“السبب والحل” خطأ مجلة الأزهر باختيار كتاب الموجز في تاريخ القدس هديةً لعددها
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
قدمت مجلة الأزهر كتاب الموجز في تاريخ القدس لعارف باشا العارف هديةً مع عددها السادس للسنة 97 (عدد جمادى الآخرة 1445هـ / ديسمبر 2023م – يناير 2024م) وكان مع تلك الهدية هدية أخرى وهو كتاب الصهيونية العالمية لعباس محمود العقاد؛ وجاء ذلك كشكل من أشكال استمرار مجلة الأزهر في دعم فلسطين.
ما في كتاب عارف العارف عن القدس من عيوب
تبنى كتاب الموجز في تاريخ القدس لعارف العارف باشا وجهة النظر اليهودية في مسألة أحقيتهم بالقدس والأقصى بسبب هيكل سليمان وأن النبي سليمان بناه تحت المسجد الأقصى قبل كفره والذي كان على إثره زال الهيكل ودُمِّر.
كان ذلك الخطأ قد لفت أنظار قراء المجلة؛ منهم الباحث حسين القاضي نقلاً عن الدكتور قناوي محمد؛ وكتب القاضي عبر صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك قائلاً « ونحن نثق في وطنية القائمين على المجلة، ولكن كيف صدر الكتب من دون مراجعة؟ ومن الذي اختاره؟! وكيف يعالج الخطأ الفاحش من مجلة تمثل الأزهر الشريف؟! أسئلة تحتاج إجابات».
مشاكل كتاب عارف العارف
ابتداءًا فإن المشاكل التي تتعلق بكتاب عارف العارف كثيرة ومتسلسلة منذ اختيار اسم الكتاب وانتهاءًا بمحتواه؛ فمن حيث اختيار اسم الكتاب فلا وجود لكتاب كتبه عارف العارف بعنوان الموجز في تاريخ القدس، فالعنوان الصحيح له هو تاريخ القدس؛ وأما كلمة الموجز هذه فتلك إضافة أضافتها مؤسسة الدراسات الفلسطينية لكتاب يقع في 184 صفحة؛ وهذا أيضًا خطأ لأن كتاب عارف العارف يقع في 320 صفحة خلال طبعته الأولى سنة 1951م.
وربما أرادت المؤسسة أن تضع جملة الموجز من تاريخ القدس لعارف باشا العارف، لكي توضح الفارق بين كتابه هذا وكتاب آخر أصدره في 600 صفحة بعنوان المفصل في تاريخ القدس، لكن لا وجود لكتاب بهذا الاسم لعارف العارف.
كانت النية من وراء تقديم هذا الكتاب أنه أيسر الكتب لمن يريد أن يعرف تاريخ فلسطين بشكل مجمل يجعل ما يقرأه من معلومات عامة هامة، مفاتيح وأطراف خيوط للبحث في كتب أخرى؛ خصوصًا أن الكتاب يستند إلى مراجع علمية من أمهات الكتب؛ لكن التوفيق لم يحالف المجلة لاكتظاظ الكتاب بأخطاء عقائدية تناقض العقيدة الإسلامية وبأخطاء تاريخية متضادة مع الحقائق.
مما يتضاد مع العقيدة الإسلامية بما أن المجلة إسلامية أن كتاب عارف العارف يتبنى وجهة النظر اليهودية بأن النبي سليمان قد عبد الأوثان بعد بناءه الهيكل تحت المسجد الأقصى[1]، كذلك فإنه يرى وقوع صلب المسيح في عهد الوالي الروماني بيلاتوس بونتيوس[2]، العجيب أن نفس تلك الآراء التي أوردها عارف العارف في تاريخ القدس، أوردها في كتابه الأكبر المفصل في تاريخ القدس، فتكلم عن بناء الهيكل لكنه أنكر المبالغات التي يقولها اليهود حول عدد عماله والمدة التي استغرقها[3]، وكذلك تكلم عن صلب المسيح باستفاضة أكثر.[4]
أما من حيث الأخطاء التاريخية عمومًا مثلاً تخصيصه باب بعنوان «الفتح الصليبي وصلاح الدين»[5]، وليس معروفًا ما هو الفتح في الموضوع رغم أنه يقر بأن الصليبيين محتلين.
كيف وقعت مجلة الأزهر في الكارثة؟
أبشع شيء حدث في كتاب الموجز في تاريخ القدس أن الدكتور نظير محمد عياد رئيس تحرير المجلة، والأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية قام بعمل تقديم عن الكتاب بشكل يدعو للتساؤل عن ما إذا كان قد قرأ الكتاب أم لا، فخلال تقديمه للكتاب وعرضه قال أن المؤلف أجاب أجوبة شافية وكافية عن الهيكل المزعوم وحقيقته وأسئلة أخرى وفق منهجية علمية ورؤية موضوعية؛ مضيفًا أن المقصد الرئيس لليهود هو عودة بني إسرائيل لفلسطين وعودة أورشليم لحكم إسرائيل وبناء الهيكل، وأمام هذه الادعاءات وزيفها كان لابد من مرجع علمي موثوق نعمد إليه في بيان مدى صحة هذه الادعاءات وزيفها، ورغم كثرة المؤلفات وتعددها التي يمكن التعويل عليها في دفعها إلا أننا إدارة المجلة رأت الاعتماد على هذا الكتاب.
وإن فتحت الكتاب لتجد ما يقوله التقديم لن تجد في متن الكتاب ولا محتواه أي شيء من هذا بل على العكس تمامًا، فهو لم يتكلم في الهيكل ولم يناقشه ولم ينفي وجوده أصلاً.
السبب الوحيد الذي جعل مجلة الأزهر تقع في هذا الخطأ هو الكوبي بيست بدون تحقيق، فإن كان لذلك الكتاب قيمة، فبالتأكيد لا يُمَسّْ النص الأصلي للكتاب، لكن كان الأفضل أن تقوم مجلة الأزهر بعمل تعقيبات وتعليقات على الفقرات التي تحتاج إلى شرح أو تحقيق؛ بدلاً من أن تنسخ نص الكتاب بهوامشه حتى.
حل الكارثة واقتراح من موقع الميزان
ما وقع قد وقع فمجلة الأزهر بهداياها قد بيعت ووزعت في الأسواق وبسرعة كبيرة لأنها توزع مجانًا في الجامع الأزهر وتباع عند باعة الصحف بـ 5 جنيهات فهي في متناول الجميع؛ وعلى ذلك فإن مجلة الأزهر يتوجب عليها أمر واحد إزاء تلك الكارثة.
اقرأ أيضًا
“تهجير الفلسطينيين ورفض الأزهر” بدأ من الحلمية الجديدة 1948م واستمر لطوفان الأقصى
ما على المجلة ليس مجرد التوضيح والنقد والنقض لما في كتاب عارف العارف، لو حدث هذا فذلك شيء جميل؛ لكن ينبغي الرد بشكل يلائم الإطار العام للهدايا وهو «الأزهر والقضية الفلسطينية»؛ بمعنى أوضح إعادة نشر لما في تراث الأزهر القديم والمعاصر لما يخص نقض الدعاوى الصهيونية.
أقدم اقتراح لما يخص نقض وهم هيكل سليمان من تراث المؤسسة الأزهرية، فإن كلية اللغة العربية في أسيوط جامعة الأزهر، لها مجلة وكانت قد نشرت قبل 13 سنة من الآن دراسة شافية وسلسلة كتبها الدكتور محمود عبده نور الدين أستاذ التاريخ والحضارة، بعنوان «الهيكل اليهودي .. الرواية اليهودية والمنطق التاريخي»؛ وخلال هذه الدراسة استعرض الباحث قصة الهياكل الثلاثة (هيكل سليمان، وهيكل رزبابل، وهيكل هردوس)؛ وقام بالرد على تلك القصص من داخل كتب اليهود ثم بتقارير تاريخية من حفريات الآثار سواءًا تلك الحفريات التي حدثت في ظل الاحتلال البريطاني للقدس أو الحفريات التي جرت بعد احتلال الصهاينة للقدس.[6]
[1] عارف العارف، تاريخ القدس، ط/1، مطبعة دار المعارف، بيروت، 1951م، ص16.
انظر:- نفس الكتاب، طبعة مجلة الأزهر، ص35.
[2] عارف العارف، تاريخ القدس، ط/1، مطبعة دار المعارف، بيروت، 1951م، ص16.
انظر:- نفس المرجع، طبعة مجلة الأزهر، ص53.
[3] عارف العارف، المفصل في تاريخ القدس، ط/5، دار المعارف، القدس، 1999م، ص ص14–15.
[4] المرجع السابق، ص51.
[5] عارف العارف، تاريخ القدس، ط/1، مطبعة دار المعارف، بيروت، 1951م، ص69.
انظر:- نفس المرجع، طبعة مجلة الأزهر، ص100.
[6] محمود عبده محمد نور الدين، الهيكل اليهودي .. الرواية اليهودية والمنطق التاريخي، مجلة كلية اللغة العربية بأسيوط، جامعة الأزهر، ع29، ج4، ديسمبر 2010م، ص ص3235–3301.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال