في مختلف عصور الإسلام .. عن رؤية هلال رمضان وكيفية الاحتفال به في مصر
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
حافظت الأمصار الإسلامية ( البلدان ) في كل بقاع الأرض على الاحتفال برؤية هلال رمضان، واعتنوا برؤيته عناية فائقة، ولم تقتصر هذه العناية على عامة المسلمين أو قضاة الأمصار بل امتدت للخلفاء والولاة قديمًا ،والرؤساء حديثًا، ومن الثابت أن بعض الخلفاء كانوا يصعدون بأنفسهم لاستطلاع هلال رمضان ، ومن بينهم ” هارون الرشيد” الذي يذكر “الأصمعي” أنه صعد معه لرؤية الهلال.
وهناك مواقف طريفه تذكرها كتب التاريخ في رؤية هلال رمضان ومنها قصة “أنس بن مالك ” و قد قارب المائة، فقد كان يتم استطلاع رؤية هلال رمضان بالعين المجردة، قال ” أنس” قد رأيته هو ذاك وجعل يشير إليه، فينظر من معه فلا يجدون شيئًا، وكان “إياس” القاضي حاضرًا، وهو أفطن أهل زمانه ، فنظر إلى “أنس” وإذا شعرة بيضاء من حاجبه قد أنثنت فوق عينه، فمسحها “إياس” وسواها بحاجبه ، ثم قال له : أنظر يا أبا حمزة فجعل ينظر ويقول لا أراه .
الأضواء بعد رؤية الهلال
ويصعد القضاة وشهود عدول لرؤية هلال الشهر الكريم في الأماكن العالية، فإذ ما تحققت الرؤية تُضاء الشوارع و المساجد والمآذن ابتهاجًا به، و لا حظ “ابن الجبير” أثناء رحلته إلى مكة عام 578م أن الحرم المكي مضاء بالمشاعل و الشموع كضوء النهار.
في عهد الخليفة العباسي “المأمون” أنشأ” أحمد بن يوسف” الكاتب العباسي سجلًا إلى جميع العمال في الأمصار ( البلدان ) يحثهم على الاستكثار من المصابيح في شهر رمضان وتعريفهم ما في ذلك من فضل وقد جاء في خاتمته ” فإن ذلك أنسًا للسابلة وإضاءة للمتهجدين ونفيًا لمظان الريب وتنزيهًا لبيوت الله من وحشة الظلمة” .
وقائع الاحتفال بهلال رمضان
أما عن وقائع الاحتفال برؤية الهلال كما جاء في كتاب ” رمضان زمان ” ، فهي متشابهة في أغلب البلدان الإسلامية إذ كان القاضي يصحبه الشهود والأعيان والمشايخ يتجهون إلى الأماكن المرتفعة العالية لاستطلاع الهلال في موكب حافل ويظل الناس في الطرقات ينتظرون عودة هذا الموكب لتتعالى صيحات الفرح ومظاهر الاحتفاء به إذا ما ثبتت رؤية هلال رمضان .
وعن تطور مظاهر الاحتفال برؤية هلال رمضان في مصر التي تعد من بين البلدان الإسلامية القليلة التي عرفت في احتفالها بليلة الرؤية أطوارًا عدة نظرًا لتقلب الدول المختلفة على حكمها من أمويين وعباسيين وفاطميين ثم أسرات كردية وتركية كالأيوبيين والمماليك والعثمانيين .
دكة القاضي ورؤية هلال رمضان
حفظت المصادر التاريخية اسم أول قاضي في مصر يحضر لرؤية الهلال وهو القاضي” أبو عبد الرحمن عبد الله بن لهيعة” الذى ولىّ قضاء مصر سنة ١٥٥ هـ، وخرج القضاة من بعده في العصر العباسي مع الناس إلى جامع “محمود” بسفح جبل المقطم لرؤية الهلال في رجب وشعبان احتياطيًا لشهر رمضان ، من فوق دكة أعدت لهم على مكان مرتفع بالجبل تعرف بدكة القضاة، واستمروا ينظرون الهلال من فوقها حتى دخل الفاطميون مصر ، فحولت الدكة إلى مسجد وانقطع القضاة عن رؤية الهلال من فوق جبل المقطم أو سواه من الأماكن العالية بالقاهرة .
ولا يعود انقطاع القضاة عن رؤية الهلال إلى اختفاء دكتهم الأثيرة وإنما إلى حقيقة أن الدولة الفاطمية ، الشيعية المذهب، كانت تعتمد على الحسابات الفلكية في تحديد بدايات الأشهر الهجرية، وإن لم يمنع ذلك الفاطميين من تنظيم الاحتفالات بغرة رمضان، فكان القضاة يجوبون جوامع مصر الفسطاط، والقاهرة قبل ليلة رمضان بثلاثة أيام لتفقد ما تم إجراؤه فيها من إصلاح وفرش وتعليق قناديل .
وبلغ اهتمام الفاطميين بإنارة المساجد في شهر رمضان، ففي عهد ” الحاكم بأمر الله” أمر عماله إلى صياغة تنور هائل من الفضة الخالصة لإضاءة محراب الجامع الأزهر في ليالي رمضان ولم يستطع القومة إخراجه بعد انفضاء الشهر الكريم إلا بعد هدم الحائط المجاور للباب.
وإذا ما حل أول يوم من رمضان خرج الخليفة الفاطمي في حرسه ورجال دولته بأزيائهم الزاهية الألوان في موكب ترتج له القاهرة إعلانًا بحلول شهر الصوم، وفي هذا اليوم تفرق دنانير الغرة التي تضرب من ذهب خالص لتفرق في هذا اليوم إضافة إلى خرفان شواء و حلوی وخبز وقطع منفوخة من سكر وأرز بلبن وسكر .
بعد زوال الدولة الفاطمية في مصر،عاد القضاة إلى استطلاع الهلال من فوق المآذن، ولعل أبرز هذه المآذن ما شيده “المنصور قلاوون ” فكانت المرقب الرئيسي الذي كان القضاة في القاهرة يستطلعون من عليه هلال رمضان، ورغم أن هذه المئذنة لم تكن بحال من الأحوال الأكثر ارتفاعًا بين مآذن القاهرة إلا أن مواجهتها للمحكمة الصالحية حيث كان يجلس القضاة قد منحها شرف الارتباط باستطلاع أهلة الأشهر الهجرية .
مشاركة طوائف الشعب في رؤية الهلال
لم تقتصر رؤية هلال رمضان على القضاة والولاة بل امتدت لطوائف الشعب المختلفة، فقد شارك فيه التجار و أهل الصناعات وأهالي الحارات، فإذا تحققو من رؤية الهلال أضاءوا أنوار الدكاكين وخرجت المواكب بالفوانيس والشموع والمشاعل، وقد تحدث “ابن بطوطة “عن استقبال المصريين رؤية هلال رمضان عام 727م .
يقول : “ولقيت بأبيار ـ مدينة بدلتا مصر ـ قاضيها عز الدين المليجي الشافعي وحضرت عنده يوم الركبة وهم يسمون بذلك يوم ارتقاب هلال رمضان وعادتهم فيه أن يجتمع فقراء المدينة ووجهوها بعد العصر من اليوم التاسع والعشرين من شعبان بدار القاضي ويقف على الباب نقيب المتعممين وهو ذو شارة وهيئة حسنة لاستقبال الوافدين فإذا أتي أحد الفقهاء أو الأعيان تلقاه ذلك النقيب ومشى بين يديه مقدمًا إياه قائلًا: “بسم الله سيدنا …. فيسمع القاضي ومن معه فيقومون له ويجلسه النقيب في الموضع اللائق به ، فإذا تكاملوا هناك ركب القاضي وركبوا معه وتبعهم جميع من في المدينة من الرجال والنساء والصبيان حتى يصلوا إلى موضع مرتفع خارج المدينة وهو مرتقب الهلال فإذا ما رأوه يعودون إلى المدينة بعد صلاة المغرب وبين أيديهم الشمع والمشاعل والفوانيس ، ويوقد أهل الحوانيت بحوانيتهم الشمع ويصل الناس مع القاضي إلى داره ثم ينصرفون وهكذا يفعلون كل سنة “.
استقبال رمضان في العصر العثماني
حسب كتاب ” رمضان زمان” فإن القضاة كانوا يخرجون في العصر العثماني عند ثبوت الرؤية في مركب شعبي تشارك فيه طوائف الحرف، وقد لبس أعضاء كل طائفة ملابسهم المميزة وبأيديهم نماذج من منتجاتهم بينما ينطلق جنود الانكشارية من طائفة مستحفظان المسئولية عن أمن العاصمة إلى الشوارع والأزقة وهم بصيحون “يا أمة خير الأنام … بكرة من شهر رمضان صيام .. صيام .. وفي حالة عدم ثبوت الرؤية كان النداء يتغير إلى غدًا من شهر شعبان .. فطار .. فطار.
استقبال رمضان في القرن العشرين وما بعده
وفي القرن العشرين استمرت حفلات طوائف الشعب تشارك في احتفالات استطلاع هلال رمضان بعدما انتقال إثبات الهلال إلى المحكمة الشرعية، فيخرج الموكب من محافظة مصر إلى المحكمة الشرعية تتقدمه الموسيقى والجنود بطبولهم حتى إذا ثبتت رؤية الهلال تطلق الصواريخ والألعاب النارية وتطلق المدافع وتضاء المآذن ثم يمر موكب الرؤية في أنحاء القاهرة معلنًا الصيام .
أما في القرن الواحد والعشرين، فالمؤسسة الدينية ” دار الفتوى المصرية” هي عن رؤية هلال رمضان، إلى جانب مؤسسات دينية أخرى مثل “الأزهر الشريف” ، كما يقدم معهد البحوث الفلكية حسابًا لرؤية الهلال، لكن شرعًا تثبت الرؤية بالعين المجردة من سفح جبل وبشهود عيان عدول .
اقرأ أيضًا : كيف كانت قصة حب زينب بنت رسول الله وأبو العاص
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال