قضية لوسي أرتين .. كيف ثبتت براءة المشير أبو غزالة بعد موته ؟
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
تتصدر قضية لوسي أرتين قائمة الملفات الأكثر غرابةً في السياسة المصرية، ليس لغموضها أو لأنها وراء الإطاحة بأسماء والمتسببة في تصعيد أسماء، وإنما لأن بعض أطرافها على قيد الحياة ولم يتكلموا عنها حتى الآن رغم زوال نظام مبارك ورجاله.
مصر 1993 .. الطالع الذي أنقذ وائل الإبراشي
كانت مصر تلملم شتاتها بعد زلزال أكتوبر 1992 م، وكان القصر الرئاسي على موعد مع زلزال آخر مصدره تقرير من صحفي في روز اليوسف هو وائل الإبراشي فجر قضية لوسي أرتين التي بدأت في 8 فبراير 1993 م.
قبل يومين من القبض على لوسي أرتين كانت المحكمة الدستورية العليا أصدرت حكمًا ببراءة الكاتب كمال خالد المحامي صاحب كتاب رجال عبدالناصر والسادات من قضية السب والقذف التي رفعها عليه مصطفى أبو زيد فهميي المدعي الاشتراكي.
قالت حيثيات الحكم إن «انتقاد الموظف العام من خلال الصحافة أو غيرها من وسائل التعبير حق كفله الدستور لكل مواطن ويجب عدم إعاقة هذا الحق، بشرط أن يكون النقد هدفه الوصول للحقيقة لا للأحقاد والضغائن الشخصية ولا يجوز للقانون أن يكون أداةً لإعاقة حرية التعبير عن مظاهر الإخلال بأمانة الوظيفة أو الخدمة العامة، ذلك أن الحكومة خاضعة لمواطنيها وإذا تخاذل القائمون على العمل العام أو انحرفوا عن حقيقة واجباتهم مهدرين ثقة المواطنين فيهم، كان تقويم اعوجاجهم حقًا وواجبًا».
بشكلٍ أو بآخر كانت تلك الحيثيات طالع الخير على وائل الإبراشي الذي كشف على روز اليوسف قضية أطاحت بكلٍ من «المشير محمد عبدالحليم أبوغزالة ـ وزير الدفاع ـ، واللواء حلمي الفقي – مدير الأمن العام ـ، والضابط فادي حبشي – مدير المباحث الجنائية ـ، وتحسين شنن ـ محافظ السويس ـ، المستشار عبدالرحيم علي محمد ـ رئيس المحكمة ـ» ومعهم اثنين من موظفي البريد ومحامي لوسي أرتين، إلى جانب مصطفى الفقي أحد الموظفين في رئاسة الجمهورية.
قضية لوسي أرتين من النفقة إلى حظر النشر
كانت لوسي أرتين زوجةً لـ رفانت هواجيم أرتين سيركاجيان وجرت مشكلات بينهما بعد زواجهما بأقل من عام وتطورت المشكلات إلى أن وصلت للقضاء في قضية نفقة وتأخر البت في تلك القضية لصالحها.
كان والد لوسي أرتين يعمل في مهنة إدارية بمكتب المشير أبو غزالة واشتكى له من تأخر البت في قضية نفقة لوسي أرتين التي تنظرها محكمة الأسرة في السويس، فأجرى أبو غزالة اتصالاً مع المحافظ تحسين شنن يحمله رسالة للقاضي مفادها «لا نتدخل في أحكام القضاء لكن القضية تأخرت والمرأة تريد نفقتها».
هواجيم أرتين والد طليق لوسي بعدما شعر بأن لطليقة نجله نفوذ قدم شكوى لوزارة الداخلية وشكوى للحزب الوطني وقال أن لوسي أرتين كانت تتجه إلى الشهر العقاري في مصر الجديدة مع محاميها بهدف نزع ملكية عقار باسم زوجها لتنفذ عليه حكم النفقة المحكوم بها، غير أنها فوجئت بأن طليقها باع العقار لأخته، بالإضافة إلى أنها كانت تخرج مع القاضي الذي ينظر نفقتها.
كانت أولى الأشياء التي تم اكتشافها أن لوسي أرتين سافرت من مصر يوم 17 يونيو 1987 بجواز سفر رقمه 101590 تاريخه 27 مايو 1987 م وكان مكتوب في الحالة أنها عزباء رغم أنها كانت زوجة وأم لطفلين، وفي نوفمبر عام 1992 خضعت لوسي أرتين للمراقبة بقرار من جهاز الرقابة الإدارية لصلتها برموز في مصلحة الشهر العقاري في مصر الجديدة.
تم تدبير كمين للوسي أرتين بعد مراقبتها فتم اقتحام شقتها بمصر الجديدة يوم 8 فبراير 1993 م وكان فيها القاضي الذي ينظر قضيتها فتم القبض عليهما بتهمة الرشوة وشيئًا فشيئًا بدأ اكتشاف أشياء صادمة، وانشغلت الصحافة طوال شهر بنشر تسجيلات صحفية جعلت النيابة تصدر قرارًا بحظر النشر في 16 مارس 1993 م.
مصير المتورطين في قضية لوسي أرتين
لم يتم العثور على أي شيء له صلة بالقاضي عبدالرحيم محمد، بينما رحل اللواء تحسين شنن محافظ السويس وحتى رحيله في 30 يوليو 2003 م كان ذا شعبية جماهيرية كبيرةً بين أهالي السويس.
أما فادي حبشي فهو حاليًا صاحب مكتب محاماة وتواصل معه موقع الميزان فلم يتكلم واكتفى بما ذكره قبل سنوات مع الإعلامي محمد الغيطي من أنه استقال بمحض إرادته، وأنه سيجيء يوم ويخرج فيه المستندات، ولحق مصطفى الفقي برَكْب المبعدين فتم إخراجه من القصر الرئاسي وهو حاليًا يشغل منصب مدير مكتبة الإسكندرية.
بينما لوسي أرتين فقد امتدت القضايا بينها وبين زوجها حتى العام 2015 م، وكان آخر ظهور علني لها عام 2017 في تصريح لأحد المواقع حول مونديال القاهرة، كما حضرت احتفال السفارة اليونانية بعيدها القومي سنة 2016 م.
أبو غزالة .. كفش الفداء لماذا ؟
بقي اسم المشير محمد عبدالحليم أبو غزالة في قضية لوسي أرتين محيرًا، فالرجل الذي ترك منصب وزير الدفاع في 15 إبريل 1989 تم الزج به في قضية عام 1993 م، فهل عملية تصفية حسابات تمت على الرجل وأصلاً هل هو متورط في قضية لوسي أرتين ؟.
ثلاث تواريخ هامة رسمت العلاقة بين محمد عبدالحليم أبو غزالة والرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، الأول هم 6 أكتوبر 1981 حيث اغتيال السادات وصدرت توقعات بأن وزير الدفاع سيمسك زمام الأمور خاصةً وأن الظروف الأمنية شديدة الحرج والدموية، لكن أبو غزالة تمسك بالشرعية الدستورية وقام بتقديم مبارك بصفته نائب الرئيس.
أما التاريخ الثاني فكان 25 فبراير 1986 حيث وقعت حادثة الأمن المركزي التي بدأت بشائعة حول صدور قرار بمد فترة التجنيد فهاج بعض الجنود في القاهرة والجيزة وقاموا بعمليات سلب ونهب وقتلوا بعض زملاءهم مع مدنيين، فكان لابد من فرض السيطرة فتم الاستعانة بالقوات المسلحة وتمكنت من الأمر، وكان من السهل على أبو غزالة أن يصبح رئيسًا بانقلاب عسكري وفي ظرف سياسيٍ حرج خاصةً وأنه اكتسب شعبية بعدها، لكنه كرر ما فعله عام 1981 م غير نادم.
وجاء التاريخ الثالث وهو يوم 25 يونيو 1988 م ليكون النقطة الفارقة في مسيرة أبو غزالة وزير الدفاع باكتشاف تورط عسكريين مصريين لهم صلة بالمشير محمد عبدالحليم أبو غزالة في تطوير منظومة الصواريخ المعروفة بـ عملية الكربون الأسود، وقد سببت وقتها حرج شديد في العلاقات المصرية الأمريكية انتهت عمليًا بعد خروج أبو غزالة من منصبه وصدور حكم بحق المتورطين في 6 ديسمبر 1989 م.
إشكالية ربط هذه المواقف بقضية لوسي أرتين تتمثل في أن أبو غزالة لم يعد يشكل خطرًا على الرئيس، لكن ذلك غير صحيح فأبو غزالة عمل مساعدًا للرئيس وجرى صراع على القوى بين رموز قصر مبارك وأبو غزالة من جهة وجفوة بين مبارك ومساعده أبو غزالة من جهة أخرى كون أن تسويقه جرى على أن أقوى رجل في مصر والمرشح الأقوى لخلافة مبارك في الحكم بطريقةٍ أو بأخرى بالتالي لن يأمن مبارك على كرسيه في ظل وجود أبو غزالة تحت أي مسمى وظيفي.
براءة أبو غزالة
بالمنطق فإن أبو غزالة بريء وبالأدلة أيضًا هو بريء لكن براءته جاءت بعد موته عام على لسان من كانوا طرفًا في القضية، فلوسي أرتين حكت لمرتضى منصور أن هناك ضغوطًا تمارس عليها للزج باسم أبو غزالة.
حتى وائل الإبراشي الذي تزعم كشف الموضوع صحفيًا تَقبَّل في حوار تلفزيوني أن أبو غزالة بريء، ليس هذا فحسب بل قال في يوليو سنة 2013 لـ طوني خليفة ببرنامج أسفين يا ريس أن أبو غزالة كلمه متأثرًا وقال إنت دمرت حياتي.
توارى أبو غزالة عن الأنظار منذ 1993 وحتى وفاته عام 2008 م ولا أحد كان يشعر بما يحس به الرجل فقط اكتفى بالتعبير عن ما في داخله بالدموع حيث حكى حسب الله الكفراوي أنه طلبه بالإسم لأمر ما وذهب له إلى المستشفى وارتمى في حضنه وبكى أبو غزالة دون أن يتكلم وبعد ساعات قليلة فارق الحياة.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال