رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
500   مشاهدة  

في بيتنا دزينة قِطَطَة

قطط
  • صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.

    كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال



الشارع قاسٍ يفطر قلوب أمهات على خِلفة لا يلتفت إليها أحد، الشارع بارد يدفعهم تحت عجلات السيارات ثم يتركهم ضحايا للدعس، الشارع يجحد أرواحهم فلا باكٍ ولا دامع ولا سبيل للشكوى أمام الأخرس؛ أمَّا البيوت رحيمة ولو كانت عُشًّا من صفيح، دافئة وإن ضاقت بسكَّانها تسمعهم دون حاجة للكلام، كريمة ولو جادت بكسرات خبز ومسحة مرق. ربما لهذا قام البعض محاولًا أن يرحمهم من قسوة الشوارع، وإن كان ذلك يعني أن يعيشوا في بيتٍ يمتلئ بالقطط أو الكلاب-إن ساعدتهم المساحة-، أو يتجولون في الطرقات بطبق من الطعام وقلب من العطف والشفقة. يرى العابرون بحياتهم تلك المحاولة الصغيرة لإحداث الفارق أو يرونها عبثًا لا قيمة له؛ لأن البشر أولى بعطفك وأجوافهم أجدر بأطباق الطعام هذه.

قِطَطَة

يعيش بيتر إسحق في شقة سكنية بالعاصمة مترجم وأبًا لثمانِ قِطَطَة مقيمين وضيوفٍ آخرين يأتون ويذهبون كما تسوقهم الأقدار، بدأ حكاويه مع القططة منذ 2016 في مسقط رأسه المنيا، حين تبنى قطين ولِدَا على سُلم منزله توفي الأول ولا يزال الثاني يعيش مع والديه حتى الآن، ثم انتقل إلى القاهرة حيث تبنى القط عاطف وعباس ثم مشمش الذي وجده أمام منزل أحد أصدقائه. بعد وفاة عاطف وعباس أنجبت قطة شارع خمس هررة على سلم منزله، انتهى  بهم المطاف ليعيشوا معه حتى اليوم “عباسة، الفلاح، سمسم، عماد والزعلان”، مع مرور الوقت وفي مواقف متفرقة انضم إلى الأبناء “بندقة، بسبوسة، زئردة، لوزة” انتقلوا معظمهم معه إلى منزل جديد ثم زادهم “سمورة، مشمشة، طهطوهة، نعيمة ووحيد الذي عاش بضعة أيام فقط”.

لكل قط قصة وشخصية فريدة يحفظها عن ظهر قلب، مثلًا بندقة كانت مصابة إصابات خطيرة حين وجدها أمام باب شقته مرتعبة من البشر ربما تعرضت لعضة كلب أو تعذيب، أمَّا طهطوهة المسمى نسبةً إلى طه حسين وأخته نعيمة التقيا به بعد فقدانهما البصر، ثم خرجا للتبني حتى مات طهطوهة واستقرت نعيمة في بيتها الجديد كحال سابقتها بسبوسة.

قِطَطَة

القطط علاج للاكتئاب.. لا وقت للانهيار

في هذا البيت لا توجد قِطَطَة بل أبناء كما شاركنا بيتر “ترتبط كل قطة باسمها عباسة كانت تشبه القط عباس والفلاح تميز بعينين زرقاوين ولون أبيض ناصع وهي الملامح التي اشتهر بها سكان المنصورة، عماد يشبه أحد الأصدقاء فسميناه باسمه كما تَسَمَّى سمورة بلونه الأسمر، لكن الزعلان جاء اسمه من شخصيته المميزة بضيق الصدر”.

لم تكن النية الإبقاء على هذا العدد في المنزل لكن الظروف دفعت به في نهاية المطاف إليهم مثلما دفعتهم إليه حيث أوضح “أنا أمشي في الشارع ناظرًا للأرض ربما لهذا تصادفت مع كل هذه الحالات، أشعر أن القدر ساقني إليهم ليجدوا بيتًا بدلًا من قسوة الشارع، كما أصادف الكثير من كلاب الشارع يصادقوني وألعب معهم لكن لا أستطيع توفير منزلًا لهم، أكتفي بالصداقة العابرة وإطعامهم متى استطعت”.

يواجه الكثير من الصعوبات مع قططه فهو مصاب بالربو وحساسية من القطط، أحيانًا يصاب بالنوبات لينتهي به الحال في الطوارئ ويقضي أيامه معتمدًا على بخاخته، لكن لم يعدله ذلك عن رعايتهم ولا يمحي شعوره نحوهم بالمسئولية، وهو ما عبر عنه قائلًا “في البداية كنت أسكن مع صديقين في شقة مطلة على حديقة في منطقة هادئة حيث يمكنهم الخروج والدخول متى شاءوا دون خوف، لكن بعد انتقالي إلى أخرى أصبحت الأمور أصعب فالمكان مغلق ولا يمكنهم الخروج؛ وهو ما يجعل بعضهم في غرفتي باستمرار. أحيانًا أضيق بهم ذرعًا وأعرضهم للتبني لكن لا يرغب أحد بقطط شارع كبيرة في السن وأنا لا يمكنني الاستغناء عنهم؛ أحبهم وأدرك حبهم لي وما يحزنني حقًّا أن حيوانات الشارع الأخرى محرومة من تلك العاطفة والدفء”.

وأضاف “مع قططي لا يوجد مجال للاكتئاب أو الاستسلام، الانهيار رفاهية لا أستطيع الحصول عليها وإلا يموت الصغار جوعًا؛ لذا أعتقد أن القطط علاج ممتاز لحالات الاكتئاب مع تلك المسئولية لن تجد الوقت لدخول دائرته”.

قِطَطَة

الحياة مع 8 قِطَطَة ليست عادية

سألنا بيتر كيف تعيش مع هذا العدد من القططة بشكل دائم وأجاب ملخِصًا “أنا لا أعيش! فالحياة هنا لا تتوقف ولولا مساعدة أصدقائي لم تكن لتستمر، التنظيف من أصعب المهمات التي لا تنتهي وإلا تتحول الشقة إلى خراب، أمَّا وجبات الطعام فأحاول قدر الإمكان جعلها مغذية بأقل تكلفة؛ لا يمكنني الاعتماد على الطعام الجاف لغلاء ثمنه، أستخدم هياكل الدجاج المعجونة مع الخبز، لكن الأمور تزداد صعوبة مع ندرة تلك الهياكل التي أصبح الناس يقبلون على شرائها وارتفع ثمنها، حتى أرغفة الخبز زاد ثمنها الضعف وصغُر حجمها”.

شقاوة القططة قصة معروفة تأتي على الأخضر واليابس، وفي هذا المنزل بالذات تتضاعف حتى أتت على طقم السفرة وكسَّرت عشرات الأشياء على مر السنوات، الخطأ هنا يعني الخسائر كما وصف بيتر “لو نسيت بابًا واحدًا غير موصد تقع الكارثة وأعني هنا الإيصاد بالمتاريس؛ عماد أفندي يستطيع فتح مقابض الأبواب بسهولة، وطور مهاراته حتى استطاع فتح الثلاجة ليقدم طعامنا وجبة سريعة لإخوته متى تهيأ له الأمر”.

رحلات الأطباء لا تنتهي تارة يدفعها فضول القططة نحو القفز من النوافذ وتارة يخبِّئ لهم الحظ أمراضًا عارضة، أصيبت العائلة بأكملها فيما عدا الوافدين الجُدد بفيروس مناعي ربما يقلل متوسط أعمارهم ويفتح الباب مستقبلًا نحو معاناة، ولا ننسى الفلاح صاحب مرض القلب والذي يموت ويحيا على طاولات الأطباء بين الحين والآخر، وبسبوسة التي تعيش في بيتها الجديد تحاول تخطي الفشل الكلوي وتحتاج نظام تغذية مكلِّف.

إقرأ أيضا
جيش الطين

قِطَطَة

أصدقاء أبو هريرة

يتلقى بيتر المساعدة من أصدقائه الذين أطلقوا عليه لقب “أبو هريرة” سواءً داخل المنزل أو خارجه، يساعده أصدقاء السكن على الاهتمام بهم أثناء سفره لزيارة أهله وأحيانًا يأتي آخرون كيفما اتَّفق، كما يتطوع أطباء العيادة التي يتردد عليها بتقديم خدماتهم مجانًا والاكتفاء بدفع ثمن العلاج- وهو ما يفعله بعض الأطباء البيطرين مع قطط الإنقاذ-.

لا تخرج قططة التبني سوى في نطاق الأصدقاء منهم ما يعود ثانية ومنهم ما يتعلق بأصدقائه الجدد، والتبني ليس بالأمر اليسير لأن معظم الأصدقاء يعيشون بالفعل مع قط أو أكثر ومنهم من يواجه مشاكل بيتر نفسها مع عدد كبير من قطط الإنقاذ؛ لكنهم يمثلون دعمًا معنويًا لبعضهم البعض ولا يلتفتون إلى أي تنمر أو تعليق سلبي قد يتعرضون له.

لا يزال بيتر يصادف قططًا جديدة تحتاج للإنقاذ لكن غلاء المعيشة وضيق المساحة لا يسمحان بالمزيد؛ يقوم بمساعدة الحالات الإنسانية ويعيدهم إلى أماكنهم في الشارع مضطرا. بينما يحاول أصدقاء أبو هريرة مساعدة الحيوانات قليلة الحيلة أمام قسوة البرد ومخاطر الشارع، نرى البعض من أصحاب الأخلاق المتدنية يحاولون تسميمهم أو أذيتهم دون تورع، متناسيين أن أرواحهم محسوبة ومشاعرهم حقيقية، يجب أن يضيف البعض إلى معلوماته أن البشر ليسوا المخلوقات الوحيدة على ظهر البسيطة التي تستحق الشفقة.

الكاتب

  • قِطَطَة إسراء أبوبكر

    صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.

    كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
7
أحزنني
0
أعجبني
3
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان