“فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ” حكاية فرعون
-
عمرو عاشور
روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...
كاتب نجم جديد
في ليلة، بعصر ما.. كان الفرعون في فراشه يتقلب منزعجاً من أثر كابوس بشع… كان يري كرات من الجمر المشتعل تنطلق من بيت المقدس وتضرب قصره وتحرق بيوت القبط من حوله، وتتفادي بيوت بني إسرائيل..
انتبه الفرعون من نومه مفزوعاً ومنادياً على حاشيته، وأمر بحضور السحرة والكهنة ليحدثهم بشأن الكابوس الطارئ.. ففسروا الحلم بكونه رؤيا تحذيرية من السماء، وعليه أن يحذر من بني إسرائيل فالرؤيا تشير بأنه سيخرج من بين أصلابهم من يطيح بالفرعون ويستولي على عرشه..
وطبعاً، فرعون خاف على حكمه، فأمر جنوده بأن يفتشوا بين نساء بني إسرائيل، فإذ وضعت أحداهن ذكراً فليقتلوه، وإن وضعت إنثي يتركوها..
ولكن، ما سر عداء فرعون مع بني إسرائيل؟ وكيف دخلوا بني إسرائيل لمصر من الأساس؟
هنا، لا بد أن نعود إلى حكاية أقدم، عزيز مصر يوسف الذي جاء إلى مصر كبضاعة بعد أن رموا به أخوته في البئر، فاشتراه العزيز الذي رباه فأحسن تربيته، ثم جاء الغواية والمكيدة من امرأة العزيز التي زجت بيوسف في السجن، ومن السجن للرؤيا ومن الرؤيا للحاكم الذي عيّن يوسف عزيزاً على مصر.. أي ما يشبه وزير الإقتصاد.. ثم جاءوا الأخوة وجاء التسامح، وعاش يوسف وأخوته الـ 11 بمصر كأعيان وكبار قوم وهم على دين والدهم يعقوب.. وهم أبناء بني إسرائيل.. ولكن، يبدو أن التاريخ يمارس مهامه في تقليب أحوال الناس فإذ بأحفاد يوسف وأخوته وقد تبدل بهم الحال وتغيير ليصبحوا فقراء ومستعبدين ومنبوذين من فرعون وجنوده.. فـ هل انتزع منهم فرعون الحكم لذلك هو يخشي من عودته لهم؟ ربما. وربما لا.. فلا شئ يقيني هنا.. ولكن المُثبت في الحكاية أنه أمر وزيره هامان بأن قتل الصبية وهم في المهد.. ومرت الأعوام على تلك الحكاية، إذ انجبت امرأة من بني إسرائيل ولد قتله جنود فرعون فوراً.
ولكن، مع الوقت، قل عدد الرجال بين بني إسرائيل، ورجال إسرائيل هم العمال والعبيد الذين يُكلف لهم الأعمال الشاقة والمتعبة والتي لا يمارسها القبط (والقبط هنا تعني المصري الأصيل)..
وبعد مشاوارات بين الفرعون وأتباعه قرر أن يكون القتل عام وعام آخر للمسامحة حيث يترك فيها المواليد الجدد أحياء سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً..
في عام المسامحة ولد هارون أخو موسي، وفي العام التالي – عام القتل- ولد موسي.. وهنا سقطت أمه بين الحيرة والخوف.. فإن عثروا جنود فرعون عليه سيقتلوه كغيره.. فـ ما العمل إذن؟ فأوحي إليها ربها بأن ترضعه، ثم تلقي به في البحر، وبالفعل وضعته في سلة وتركته للنهر الذي سحبه إلى قصر فرعون.
وهناك عثر عليه الحرس، وحملوه لإمراة فرعون التي أحبته فور رؤيته.. فطلبت من فرعون أن يبقي على حياة موسي، وأن تتم تربيته في القصر الفرعوني. وكان عليهم أن يستعينوا بمرضعة لإطعام الرضيع.. وبالطبع، كانت أم موسي هي المرضعة المنشودة..
وكبر موسي في قصر فرعون، وأصبح شاباً يافعاً، يتسكع في حواري المصرية فإذ به – في مرة- يجد مشاجرة بين رجل من بني إسرائيل وآخر من القبط، فحاول أن يحول بينهما وبدون قصد منه قتل القبطي..
وعرف أن فرعون توعد له، فقرر الهرب من مصر كلها.. واتجه إلى مدْيَن وهناك صادف فتاتين عند سقاية مياه للماشية، فسقي لهما أغنامهما.. فحكت الفتاة بما حدث لأبيها وعرضت عليه أن يستأجر موسي للعمل لديه..
غير أن الأب أحب موسي فعرض عليه أن يتزوج من أحدي بناته بشرط أن يظل في خدمته ورعايته لثماني سنوات.. ووافق موسي وتزوج من الفتاة وعاش مع أسرتها يعمل بهمة ونشاط حتى انتهت المدة المتفق عليها، فقرر أن يعود إلى مصر مجدداً..
وفي الطريق إلى مصر، وتحديداً بسيناء، وتحديداً بجبل الثور، فإذ بصوت يناديه من السماء (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى)..
ثم جاء التكليف بأن يذهب إلى فرعون لأنه طغي. ولكن، موسي الذي كان لا يزال خائفاً من بطش فرعون طلب من ربه أن يسمح له باصطحاب هارون الأخ الأكبر معه حتى يشد من عزيمته.
وقد كان، ووقف موسي أمام فرعون وراح يدعوه لعبادة الله الواحد، وجاء فرعون بالسحرة في تحدِ لما يعرضه موسي.. وألقوا بعصاهم فإذ هي ثعابين تسعي وألقي موسي بعصاته فإذ بها كوبرا تأكل تلك الثعابين، فخروا السحرة ساجدين لموسي وربه..
ولا أعرف لمَ لم يقتل فرعون موسي على الفور. بل تركه بعد أن وعده موسي بقرب عذاب الله إذا لم يتب.. وطبعاً فرعون ركب رأسه وسار في عناده وهو ينظر إلى مياه النيل التي تحولت إلى دم، وقد انتشرت الأمراض والحشرات والقوارض بكل مكان بمصر.. ثم جاءت الإشارة بأن يأخذ موسي قومه ويرحل بيهم نحو البحر.
وعرف فرعون بهروب موسي وقومه فقاد جنوده نحوهم لمطاردتهم وملاحقتهم وإبادتهم.
عند البحر وقف قوم موسي وهم في حيرة، فالبحر أمامهم والعدو خلفهم فعلياً لا مجازياً.. فيأمر الله موسي بأن يضرب البحر بعصاه، فإذ بالبحر ينشق ويشكل ممراً أماناً لعبور موسي بقومه، وأثناء عبور موسي وقومه يصل فرعون بجنوده. غير أن البحر يعود لطبيعته فـيغرق فرعون وأتباعه.. لينزل فيه قول الله (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ)..
تلك كانت حكاية فرعون كما جاءت في التوارة/ الإنجيل/ القرآن. ولكن، يظل السؤال.. من هو فرعون؟
في الحضارة المصرية مثلاً سنجد أنه أثناء حكم الهكسوس لمصر، تقريباً خلال الأسرتين الخامسة عشر والسادسة عشر أي بين 1710 إلى 1680 قبل الميلاد.. ظهور ثمانية حكام لقبوا أنفسهم بـ الإله الطيب. بينما ستة أخرون أطلقوا على أنفسهم أبناء الشمس.. فـ هل من الممكن أن يكون فرعون واحد من أبناء تلك الحقبة التي اعتادت أن تطلق على الحاكم لقب إله؟ ربما وربما لا أيضاً.. فالبعض يرجح أن رمسيس الثاني هو الفرعون المذكور بالديانات السماوية الثلاثة.. وحديثاً خرج علينا الشيخ أسامة الأزهري ليوضح أن فرعون ليس مصرياً من الأساس وإنما ينتمي للهكسوس وهو الأرجح.
ولكن، ما الذي يفرق إذا كان فرعون مصرياً أم أجنبياً؟ ما الفرق بين الفرعون الغازي والفرعون المصري؟
ولماذا قال تعالي (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ)؟ هل يتعلق الأمر بتشكك بني إسرائيل وقتها حين قالوا: “ما مات فرعون”! فارسل البحر جثته ليطمئنوا أم أن للحكاية بُعد آخر فنزل قوله تعالى فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ هل هناك بُعد يتعلق بتجسيد الفرعون عبر الأزمنة، فراعنة غزاة ومصريين..
الكاتب
-
عمرو عاشور
روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...
كاتب نجم جديد