في محبة الأشرار
لا أعرف لماذا يصفني المقربون بأنني شرير، ولكني لم أحاول مرة واحدة أن أثبت لهم العكس، كان بإمكاني أن أحلف لهم على الختمة الشريفة أنني أنتمي لمعسكر “كمال أبورية”، وليس إلى فريق “غسان مطر”، أو أدير لهم ظهري ليشاهدون أجنحة الملائكة وهي ترفرف خلفي، ولكنني بدلا من ذلك أصوب نحوهم نظرة خبيثة وابتسامة صفراء، تؤكد انطباعهم عني.
في السماء بدأ الشر، عندما خلق الله أبونا آدم، وقال إبليس كلمته، وأعلن العصيان لرب العالمين، وفي الجنة انطلقت رحى الحرب، والشيطان يوسوس لحواء أن تقتع آدم بقطف التفاحة المحرمة، ليهبط إلى الأرض، وينجب “قابيل” أول قاتل في تاريخ البشرية.
في الحقيقة لم يكن آدم بطل قصة الخلق، لقد كان “إبليس“، هو من ظهر على الشاشة طيلة الوقت، هو من تحرك، وانفعل، وتوعد، واستكبر، بينما كان آدم مجرد شخصية باهتة في خلفية المشهد العظيم، لم ينطق بكلمة واحدة، كان مجرد “كومبارس صامت” في قصة تحدد مصيره!
الشر هو ملح الحكاية، بدونه تصبح خالية من الدراما، وبلا تأثير، هو من يفجر الدماء، وبنشر الخوف، ويصنع الأساطير، والحياة بدون الأشرار ، لا يمكن تخيلها، إن قطعة اللحم الشهية التي تتناولها، لن تصل إليك أبدا، إذا لم تجد من يمسك السكين ويذبح الحيوان، ويسلخه، ثم يقطعه، ويلقي بلحمه داخل النيران لتنضج، قبل أن يقدم لك قطعة – في طبق- تفوح بالرائحة الطيبة.
رفض التاريخ تخليد ملايين الأبرياء الذن قتلوا في المعارك، لكنه احتفى بأسماء القادة الأشرار الأكثر توحشا، هؤلاء الذين امتلأت قلوبهم بالشر، فتفننوا في إبادة مئات الآلاف من البشر، بدم بارد، وضمير مستريح.
الروايات التي لا يعتمد فيها المؤلف على أبطال أشرار، لن تجد من يدفع ليشتريها، يدرك الناشر أن الطيبين حين يتم الزج بهم على الورق يصبحون بلا ثمن، وأن بضاعتهم لا تلقى رواجا لدى القارئ، لأنها – ببساطة – مملة.
القارئ يؤمن بأن الأشرار في الرواية هم من يمنحونه الشغف لمواصلة تقليب الصفحات والوصول إلى النهاية، والمتفرج لن يتقبل عملا سينمائيا يخلو من وجود الأشرار، فإنه ذهب إلى دور العرض لينتصر عليهم!
يبدو أن المشاهد شعر بالامتنان نحو أشرار السينما، الذين جعلوه يحس بأنه ملاك، ربما لهذا السبب تحولوا في عينيه من أعداء إلى أصدقاء حميمين، وتعاظمت عواطفه تجاههم لدرجة أنه أحبهم، وبات يرغب في تقليدهم، مثلما حدث مع محمود المليجي، واستيفان روستي، وزكي رستم، وتوفيق الدقن، وعادل أدهم.
قد لا تستطيع أن تتذكر بسهولة اسم وزيرتين في الحكومة الحالية، لكنك بالتأكيد تعرف من هما ريا وسكينة، فرغم مرور عشرات السنوات على وفاتهما، إلا إنهما ببساطة أشهر سفاحتين في تاريخ مصر الحديث، ما جعل النسيان يخشى الاقتراب منهما.
الطفل المطيع خامل، لا يستطيع تحريض الضيوف على متابعته، ومداعبته، بينما نظيره الشقي الذي يملأ الدنيا بالضجيج، يخطف القلوب، وتزداد محبته عند والديه كلما أفسد نظام، البيت، وحطم الأكواب، وحصل على لقب “المخرب الأعظم”.
نحن نحب رؤية الحيوانات المفترسة، معرفة طبيعتها، وطريقة اصطيادها للفريسة، والانقضاض عليها، وغرس أنيابها داخل اللحم الحي، ونهش الجلد، وبقر البطون، قد نشعر بالتعاطف مع الفريسة، لكننا لا نستطيع إنكار إعجابنا بتفوق الأسد مثلا.
عندما تشاهد الثعابين فإن قلبك هو من يزحف معها، وهي تحاول العثور على فريسة تلتهمها، وستظل تتابعها حتى تختبئ بداخل بطنها، وكلاكما سيشعر بالشبع: الثعابين من الطعام، وأنت من الخوف!
إن دول العالم تنفق الأموال الطائلة على شراء الأسلحة والحروب، ليستمر الشر على الأرض باعتباره من يستحق الاحترام، بينما تصرف القليل جدا على شراء الأطعمة والأدوية للفقراء لأن الخير ليس من أولويات الإنسان الأكثر قسوة من الشيطان.
من يظن بهذا انتصار للشر متناسيا الجزاء الأبدى فقد أهلك نفسه ربنا أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه .
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا آدم واغفر لنا ماتقدم من ذنبنا آمين