في الرد على عبدالله رشدي “محمد علي باشا لم يكن محتلاً لمصر ولا الدولة العثمانية”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
لا تستغرب عزيزي القارئ من العنوان فإن الرد على عبدالله رشدي سيكون في التاريخ وما يخص عصر محمد علي باشا، وليس في قضية نسوية رشدية كما هو معتاد.
ريتويت قديم تم تداوله لـ عبدالله رشدي في الرد على أحد متابعيه حول الدولة العثمانية التي أطاحت بالدولة المملوكية ثم جاء محمد علي باشا وكسرها، ليرد عليه عبدالله رشدي برأيٍ (عايم) إذ قال «محمد علي بنفس فكرك يبقى محتل».
هل كان محمد علي باشا محتل ؟
الرأي العايم الذي قاله عبدالله رشدي يمكن أخذه على وجهين إما قصد أن محمد علي باشا احتل مصر حين صعد على عرشها وأطاح بخصومه، وإما قصد أن الباشا احتل تركيا، ولن نناقش فرضية دون أخرى في الرد على عبدالله رشدي بل سنناقش الاثنين.
اقرأ أيضًا
هل يدخل عبد الله رشدي الجنة؟
كلمة الاحتلال في عمومها تخضع لتعريفاتٍ عامة يختلف الجميع عليها، لكن لو تم تطبيق كل تفاسير كلمة احتلال على محمد علي باشا فإنها لن تنطبق عليه.
بدايةً فإن محمد علي باشا لم يكن «حاكمًا متغلبًا» فهو جاء كضابط لفرقةٍ عثمانية تشرف على انسحاب الحملة الفرنسية من مصر والذي تم باتفاق بين العثمانيين والإنجليز، ثم ظلت الفرقة في مصر ترعى الأمن إلى جانب فرق عثمانية لحين تسليم السلطة لـ شيخ بلد مملوكي ووالي عثماني يختاره السلطان.
اقرأ أيضًا
النساء ومحمد علي باشا .. 3 سيدات تسببن في هزيمته إحداهن بالنوم
من العام 1801 حتى العام 1805 تعاقب على حكم مصر 7 ولاة قُتِل 3 منهم على يد جنودهم لعجزه عن دفع رواتبهم بينما هرب 3 آخرين من مصر اتقاءًا لثورة جندهم للظروف الاقتصادية، أما خورشيد باشا فثار المصريون عليه لرفضهم له نتيجة لفساد عساكر المماليك والعثمانيين واختار المصريون محمد علي باشا ليكون أول حاكم لمصر تم اختياره بإرادة شعبية وليس بفرمان عثماني.
اقرأ أيضًا
عبد الله رشدي المحامي القدير .. والدته “مش عربية هيونداي”
بالتالي فإن محمد علي باشا صعد إلى حكم مصر بثورة شعبية ولعل أكبر دليل على ذلك أن الشعب نفسه تحدى السلطان العثماني فرفضوا فرمان عزله بل وقاوموا الإنجليز حلفاء المماليك في حملة فريزر عام 1807 م.
لا يمكن في الرد على عبدالله رشدي أن يتم التغاضي عن مذبحة المماليك التي نفذها محمد علي باشا في القلعة عام 1811 م، ومذبحة القلعة ـ المرفوضة من المنطلق الإنساني ـ كانت عملية سياسية وحين يكون الكلام في السياسة لا ينبغي التحدث عن الأخلاق خاصةً وأن المماليك عملاء للإنجليز وحاولوا الانقلاب على محمد علي باشا بقوة السلاح مرتين، فضلاً عن رفض الشعب لهم.
محمد علي باشا حليف الدولة العثمانية قبل الصدام
هناك خلط شديد في جانب مؤيدي محمد علي باشا ومعارضيه وهو الظن أن الباشا كان يريد احتلال الدولة العثمانية لكن هذا تاريخيًا غير صحيح، وقبل التعرف على سبب عدم صواب هذا الرأي علينا التعرف على الخلفية التاريخية للعلاقة بين الباشا والسلطان التي كانت يومًا ما في قمة الوفاق وانتهت بالشقاق.
دخلت مصر كحليف للدولة العثمانية في فترة حرب استقلال اليونان والتي كانت رمزاً من رموز الصراع بين الإمبراطورية العثمانية و الروسية، وانتهت بموقعة نفارين البحرية التي سُحِق فيها الأسطول المصري و العثماني والجزائري عام 1827 م، ومن أجل أن تُراضي تركيا محمد علي باشا قامت بتعويضه حيث منحته حكم جزيرة كريت، هذا التعويض الذي رآه محمد علي شيئاً زهيداً لا يليق بخسائره ولا ما قدمه للدولة العثمانية، ومن هنا بدأ الشقاق بين الباشا و السلطان.
أراد محمد علي باشا ضم سوريا وكل بلاد الشام لأنها خط الدفاع عن مصر والتي كان يريدها محمد علي دولة واسعة مترامية الأطراف، الأمر الذي رفضته تركيا ومع رفض الآستانة لطلب القاهرة بدأت سلسلة حروب مصر ضد تركيا التي دامت 10 سنوات من العام 1831 م، حتى 1841 م.
هناك سيرالية ذات عبثية مفرطة وهو الحكم على محمد علي باشا بالدين على أساس أنه حارب المسلمين في نجد وحارب الخليفة، والعبثية هنا أن محمد علي باشا حارب الوهابيين لصالح الدولة العثمانية (العاجزة)، فالمسألة لم تكن يومًا ما بالدين وإلا لكان علماء الأزهر أيدوا السلطان العثماني في فرمان العزل للباشا.
هل حاول محمد علي باشا احتلال عاصمة الدولة العثمانية ؟
سوريا وليبيا هما الكريزة التي يبحث عنها الباشا الذي أصر عليهما أكثر حتى من بلاد الحرمين، لأنه اعتبر نفسه ليس خليفة ولا سلطان حتى يأخذ الحرمين، بل اكتفى باستئصال شأفة الوهابية في نجد، ثم أطاح بكل شريف من الأشراف في مكة والمدينة بالسجن والنفي، وبعد ذلك قدم بلاد الحرمين للدولة العثمانية التي حَكَّمَت مصر عليها.
كانت الدولة العثمانية تدرك أن بقاء ليبيا وسوريا تحت الإشراف المصري معناه ضمان للأمن القومي لها وهو ما يعني صناعة الزعامة في حاكم مصر وهو أمر ترفضه الأستانة، وكان الباشا يدرك ذلك لكنه لم يصرح يومًا ما بأنه يريد احتلال الآستانة.
ترك محمد علي باشا 100 أقصوصة حول نفسه وحياته وسياساته مكتوبة بلغات أجنبية نُقِلَت عن التركية التي كان يتحدث بها للقناصل الأجانب ونشرتها جريدة الأهرام في مئويته عام 1949 م على اعتبار أنها مذكرات محمد علي باشا وبالرجوع لها نجد أن له آراء حاسمة في مسألة احتلال تركيا.
راسل محمد علي باشا في عام 1831 م المسيو ميمو «قنصل فرنسا في مصر»، وكان صريحًا معه حيث قال «لا أسعى إلى احتلال بلاد تبعد عن سوريا، لكن سوريا تنقصني ويجب أن آخذها لأني أستطيع أخذها لأني أريدها».
كان محمد علي باشا يريد التفاهم مع الدولة العثمانية لدخول سوريا تحت السيطرة المصرية أما الإمبراطورية النمساوية فكانت تدرك أن دخول مصر في مواجهة مسلحة مع الدولة العثمانية، معناه انهيار سلطان الآستانة واستبداله بحكم أقوى منها لكن الباشا راسل السفير أشيربي «قنصل النمسا في مصر سنة 1832» وقال «الباب العالي سيحسب ألف حساب قبل أن يعتدي عليّ، وأنا من رأئيي أننا نصل إلى حل وعندي في سوريا 30 ألف من الجنود النظاميين، وعندي أيضًا تحت تصرف 25 ألف درزي، و15 ألف من رجال نابلس، أين القوة التي تستطيع أن تقاوم هذا العدد».
أعجب الأعاجيب أن محمد علي باشا كان يريد تحالفًا عثمانيًا/مصريًا لأن مصر كانت طوق النجاة بالنسبة للدولة العثمانية التي كانت رفض هذا المبدأ وترى أنها أقوى من مصر، ودليل ذلك أنه بعد معاهدة لندن التي حمت الدولة العثمانية عام 1840 م، تساءل محمد علي باشا في رسالة إلى مسيو فوك «قنصل روسيا سنة 1846م» وقال «لماذا يسمح الباب العالي بتدخل الدول الأجنبية في شئونه الداخلية، فإذا تحالف السلطان معي استطاع أن يحارب أوروبا اليوم كما استطاع ذلك منذ 200 سنة».
وصف محمد علي باشا شكل الدولة العثمانية وصفًا دقيقًا للمؤرخ جوزيف ميشو عام 1831 بقوله وبسببه أراد التحالف معها لإنقاذها إذ قال «ليست الامبراطورية إلا عملاقًا مضطجعا وسيتفتت حينما يهاجمونه، والذين يحكمونها اليوم لا يقدرون على الدفاع عنها، مثل الموتى لا يستطيعون الدفاع عن مقابرهم».
لم تكن المواجهة بين الباشا والدولة العثمانية لاحتلال الإمبراطورية المنهارة، وإنما كانت حملة تأديبية من أجل التفاوض الدبلوماسي وهو ما نجح فيه محمد علي باشا رغم معاهدة لندن.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال