“كانت خدعة سياسية” عن رفض محمد علي باشا للسكن في القلعة لمدة سنتين
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
تبدو مسألة عدم سكن الباشا محمد علي في القلعة لمدة عامين بعد توليه الحكم غير مفهوم، إذ أن قلعة الجبل هي مقر حكام مصر وسكنهم لمدة 6 قرون، حيث أتم صلاح الدين بناء أغلب شكلها عام 1176م، وانتهى 1207م واستمر الحكم منها حتى العام 1872م.
سنوات مع النقل
منذ أن جاء محمد علي باشا إلى مصر سنة 1801م كقائد للفرقة الألبانية، كان يسكن في بيت الأزبكية، وهو منزل أسسه أحد علماء الفقه الحنفي واسمه الشيخ إبراهيم سعودي ثم اشتراه منه الأمير أحمد أغا شويكار وبعد ذلك باعه لمحمد بك الألفي المملوكي.
اقرأ أيضًا
المعلم يعقوب .. انتهازي خائن نال ما يستحق في فرصة عدالة نادرة للتاريخ
دخلت الحملة الفرنسية مصر فسكن كل جنرالاتها هذا المنزل وبعد رحيلها عن المحروسة، انتقل محمد علي باشا إلى هذا المنزل سنة 1801م وقام بتوسعة له.
لم يترك محمد علي باشا منزله في الأزبكية منذ دخوله مصر إلا مرة واحدة في حياته وهو يوم احتفال المصريين بذكرى عاشوراء سنة 1218 هجري الموافق 2 مايو سنة 1803م، حيث قرر عساكر الأرناؤود مهاجمة منزل محمد علي باشا لاغتياله وسبي نساءه انتقامًا منه على عدم مشاركة جنوده في نهب المصريين، ليرحل الباشا عن المنزل قبل الهجوم بيومٍ واحد إلى شبرا.
اقرأ أيضًا
محمد علي والمماليك .. فصول الصراع المنسي بعيدًا عن مذبحة القلعة
انتقل محمد علي باشا من شبرا إلى الأزبكية سنة 1803م وراقب الفوضى في صمتٍ ودون أن يشارك فيها، حتى رشحته الزعامة الشعبية سنة 1805م لتولي الحكم من قلعة الجبل، لكنه لم يسكن فيها وإنما كان يمارس مهام عمله حتى المساء ثم يتجه إلى منزله في الأزبكية، وظل هكذا لمدة عامين، حتى قرر أن يكون في القلعة حاكمًا وساكنًا عام 1807م بعد هزيمة حملة فريزر.
الباشا محمد علي في القلعة .. خدعة البيات
سبب رفض الباشا فكرة الإقامة القلعة لمدة سنتين كان سبيل الدهاء السياسي، إذ أراد التأكيد بسكنه في الأزبكية لا القلعة على أنه قريب من الشعب والزعماء الذين أوصوله.
يعلل المؤرخ عبدالرحمن الرافعي في ص 107 من كتابه «عصر محمد علي» طبعة سنة 2000م عزوف محمد علي باشا عن السكن في القلعة بقوله «الواقع أن سكنى ولي الأمر في الأزبكية (أي في قلب العاصمة) يجعله أميل إلى الإصغاء لمطالب الشعب إذا هاجت خواطره، لأن الأزبكية كانت الميدان الذي تحتشد فيه الجموع إذا حفزها حافز من شكوى أو احتجاج، فإذا ما سكنها ولي الأمر كان أقرب إلى رؤية مظاهرات الشعب وأدنى للاستماع إلى صيحاته ومطالبه».
ويتابع الرافعي بقوله «أما إذا استقر في القلعة، فكأنه يريد أن يمتنع في قمة الجبل، ويضع نفسه مع المدافع المتسلطة على البلد، ويصم أذنيه عن سماع صيحات الجماهير، وينظر إلى القاهرة كما ينظر النسر المحلق في السماء إلى فريسته في الأرض».
وظلت القلعة بعد عصر محمد علي باشا هي مقر حكم مصر ومحل إقامة حكامها حتى عهد الخديوي إسماعيل الذي نقل كل شيء إلى قصر عابدين، وتعليل ذلك أنه كان يطمح في أن يكون كجده محمد علي باشا في بناء مصر، وبالتالي فإن اقتران اسم محمد علي بالقلعة كان عائقًا أمامه فأراد أن يأخذ خط جده لكن على طريقته فأسس قصر عابدين.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال