قراءة تحليلية لـ كتاب الحق المبين في الرد على من تلاعب بالدين (1) – المقدمة والإشارات الأربعة
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
يقدم موقع الميزان لمتابعيه قراءة تحليلية شارحة لـ كتاب الحق المبين في الرد على من تلاعب بالدين والذي كتبه الشيخ أسامة الأزهري وطُبِع في سنة 2015 م
أهمية الكتاب وما يحتويه
على الرغم من صغر حجم كتاب الحق المبين في الرد على من تلاعب بالدين إلا أنه جاء جامعًا وشاملاً في الرد على أفكار من تلاعبوا بدين الله من جماعات التطرف والإرهاب، سواءًا الإرهاب الفكري أو الإرهاب المسلح.
يحتوي كتاب الحق المبين في الرد على من تلاعب بالدين على 15 فصل بـ 203 صفحة من الحجم الصغير، ويخصون الأفكار الدينية التي يلجأ لها جماعات التطرف ويحرفونها عن مواضعها ومنها الحاكمية وحب الوطن والحدود والجهاد في سبيل الله وغيرها.
ويستعرض الكتاب خلاصة المقولات والنظريات والأفكار التي بُنِيَ عليها فكر التيارات السياسية المنتسبة للإسلام خلال الـ 80 سنة الماضية، وجاء الكتاب تنفيذًا لواجب البيان للناس وصيانة للقرآن الكريم من أن تلتصق به الأفهام الحائرة والمفاهيم المظلمة المغلوطة.
مقدمة الكتاب والإشارات الأربعة
وضع الدكتور أسامة الأزهري مقدمةً للكتاب بلغت 10 صفحات، واحتوت على 4 أمور هامة وإجابة على سؤال حول سبب تأليف الكتاب.
شرح الشيخ أسامة الأزهر الأسباب التي جعلته يؤلف الكتاب وكان أبرزها عودة الفكر التكفيري الموجود في كتاب التيارات المتطرفة إلى المشهد السياسي، لكن بشكل مختلف وهو أن هذا الفكر لم يعد مجرد أطروحات في كتب وإنما ساهم في تشكيل تنظيمات وجماعات تتبنى أيدولوجيات مسلحة.
أول الإشارات في مقدمة الكتاب هي تبني التنظيمات الإرهابية ظاهرة اسمها التفسير الغاضب للقرآن الكريم، وهي عبارة عن لجوء الإرهابيين إلى آيات قرآنية يقتصون معانيها حسب أهواءهم إلى أن كان ظهور مشاهد لتيارات يقطعون الرقاب ويسفكون الدماء ويروعون الآمنيين بتفسيرات فيها أخطاء دينية فادحة.
ثاني الإشارات في المقدمة تتعلق بتراث الـ 1000 سنة في مواجهة الـ 80 سنة، وقصد الشيخ أسامة الأزهري ضرورة أن يتصدى الأزهر الشريف بمنهجه العلمي المؤَصَّل (أي له أصول علمية بحكم التراث والسنين والسند) للأفكار المتطرفة التي نشأت خلال الـ 80 سنة الماضية.
أما ثالث الإشارات الموجودة في المقدمة فتتعلق بالـ 80 سنة، إذ اعتبر الدكتور أسامة الأزهري أن المناخ العام للتطرف ترعرع خلال الـ 80 سنة لأسباب عديدة ذكرها بقوله «سقطت الخلافة، وتحير العقل المسلم في تلميس طريق وانتماء، ووجدت إسرائيل، ووقعت حروب، وتلاطمت الأمواج بالأمتين العربية والإسلامية، وحصل حراك فكري وتحولات اجتماعية، وكانت صدمة العصر حاضرة بحيث تحيرت عقول كثيرة وعجزت عن هضم الواقع واستيعابه وتكييفه وتحليله وتقديم أطروحات التعامل معه».
ومعنى الكلام الذي ذكره الشيخ أسامة الأزهري أن الفكر المتطرف حين تأسس كان متأثرًا بسقوط الدولة العثمانية سنة 1924 م، بالتالي نشأت قوميات عرقية استقلالية، وبالتبعية خرجت تيارات تناهض الانتماء الإسلامي متمثلاً في الخلافة.
تزامنًا مع ذلك خرجت تيارات دينية تعزز الإنتماء للدين وعلى رأسها جماعة الإخوان فشوهت الدين نفسه.
ملابسات النصف الأول من القرن العشرين ساهم في ترعرع الفكر المتطرف، فأغلب الدول الإسلامية كانت في احتلال، ثم نشأت إسرائيل سنة 1948 ليبدأ الصراع العربي الإسرائيلي وكان خطاب الجهاد حاضرًا فيه.
بعد انتصار أكتوبر 1973، تغير العالم اقتصاديًا ومجتمعيًا، فحدث الصدام بين السوفييت والأمريكان ليتغير مفهوم خطاب الجهاد وصار الجهاديين مع الأمريكيين.
كانت السعودية بعد 1973 م متطورةً على الصعيد الاجتماعي، حتى حدث اقتحام الحرم المكي وهذا الحدث جعل الخطاب الديني متأرجحًا بين الإفراط والتفريط.
تزامنًا مع كل هذا وذاك بدأت الحرب السوفيتية الأفغانية الأمريكية، أطيح بنظام الشاه في إيران ليحل بدلاً منه حكم ديني على أساس طائفي وحاول التمدد خارجيًا لتندلع الحرب العراقية الإيرانية وتم جعل الخطاب الديني طائفيًا، ثم حدث غزو الكويت وبدأت القوات الأجنبية تحررها بالتنسيق مع الدول العربية فنشأت أفكار دينية حول موالاة غير المسلمين (أن تعتمد الدول المسلمة على الدول غير المسلمة).
انتهى الحال بأن وصل الإسلام السياسي للحكم فنشأت فتاوى سياسية أخذت من الدين شعارًا في التحليل والتحريم، ولما تمت الإزاحة بحكم الإسلام السياسي عاد الفكر التكفيري بقوة وأفرز رموزًا قرروا ضرب مؤسسات الدول وقتل أفراد الأمن ثم قتل المدنيين لأسباب دينية أخذت شكلاً سياسيًا، لكن الاستدلال بالقرآن كان حاضرًا.
رابع الإشارات وآخرها فكانت معنى مصطلح تجديد الخطاب الديني، حيث قال « إزالة كل ما عَلُق (ما طال) بهذا الشرع الشريف من مفاهيم مغلوطة أو تأويلات منحرفة أو استدعاء خاطئ لآيات القرآن في غير ما قصدت إليه».
لماذا الأزهر وهل في الأمر احتكارية ؟
ركز الدكتور أسامة الأزهري خلال مقدمة الكتاب على ضرورة الاعتماد على الأزهر الشريف وتراثه لتفنيد الفكر المتطرف لأن الفرق بينهما واضح، فالأزهر تفكيره مستقيم مُسْنَد (أي له سند علمي) بينما الجماعات التكفيرية فكرها (مضطرب سقيم ليس له سند علمي).
وللسند العلمي أهمية كبيرة إذ أن التكفيريين يأخذوا بظاهر النصوص (أي أنهم يأخذون النص ويشرحونه بنفس شكله دون النظر إلى التراث اللغوي والفقهي في الكلمات والجمل والآيات)، بعكس الأزهر الشريف إذ أن له سند علمي في كتبه وشروحه.
واختتم الدكتور أسامة الأزهري مقدمته بتناول مسألة الاحتكارية الدينية والتي تعني هل الدين وشرحه حكر على الأزهر دون غيره ؟؛ وحول هذا الموضوع قال «هذا لا يعني أن الأزهر يحتكر لنفسه حق تأويل النص أو أنه يقتصر على المعرفة دون غيره، بل الأمر راجع إلى منهج علمي رصين حافظ عليه الأزهر ونشره وعلمه وأودعه في الكتاب وجعله متاحًا».
وقصد الشيخ أسامة الأزهري أن المسألة ليست في الأزهر كـ مؤسسة وإنما المسألة الأزهر كـ منهج علمي قامت عليه مؤسسات دينية أخرى مثل «الزيتونة في تونس، والقرويين في فاس، والجامع الأموي في دمشق، وجامع الفاتح في استانبول والمجالس العلمية في اليمن والسودان والهند والعراق والعمق الإفريفي، فالمسألة ليست احتكارًا».
«يُتْبَع»
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال