همتك نعدل الكفة
393   مشاهدة  

قصة دولة أوروبية أدخلت وباء الكوليرا للقاهرة (2-2) تحذير من الجيش المصري لم يُسْمَع

وباء الكوليرا
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



توقفنا في الحلقة الماضية حول قصة وباء الكوليرا عند تغاضي حكومة النقراشي باشا عن تقصير انجلترا في العمل بالمعايير الصحية داخل المطارات العسكرية خاصة مع الطائرات التي تحمل العساكر الهنود.

نداء الجيش المصري وخطأ حكومة النقراشي

أحمد عطالله باشا
أحمد عطالله باشا

تشير مضابط الحكومة المصرية إلى أن وزارة الدفاع الوطني على لسان وزيرها أحمد عطالله باشا أرسلت خطابًا للحكومة المصرية في أول مايو 1947 م، وبه شكوى من السلطات البريطانية جاء نصها «إن لها (يعني بريطانيا) عددا من المطارات في منطقة القناة تستعمل لأغراض عسكرية، وتصل إليها ويقوم منها من وقت لآخر طائرات تنقل ركابا من وإلى خارج الحدود المصرية، وهذه الحالة من الوجهة السياسية تتعارض مع حق السيادة على مطار مقام على أراضي المملكة المصرية، وهي من جهة أخرى تهدد البلاد من الناحية الصحية وطلب الاتفاق مع السلطات البريطانية على قصر استعمال مطار فايد وتخصيصه لهبوط وقيام الطائرات الحربية البريطانية التي تصل أو تغادر المملكة المصرية، وأن تتخذ فيه الحكومة المصرية نفس الإجراءات الصحية التي تتخذ في غيره من المطارات المصرية».

محمود فهمي النقراشي
محمود فهمي النقراشي

خطأ النقراشي يتجدد فبدلا من أن يسعى إلى تأكيد تلك المطالب وتدعيمها، فقد كتب إلى السفير البريطاني يشكو من هبوط طائرة حربية فرنسية في مطار فايد وأن الحكومة المصرية ترى أن هذا المطار لا يجوز استعماله للطائرات الأجنبية، وأن مصر لا تأذن مؤقا باستعماله لغير الطائرات الحربية البريطانية، لأن السماح بذلك فضلا عما فيه من مساس بالسيادة المصرية فيه تعطيل للإجراءات القانونية اللازمة من ناحية الوقاية الصحية ومنع التهريب، وطلب عدم السماح لأي طائرات من غير القوات الجوية البريطانية بالهبوط في مثل هذا المطار.

اقرأ أيضًا 
الجيش المصري ومواجهة الأوبئة “مواقف تاريخية منسية حدثت قبل 73 عامًا”

يفسر صلاح السيد عبدالعال علام معنى هذا الخطاب قائلاً «هو إجازة من رئيس الحكومة للطائرات البريطانية بالهبوط في مطار فايد البعيد عن الرقابة الصحية المصرية وغير الخاضع للحجر الصحي ولا لأي إشراف عليه من أية جهة ، وإنما يقع الخطر كله على الطائرات الأجنبية فرنسية أو غيرها، ولا شك أن في هذا الإجراء خطأ كبيرا ترتب عليه مباشرة تسرب الوباء إلى مصر عن طريق الطائرات الحربية البريطانية، وكان هذا الخطاب الشهير لرئيس الوزراء السبب في انعدام الرقابة الصحية المصرية على الطائرات البريطانية في المدة من 3 إبريل حتى 5 أكتوبر 1947م عندما تقرر باتفاق الطرفين أن يكون للسلطات الصحية المصرية حق الإشراف الصحي على المطارات الحربية التي تهبط فيها الطائرات البريطانية .

زرعة الشر الذي أنبتتها بريطانيا في الهند فحصدتها مصر لاحقًا

خريطة الهند البريطانية
خريطة الهند البريطانية

ظلت المطارات المصرية تستعمل على هذا النحو دون الخضوع لإجراءات الحجر الصحي ، ومما زاد الأمور سوءًا كما يروي الدكتور صلاح السيد عبدالعال علام، أنه في يوم 15 أغسطس سنة 1947 م حصلت الهند على نظام الحكم الذاتي وقسمت إلى دولتي الهندستان والباكستان، مما أدى إلى تقسيم إقليم البنجاب بين هاتين الدولتين وحدثت هجرة على نطاق واسع على مستوى البلدين، وكانت الهجرة في وقت ملائم جدا لتفشي الكوليرا فتفشت بشكل فظيع ، وكانت التقارير تصل إلى وزارة الصحة العمومية في مصر وأيضا النشرات التي وردت من آخر أغسطس إلى أوائل سبتمبر 1997 م، عن الكوليرا في الهند أثبتت بأنه يوجد في البنجاب 347 حالية كوليرا وفي بمباي 130 حالة في أسبوع، وزيادة على ذلك فقد بدأ في نفس التاريخ 15 أغسطس جلاء القوات العسكرية البريطانية عن الهند ، وهذه القوات كانت تتخذ من قناة السويس محطة في طريقها إلى انجلترا يمكثون فيها المدة الكافية، ثم ينقلون بعد ذلك إلى انجلترا، وبعبارة أوضح كانت منطقة قناة السويس بمثابة محطة للحجر الصحي خاصة بهم.

اقرأ أيضًا 
شخصيات تاريخية كررت إهمال مدير معهد الأورام “أحدهم وراء موت 61 ألف مصري”

الظروف التي أحصاها الدكتور صلاح السيد تمثلت في الآتي «مطارات لا تخضع للحجر الصحي، وكوليرا متفشية في الهند، وجنود يحلون في منطقة قناة السويس، وكانت تكفي لأن تكون نذيرا لرجال الصحة في مصر على أن وباء الكوليرا وشيك الحلول ببلادهم ، لكن بالرغم من كل هذا لم يتخذ رجال الصحة المسئولون أية احتياطات وقائية تحول دون انتشار الوباء في البلاد».

قرية القرين
قرية القرين

يفجر الدكتور عباس فضلي في كتابه «الكوليرا .. نشأتها وطرق الوقاية وعلاجها» طبعة عام 1947 عن دار الطباعة المصرية الحديثة مفاجأة حول أصل وباء الكوليرا في مصر عام 1947 حيث قال «إذا صح ما يقال من أن التحليل البكتريولوجي لأول إصابة بالكوليرا في بلدة القرين . مركز أبو حماد ، شرقية . أثبتت بطريقة علمية قاطعة أن الميكروب الذي أحدث هذه الإصابة من نوع متوطن في الهند يسمى “إيتابا” ، وصح أيضا ما يقال من أن أحد ضباط سلاح المهندسين بالفرقة الهندسية بمعسكر التل الكبير ثبت إصابته بالكوليرا وأنه توفي بها في 22 سبتمبر 1947، وأن السلطات البريطانية أصدرت منشورا في 11 سبتمبر لمعسكراتها ومطاراتها بزيادة نسبة الكلور في الماء ـ وهو إجراء لا تتخذه السلطات الصحية إلا عند وجود وباء الكوليرا، كذلك فإن عمال الورش بمعسكر التل الكبير بينهم اثنان أصيبا بالعدوى في المعسكر وتوفيا يوم 21 سبتمبر، قطعنا أن الوباء دخل القطر المصري عن طريق حاملي جرثومته من رجال القوات البريطانية الذين وفدوا من الهند عن طريق غير طريق البحر، لأن المسافة بين ميناء بمباي ومصر تحتاج في السفر بحرا لأكثر من ستة أيام وهي أكثر مدة الحجر الصحي، بالإضافة إلى أنه لم تظهر أية إصابة بالسفن الوافدة قبل 11 سبتمبر 1947م ، وأن مرض الكوليرا غير متوطن في مصر لأنه لم يظهر بها منذ 45 عامًا ، وأن موارد المياه ثبت عدم تلوثها، قطعنا أيضا أنه ورد مع حامل جرثومته من الهند في إحدى الطائرات التي وفدت على منطقة الاحتلال البريطاني في قناة السويس ولم تخضع للرقابة الصحية.

إقرأ أيضا
خسائر إسرائيل في لبنان
معسكرات الاحتلال البريطاني سنة 1947 م
معسكرات الاحتلال البريطاني سنة 1947 م

أما محمد عبدالخالق في كتابه «دفاع المملكة المصرية ضد الكوليرا» يقول «بالرغم من كل هذه الأدلة والبراهين التي تؤكد بأن مصدر العدوى هو معسكرات القوات البريطانية بالتل الكبير ، والتي نقلت إليها عن طريق القوات البريطانية الوافدة من الهند ، فقد صدرت تصريحات بريطانية تنفي احتمال دخول الكوليرا بواسطة القوات العسكرية لعدم وجود مرض بينهم ، بل زادت بأنه لم تحدث حالات کوليرا بين أفراد القوات البريطانية منذ الحملة التركية على قناة السويس عام 1910 وأذاعت أيضا وزارة الحربية البريطانية بيانا رسميا أكدت فيه أنه لم تحدث إصابة واحدة بالكوليرا بين القوات البريطانية في مصر، وأن جنديين إفريقيين ملحقين بالقيادة البريطانية أصيبا بالمرض ولكن تم شفاؤهما وقد حدثت الإصابتان بعد تفشي المرض بين سكان مصر لا قبل انتشاره».

اقرأ أيضًا 
الدكتور إبراهيم حسن الطيب والطبيب لي وين ليانغ “حين تفوقت مصر على الصين”

ويشير محمد عبدالخالق إلى شيء غريب وهو أنه عندما عقدت لجنة الخبراء الصحيين للهيئة الصحية العالمية بجنيف جلسة خاصة في 24 سبتمبر 1947 لتبحث موضوع وباء الكوليرا في مصر، ونشر عن ذلك الاجتماع بيانات في الصحف المصرية خلاصتها «اللجنة ترى أن الوباء تسرب إلى مصر من الصين أو الهند الفرنسية بواسطة قوافل أو جماعات من الرحل، وقد ذكر مندوب مصر في اللجنة الدكتور “محمد نظيف” أن مثل هذه الجماعات غير خاضعة لرقابة الحجر الصحي المصري فإن صح ذلك فلا يكون إلا مجرد محاولات غير مقبولة للتنصل من المسئولية، إذ أنه لا يمكن لجماعات من الرجل الوصول إلى مصر برا وينقلون الكوليرا إليها بدون تسرب العدوى في الطريق إلى إيران، والعراق، وفلسطين، فالمسافر برا خاضع للحجر الصحي المصري وحدود فلسطین مراقبة مراقبة دقيقة، وأيضا جميع معابر قناة السويس تحت رقابة الحجر الصحي المصري».

الكاتب

  • الكوليرا وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان