همتك نعدل الكفة
2٬232   مشاهدة  

“ما ترويه المقابر”.. زيارة لقبر أم كلثوم

أم كلثوم


في صباح يوم السبت الأول من فبراير، عام 1975، أعلنت جريدة “أخبار اليوم” في عنوان رئيسي :”حالة أم كلثوم حرجة جدًا”.

وكانت الأخبار تخرج عن طريق الأطباء بمستشفى المعادي، بأن حالة المخ خطيرة، وأزمة القلب تحسنت، وكوكب الشرق لا تزال في غيبوبة تامة، عملية نقل دم الساعة الثانية مساًء، والرئيس جمال عبد الناصر يطمئن على صحة “أم كلثوم”.

أم كلثوم

ومرت الأحداث، وغُير العنوان ليكون “ماتت أم كلثوم”، بعد أن اضطربت ضربات القلب، ثم أبطأت، وتوقفت الحياة في الرابعة وثلاثين دقيقة.

الجنازة، الأربعاء، 5 فبراير 1975 من مسجد عمر مكرم.

أم كلثوم

ونحن في زيارة لقبر أم كلثوم في منطقة البساتين، حكى لنا أحد الشهود على جنازة كوكب الشرق، قال:”كنت لسه عيل صغير، لكن مشهد الجنازة ميتنسيش، مكنتش تقدر تمشي في الشارع ده من الزحمة”.

ما رواه لنا هذا الشاهد، عاديًا، على هذا الصوت الذي يُسمع يوميًا منذ وقت وفاتها، لن ولم يمل منه أحد على الإطلاق!

وكانت أم كلثوم قد اشترت الحوش في منطقة البساتين، وطلبت بناء المقبرة عام 1948 لتدفن فيها والدتها، ثم دفن فيها شقيقها خالد عام 1953.

أم كلثوم

مات أم كلثوم معنويًا ونفسيًا يوم أن مات الرئيس جمال عبد الناصر في 28 سبتمبر1970، وقيل أنها قررت اعتزال الغناء بعد وفاته، والعمل في الخدمة الاجتماعية، وقررت إنشاء جمعية خيرية للنساء.

وبدأت كوكب الشرق تعاني من المرض منذ أوائل الخمسينات حين أصيبت بمرض الغدة الدرقية، وتم علاجها في نيويورك ولندن، لكن ابتداء من عام 1970 اشتدت عليها أعرض الأمراض التي بدأت تنال منها بقسوة.

ويكشف ملفها المرضي، عن تعرضها لصدمات نفسية شديدة إثر سماعها أنباء وفاة أقرب الناس إليها، كان من بينهم طبيبها الخاص الدكتور الزناتي، فقد تجددت في هذه الأيام إصابتها بالغدة الدرقية، وبعد إلحاح من الأطباء سافرت إلى سويسرا للعلاج، وقضت هناك عدة أشهر تحت العلاج المكثف، وشفيت من مرض الغدة الدرقية، ولم يبق منه إلا الأثر الذي أحدثه المرض في عينيها، وقد احتاج لبعض الوقت.

أم كلثوم

وعادت كوكب الشرق بعد ثلاثة أشهر إلى الإسكندرية، وانطلقت عشرات اللنشات إلى عرض البحر انتظارًا لوصول الباخرة التي كانت تحملها، وبعد أربعة أعوام من شفاءها من الغدة الدرقية عاودتها الآلام من جديد، وكان بعض الأطباء المشرفين على علاجها قد علموا بظهور عقار جديد لعلاجها، اكتشف في أمريكا، وتمت الاتصالات بالفعل بين الحكومة المصرية والأمريكية وتم إرسال العقار بالطائرة، ونتج عنه تقدم ملموس في صحتها.

أم كلثوم

وفي عام 1953، عادت أم كلثوم إلى أمريكا، لإجراء الكشف في المستشفى البحري، وفور عودتها للقاهرة، فوجئت بصدمة وفاة أقرب الناس إليها مجددًا، وكان هو أخيها “خالد”، ليعاودها الألم من جديد.

وبعدها بسبع سنوات عادت كوكب الشرق مرة أخرى إلى أمريكا، لإجراء الكشف الطبي مرة أخرى، إلى أن أصيبت عام 1967 باحتقان في المرارة، وبدأت حالتها الصحية تذبذب بين المرض والصحة، فسافرت مرة أخرى إلى لندن، إلى أن شفيت من المرارة، لكنها كانت تعاني من الضعف العام وفقر الدم.

وفي عام 1973، أصيبت  بأمراض الكلي، وهو ما دفعها إلى الاعتذار عن الغناء، فسافرت إلى لندن للعلاج، ولسوء حالتها نصحها الأطباء بالعودة إلى القاهرة، لأن حالتها الصحية لن تحتمل إجراء عملية جراحية.

بعد كل هذه المحاولات التي استنفذتها في التخلص من الأمراض، تدهورت الأمور، فاضطر الأطباء لنقلها إلى مستشفى المعادي، لكنها عاندت، فتم نقلها إلى منزلها للعلاج مع الإمكانيات الكافية للعناية بها، سواء في محال التحليل أو الأدوية اللازمة.

أم كلثوم

وبدأت أزمتها الصحية تنحدر بشدة، بدأت بانخفاض مفاجئ في الكلي نتيجة لإصابتها بأنيميا حادة، وكانت قد مرت بهذه الحالة عام 1947 عندما أصيبت بالتهاب الكلي أدى إلى ضعف عام وأنيميا حادة، تم علاجها منها في لندن ومستشفى بوسطن في أمريكا.

وفي 25 يناير من عام 1975، صدر التقرير الأول عن حالتها، وسجل الأطباء فيه، أنها تستجيب للعلاج، وتم نقل كميات من صفائح الدم المناسبة، وكنت هذه أول مرة تجرى فيها عملية نقل صفائح دم في مصر، واستغرقت عملية نقل الدم ثلاث ساعات متواصل، وبعد يومين من عملية النقل،اكتشف الأطباء حالة تحسن مستمر في حالتها الصحية.

إقرأ أيضا
الحج

أم كلثوم

وبعدها بثلاثة أيام، استيقظت كوكب الشرق على صداع شديد، وفور وصول زكريا الباز رئيس فريق الأطباء المعالجين إلى منزلها ووجدها في حالة غيبوبة تامة، وتقرر نقلها إلى مستشفى المعادي بسيارة مجهزة بأحدث المعدات، وفي المستشفى أدخلوها على الفور إلى غرفة الإنعاش، وكان تقرير الحالة الطبية يكشف عن حدوث نزيف في المخ ونوبة قلبية، ووضعت تحت الملاحظة الدقيقة ليل نهار.

حالة سيدة الغناء العربي لم تتحسن، عقد الأطباء اجتماعا طارئًا لفحصها، وتم التشاور حول إمكانية زرع كلية لها، لكن حالته الصحية لم تسمح بذلك، لأن المشكلة الأساسية كانت تكمن في المخ الذي توقف عن العمل، وأصبحت الحالة الصحية حرجة، وعواقب الأمور غير محسوبة.

وبقيت في غرفة العناية الإنعاش وبداخلها أجهزة علمية هي آخر ما توصل إليه الطب والعلم، وكانت عبارة عن آلات المتابعة الآلية للتنفس ودقات القلب آليًا، كما كانت تضم هذه الآلات جهاز تنفس آلي يقوم بضخ الأكسجين بمعدلات تتناسب مع احتياج الجسم من هذا الغاز عندما تتوقف عن عملية التنفس.

وبقيت كوكب الشرق في صراع مع المرض إلى أن رحلت في الرابعة مساًء يوم الاثنين 5 فبراير، 1975.

أم كلثوم

كان أول خبر وفاة أعلن عن كوكب الشرق من الإذاعة والتلفزيون في نشرة الخامسة، بعد أن انضمت موجات الإذاعة وقتها، وبعده أذيع الخبر ثم تلاه إذاعة الدكتور عبد العزيز حجازي رئيس الوزراء وقتها، ثم نعى وزير الإعلام ثم تلاوة القرآن الكريم، ثم نعي وزير الثقافة يوسف السباعي، ثم تناقلته وكالات الأنباء في العالم.

أم كلثوم

وبعد الوفاة، أطفئت أنوار الممر الذي توجد به غرفة الإنعاش بمستشفى المعادي، وفي حوالي الساعة السادسة أسرع الأطباء للإشراف على خروج سيدة الغناء العربي من الحجرة التي صارعت فيها الموت لمدة خمسة أيام، وخرجت محمولة على “نقالة”، وتحرك معها حكمدار المستشفى وحرس خاص من ضباط وصف ضباط والأطباء والممرضون يودعونها، وجلس مقرىء مسجد الحسين على باب الغرفة ليتلو لها من آيات القرآن الكريم، وصدر نعيها الذي أرادت أسرتها أن تنشره في الصحف ووقع على شهادة وفاتها الدكتور زكريا الباز.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
2
أحزنني
4
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان