همتك نعدل الكفة
53   مشاهدة  

فرض الحجاب في ليبيا .. ورقة حاضرة دائمًا للإلهاء عن كارثة مرتقبة

فرض الحجاب في ليبيا
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



أثار قرار فرض الحجاب في ليبيا، الذي أعلنه وزير الداخلية عماد الطرابلسي، تفاعلاً واسعًا وجدلًا حادًا على منصات التواصل الاجتماعي؛ إذ انقسم الناس بين مؤيدين ومعارضين.

YouTube player

لكن ما يدعو للتأمل حقًا هو تفاصيل حديث الوزير، التي غفل عنها الكثيرون بسبب التركيز على قضية الحجاب فقط؛ متجاهلين أن تصريحاته تضمنت قرارات أخرى بنفس درجة خطورة فرض الحجاب، ولا تبشر بخير؛ ولعل ذلك التغافل هو أن حديث الوزير الليبي كان بلكنة أهل البلد، فضلاً عن أن التسويق الإعلامي لقراره جاء انطلاقا من بند الحجاب فقط، لكن القرار يخفي أبعادًا أخرى تشير إلى قرب كارثة يتعامل معها الوزير بسياسة الإلهاء.

بنية الحكومة الحالية التي فيها الوزير

شعار حكومة الوحدة في ليبيا
شعار حكومة الوحدة في ليبيا

النظام الحاكم في ليبيا اليوم يُمثِّل خليطًا سياسيًا غير متناغم، حيث توحدت أطياف متعارضة في إطار حكومة الوحدة الوطنية، التي رأت النور عام 2021 بقيادة رجل الأعمال عبد الحميد الدبيبة.

فرض الحجاب في ليبيا
رئيس الحكومة الليبي ووزير الداخلية

هذه الحكومة (الوحدة) تضمُّ أعضاءً من حكومة الوفاق الوطني التي كانت تهيمن على العاصمة طرابلس بزعامة فايز السراج، وحكومة ليبيا المؤقتة التي اتخذت من بنغازي مقرًّا لها بقيادة عبد الله الثني؛ إلا أن هناك حكومة أخرى تُعرف بحكومة شرق ليبيا بقيادة أسامة حماد، تنافس حكومة الوفاق وتزيد المشهد تعقيدًا، كونها غير معترف بها دوليًا.

مواجهة تحدٍ خطير بـ(الغلوشة) عن طريق فرض الحجاب

رئيس الحكومة الليبي ووزير الداخلية
رئيس الحكومة الليبي ووزير الداخلية

تواجه حكومة الوفاق تحديين خطيرين؛ أولهما النزاع مع البرلمان الليبي، الذي سحب منها الثقة  في أغسطس 2024؛ بعد انتهاء مدتها القانونية، وهو القرار الذي تجاهله “الدبيبة”، محاولًا تجاوز الشرعية النيابية.

أما التحدي الثاني، الذي يُعدُّ الأخطر على الإطلاق، فهو الصراع الأمني مع الميليشيات المتعددة الولاءات، والتي لا تزال تسيطر على مواقع استراتيجية داخل ليبيا وتفرض واقعًا مغايرًا في بعض المناطق.

المليشيات في ليبيا - تعبيرية
المليشيات في ليبيا – تعبيرية

بحلول أبريل 2024، تعمَّق انتشار الميليشيات في ليبيا ليشمل قوى ذات ولاءات قبلية وعرقية وأخرى ذات توجهات أيديولوجية متشددة، إلى جانب تشكيلات أُسِّست بقرار حكومي مثل مليشيات قوات دعم الاستقرار برئاسة عبدالغني الككلي، التي أُنشئت في يناير 2021م على خلفية الخلافات بين السراج ووزير داخليته آنذاك فتحي باشاغا، وصارت لاحقًا أحد الأذرع المسلحة لحكومة الدبيبة.

عبدالغني الككلي قائد ميليشيا دعم الاستقرار
عبدالغني الككلي قائد ميليشيا دعم الاستقرار

في المؤتمر الأخير لوزير الداخلية (الذي أعلن فيه فرض الحجاب)، كشف عن تحدٍ خطير وهو أن بعض الميليشيات تراجعت عن التزامها باتفاق سابق ينُص على إخلاء مقراتها في طرابلس، وقال أن هذه المليشيات خرجت بقوة مسلحة إلى الشوارع محاولة إحكام قبضتها على العاصمة وفرض واقع أمني جديد؛ وشدد الوزير على أن لديه القوة لشن معركة وسط طرابلس وتخريب أحوال كل الميلشيات إذا قرر أي فصيل منها تهديد طرابلس.

YouTube player

بالتالي فإن هناك ترهلاً أمنيًا لم يكن واضحًا في ليبيا بشكلٍ رسمي، حتى خرج الوزير وقال أن الحكومة نفسها فشلت في إقناع كل الميلشيات بالتخلي عن سلاحها، ما يعني أن الحكومة تحتاج لظهير شعبي يؤازرها في مواجهة المليشيات إن حدثت، وليس ثمة جذب للشعبية أمام حكومة بهذا الضعف السياسي والأمني والخدمي سوى الدين.

عماد الطرابلسي وعبد الحميد الدبيبة
عماد الطرابلسي وعبد الحميد الدبيبة

خصوصًا وأن وزير الداخلية يدرك مدى غياب الشعبية عن حكومة الدبيبة، وكذلك مدى الفشل الذريع الذي يعانيه هو شخصيًا، وليس ثمة دليل على هذا من عجزه عن ضبط الذين حاولوا اغتيال الدبيبة في 1 إبريل 2024م، وهي العملية التي لم تلقى اهتمامًا شعبيًا.

محاولة الاغتيال

الحكاية بدأت صباح يوم 1 أبريل 2024م، عندما تعرض رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة، لمحاولة اغتيال عبر استهداف منزله الكائن في حي الأندلس، وسط العاصمة طرابلس، ويشتهر هذا الحي بكونه واحدًا من أكثر المناطق تأمينًا في المدينة، حيث يضم العديد من المنشآت والمؤسسات الهامة التي تمثل العمود الفقري للأمن الوطني، ويعد مقرًا لإقامة عائلة “الدبيبة”.

YouTube player

وتزامن الهجوم مع إصدار “الدبيبة” قرارًا بتعيين اللواء محمود حمزة، قائد اللواء 444 قتال، في منصب مدير إدارة الاستخبارات العسكرية، ما يعكس حالة من التوتر والرفض من بعض المليشيات لهذه التعيينات، كما أن الهجوم لم يكن مقتصرًا على منزل “الدبيبة”، فقد تزامن مع هجوم آخر استهدف مكتب، قريبه ومستشاره الخاص، إبراهيم الدبيبة في نفس المنطقة، ما يزيد من احتمالات أن العملية كانت منسقة، خاصةً وأن الهجوم تم عبر قذائف صاروخية موجهة.

وزير الداخلية .. وغسل السمعة بالدين

وزير الداخلية الليبي في مؤتمر فرض الحجاب
وزير الداخلية الليبي في مؤتمر فرض الحجاب

متابعة المؤتمر الصحفي لوزير الداخلية الليبي تعطي للمتابع انطباعًا مفاده أن هذا الرجل، بظهوره القوي وكلامه المعتمد على الدين، هو خريج الجامعة الإسلامية في طرابلس؛ لكن ما يلفت الانتباه هو أن هذا الموقف لا يعدو كونه سعيًا مكشوفًا للتغطية على سمعة الوزير المترهلة، ويحاول جاهدًا تحسين صورته المُثقلة بالفضائح التي تلاحقه.

ففي مارس 2023، عندما كان يشغل منصب وكيل وزارة الداخلية، وفي حادثة أثارت ضجة إعلامية، قامت سلطات الجمارك الفرنسية باحتجازه في مطار شارل ديغول في باريس بسبب حيازته مبلغًا ضخمًا قدره نصف مليون يورو (أي ما يعادل نحو 2 مليون ونصف مليون دينار ليبي).

YouTube player

وبعد تدخل غير رسمي من رئيس الحكومة، عبد الحميد الدبيبة، تم إطلاق سراحه، مدعيًا أن المبلغ كان مخصصًا لتمويل إجازته العائلية في باريس، وهو ما لم يقنع الكثيرين.

وعندما خرج الوزير لاحقًا ليشرح الأمر، أكد أن المبلغ لم يكن إلا 20 ألف يورو، وأن البقية كانت جزءًا من مبلغ أرسله صديق له لمساعدته في علاج صديقه في فرنسا، وهو ما أثار موجة من السخرية في الشارع الليبي، وفي الوقت الذي يعاني فيه الشعب الليبي من أزمة اقتصادية خانقة، وبدأ الشك في نزاهة الوزير يدب في قلوب الكثيرين، ما دفع النشطاء إلى البحث في تفاصيل ماضيه المالي عقب توليه الوزارة في نوفمبر من نفس العام.

ومن جهة أخرى، تكشف العديد من التقارير الدولية عن تورطه في أعمال مشبوهة؛ ففي عام 2017، تورط في عمليات تهريب وقود بعد اشتباكات صبراتة، وهي القضية التي أثارت غضب المجتمع الدولي، حيث صدر تقرير لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة وصفه بأنه من أبرز المسؤولين عن هذه الأنشطة غير القانونية، بينما ربطته منظمة العفو الدولية في تقريرها لعام 2021 بتعذيب اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين داخل ليبيا، وهي تهم تهز ضمير أي مسؤول حكومي.

ورغم هذا الزخم من الفضائح، فإن البحث في ماضي الوزير لا يتم إلا عن طريق نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، ما دفعه إلى اتخاذ خطوات لتقييد حرية التعبير على هذه المنصات، فأعلن عن قرار فرض الحجاب كأمر سياسي وديني، وعمد إلى ملاحقة أي شخص يكتب عنه أو يذكره في سياق غير لائق، ومصطلح (غير لائق) يحمل الشق الأخلاقي وأيضًا السياسي، وهو ما يريده الوزير، والذي يبدو أنه يحاول كسب ود التيارات الدينية، التي قد تشارك في حكم ليبيا في المستقبل، أو حتى لتحسين موقفه في صراعه مع الميليشيات المسلحة التي فشل في ضبطها طوال فترة توليه المنصب.

وقائع متكررة في (اللقطة) ومختلفة في (التفاصيل).. انتهت بكوارث

 

سمة مشتركة بين الأنظمة المتعاقبة على ليبيا (مهما كانت أيدولوجيتها) على مدار تاريخها الحديث والمعاصر وهو أن صدور قرار يغازل المشاعر الدينية لا يصدر إلا عن فلسفة اللقطة والإلهاء عن كارثة محققة أو دعم شعبي للنظام بشكل ديني، وفي كل الأحوال ينتهي الأمر بكارثة.

إقرأ أيضا
استيلاء حسن الصباح على قلعة آلموت
مشاركة نسائية سياسية في ليبيا
مشاركة نسائية سياسية في ليبيا

فمثلاً (اللقطة) التي قام بها وزير الداخلية بمؤتمره الصحفي، تتشابه مع واقعة مماثلة قام بها مصطفى عبدالجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي؛ عندما طرد المذيعة الليبية سارة المسلاتي من حفل تسليم السلطة إلى نظام المؤتمر الوطني العام في ليبيا برئاسة نوري أبو سهمين عام 2012م، والسبب في طردها أنها غير محجبة وقال لها نحن نؤمن بالحريات الفردية وسوف نعمل على ترسيخها، لكن نحن مسلمون ومتمسكون بقيمنا، يجب أن يفهم الجميع هذه النقطة.

سارة المسلاتي - مصطفى عبدالجليل
سارة المسلاتي – مصطفى عبدالجليل

هذه (اللقطة) ما جاءت إلا بعد فشل مصطفى عبدالجليل في الملفات الأمنية والعسكرية والسياسية وعدم سيطرته على مرافق حيوية في البلاد، وهو ما كان يشغل البال الليبي حينها (أي في 2012م) ولم يتم تناول ذلك في حفل المراسم أو أسئلة الصحفيين، إلى أن اقتيدت ليبيا بعد ذلك إلى غياب الضياع واللا دولة بظهور تنظيم داعش فيها عام 2015م.

و لفلسفة (الإلهاء) جذورها في ليبيا؛ منذ نظام العقيد معمر القذافي، فهو لم يقم بفرض الحجاب في ليبيا، لكنه صاحب فكرة شرطة الأخلاق، التي أنشأها سنة 1992م وانتهت عام 2011م، ويريد وزير الداخلية الحالي إعادتها سنة 2024م.

وزير الداخلية الليبي
وزير الداخلية الليبي

لم يكن ظهور شرطة الآداب على يد القذافي إلا للإلهاء، والحكاية تبدأ لما أصدر معمر القذافي قراره رقم (383) لسنة 1992م في 6 يونيو ووسع من صلاحيتها بقرار 429 في 7 يوليو من نفس العام.

معمر القذافي
معمر القذافي

وكان الداعي الذي دفع القذافي بإظهار هذا الجهاز يتمثل أولاً في الإلهاء، وثانيًا الرقابة الصارمة على المقاهي، وهدف القذافي من ذلك مواجهة أي تداعيات داخلية تواجه ليبيا جراء قرار مجلس الأمن رقم 748 في 31 مارس (أي قبل أشهر من القرار) والذي يقضي بفرض عقوبات على ليبيا بسبب تورط العقيد في تفجير الطائرة لوكربي (الذي قبل المسؤولية سنة 2003م وأصر أنه لم يعطي أمرًا بالتفجير)؛ وهذا القرار كان له تبعات اقتصادية صعبة جدًا.

النصب التذكاري لحادث لوكربى
النصب التذكاري لحادث لوكربى

إذن، فإن النقاش حول فرض الحجاب أو عدمه في ليبيا لا يجب أن ينحصر في الجدل الديني، بل يجب أن يوجه إلى التساؤل الأهم: ما هي الكارثة المقبلة التي تنتظر ليبيا ويريد الوزير الإلهاء عنها بقرار فرض الحجاب؟

هل ستشهد ليبيا المزيد من الصراعات المسلحة؛ في ظل تصاعد التوترات بين وزارة الداخلية وميليشيات دعم الاستقرار بزعامة عبد الغني الككلي المعروف بـ “غنيوة”، وما يثير القلق هو أن الصراع الجاري قد يجر البلاد إلى كارثة أكبر يريد الوزير الإلهاء بهذه القرارات الجدلية.

الكاتب

  • فرض الحجاب في ليبيا وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان