلسلها الباحثة والذي تزامن عرضه في نفس العام، وجاء العملين بعد سنة واحدةٍ من أول أعمالها الدرامية لحظة اختيار سنة 1978 م، وكان السبب الذي منعها من التكريم هو اعتقالها في مظاهرة نظمتها الكتلة السياسية في مصر رفضاً لمعاهدة السلام التي أبرمها السادات مع إسرائيل.
اقرأ أيضًا
حفل زفاف بنت صلاح الشاهد “حين أحرج المأذون عبد الناصر والسادات”
ظلت فتحية العسال في المعتقل سنتين حتى خرجت بعد اغتيال السادات في مبادرة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك بشأن الإفراج عن معتقلي سبتمبر 1981 م، وكانت تجربة السجن لها أثر كبير في نفسيتها جعلتها تتصدر ريادة “أدب السجون” بقصتها التي كتبتها وحملت عنوان “سجن النسا”، الذي تحول إلى مسلسل وماتت قبل عرضه بأيام يوم 15 يونيو سنة 2014 م، ولم يقدر لها أن ترى نجاح أحد أهم أعمالها.
فتحية العسال .. نشأة من القهر
لأسرة ريفية متوسطة ولدت الكاتبة فتحية العسال عام 1933 م، ورغم المستوى المعيشي لعائلة فتحية العسال، لكنها كانت متشددة، حيث تزوجت وهي في سن الرابعة عشر من الكاتب الكبير عبدالله الطوخي والذي أنجب منها 3 أولاد “شريف وصلاح وإيهاب”، وبنت واحدة هي الفنانة صفاء الطوخي.
كان الزواج المبكر هو الشيء الوحيد الذي انتسب إلى القسوة وكان مريحاً بالنسبة للكاتبة فتحية العسال، لكن هناك مسائل أخرى رسمت بداية حياتها القاسية، فكانت تجربة الختان إحدى أكثر الأمور التي تمثل ألماً نفسياً شديداً داخلها منذ أن كانت في سن العاشرة.
لم تتوقف معاناة فتحية العسال عند حد الختان، بل وصل إلى التعليم أيضًا حيث حُرِمت من الالتحاق بالمدارس، وكانت تحت رقابة أسرية شديدة وصلت يوماً ما إلى قيام أخيها حسني بقص ضفيرة من شعرها بسبب وقوفها أمام الشباك.
حاولت فتحية العسال أن تقوم بتعليم نفسها ونجحت في ذلك كما حكت في مذكراتها حضن العمر “”لم أنل أي شهادة أكاديمية ولا حتى شهادة ابتدائية، ولم يساهم أحد في تعليمي، إنما كل ذلك كان نتيجة ردة فعل على وضعي، أخرجني والدي من المدرسة وأنا بعمر عشر سنين لأنه خاف عليّ باعتباري بنت (مفتحة حبتين)، فقررت أن أعوض كل شيء حرمت منه، وابتدأت أعلم نفسي، وأول شيء فعلته محاولة كتابة اسمي، فيما بعد رأى أبي إصراري وعنادي على العلم فبدأ يساعدني في بعض الكتب الدراسية، عند اتقاني القراءة والكتابة، أصبح والدي يعطيني الصحيفة لأقرأ له اخبار (هتلر) كون نظارته مكسورة”.
فتحية العسال .. بداية الإبداع
كان كتاب “عقلي وعقلك” للكاتب سلامة موسى، هو أول شيء تقرأ فتحية العسال وأثر فيها لاحقاً حين بدأت مسيرتها الإبداعية سنة 1957 م بكتابة القصة، وكانت فترة الخمسينيات هي بداية مسيرة الإبداع في حياة فتحية العسال، حيث أشرفت على تكوين فصول محو أمية لتعليم السيدات، وإقناعهن للالتحاق بها حتى كونت 14 فصلا، وافتتحت أول فصل في حي السيدة زينب عام 1956.
ساهمت فتحية العسال في إثراء الحياة الثقافية لكل ما هو نسائي عبر المسرح، فكتب عدة أعمال روائية وفنية منها :- “هل أنا حرة أم أدعي الحرية”، مسرحية “سجن النساء”، مسرحية “بلا أقنعة”، مسرحية “البين بين”، كتبت للتلفزيون عديد من الأعمال منها “حسن الذوق”، مسلسل بدر البدور اللذين أخرجهما احمد الحريري، وكتبت “هي والمستحيل”، “لحظة صدق”، “حصاد العمر”، “لحظة اختيار”، “العودة إلى الحياة”، “حصاد الحب”، وأخيرا إصدارها لسيرتها الذاتية من جزأين تحت عنوان “حضن العمر” عن هيئة الكتاب.
عبدالله الطوخي .. رفيق العمر
قصة حب جميلة جمعت عبدالله الطوخي وفتحية العسال، والتي تحكيها الأخيرة في مذكراتها حضن العمر، حيث تكشف أن عملية اعتقال الطوخي جعلتها عاجزة عن رؤيته وتبادل الرسائل معه حتى ساهمت “المعلمة جمالات كنكن” التي كان زوجها المعلم “كنكن” مسجونا على ذمة قضية مخدرات، وساعدت المعلمة جمالات العسال خارج السجن وساعد المعلم “كنكن” الطوخي داخل السجن عبر تسهيل تبادل الرسائل.
رغم جمال تلك القصة لكن الطلاق الذي جرى سنة 1982 م، كانت غريباً وتفسره هي في مذكراتها بقولها “كنت دائماً أعلن أن سبب الطلاق هو خلافنا على معاهدة كامب ديفيد، لكن عندما تأملت التجربة وجدت أنني كنت ارفض سيطرة عبد الله علي كامرأة، خرجت من عباءة وصايته علي وامتلاكه لي بطلب الطلاق.
بعد خروجه من السجن وبعد مرور عدة سنوات على انخراطي في العمل النضالي كان يسألني “فين فتحية بتاعة زمان؟”، لم يعترف أنني مستقلة، كيف يمكنني أن أمارس الحرية مع رجل غير متحرر من شبح الملكية والموروث؛ ولكن ما حدث بعد ذلك كما تقول هي، كان أشبه بفيلم سينمائي مصري، إذ التقيا بعد 3 سنين بالصدفة، وخلال ساعتين من الحديث اكتشفا أن الحب لا يزال يجمع بينهما, وتزوجا مرة ثانية في نفس المساء”.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال