كيف تؤثر حرب غزة على الانتخابات الأمريكية؟
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
في مشهد انتخابي مختلف عن الماضي، تحضر الحرب في غزة بقوة في ساحة الانتخابات الأمريكية، لتتحول إلى قضية تحتل صدارة الاهتمام إلى جانب الاقتصاد، الذي لطالما كان محور اهتمامات الناخب الأمريكي.
حرب غزة وتأثيرها في الداخل الأمريكي
في خضم القصف الإسرائيلي العنيف على غزة وما خلفه من آلاف الشهداء والمصابين، وخاصةً من الأطفال، بدأت تتكشف بوادر تغير في الرأي العام الأمريكي، فبينما كان سابقًا مؤيدًا لإسرائيل دون تردد، باتت مشاعر التضامن مع الفلسطينيين أكثر بروزًا، وتدل على ذلك الحركات الطلابية المستنفرة التي شهدتها الجامعات الأمريكية ونتائج استطلاعات الرأي التي تشير إلى هذا التحول.
وفقًا لاستطلاع أجرته مؤسسة “داتا فور بروجرس” في 12 يونيو 2024، أبدى 64% من الناخبين الأمريكيين تأييدهم لوقف إطلاق النار وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، فيما ارتفعت هذه النسبة لتصل إلى 86% بين الناخبين الديمقراطيين، وفي استطلاع آخر أجراه مجلس شيكاغو للشؤون العالمية في يونيو 2024، أعرب 56% من الأمريكيين عن رفضهم لفكرة إرسال قوات للدفاع عن إسرائيل في حال تعرضت لهجوم من إيران.
يعاني الحزب الديمقراطي من تزايد التباينات بين جناحيه المعتدل والتقدمي في ظل فشل جهود بايدن لإنهاء الحرب وتوسع المخاوف من صراع إقليمي، وقد شهدت الأشهر الأخيرة خسائر للحزب في دعم شرائح هامة من ناخبيه، خاصة من الشباب والمجتمعات العربية والإسلامية والتقدميين، مما يضع تحديات جديدة أمام استراتيجيته المستقبلية.
أظهر الحزب الديمقراطي مؤخرًا تحولاً واضحًا في موقفه تجاه إسرائيل، تجلى في مقاطعة نصف أعضائه لجلسة خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس في يوليو 2024م، وعلى وقع احتجاجات غاضبة، اجتمع الديمقراطيون في مؤتمرهم الوطني في شيكاغو، حيث علت أصوات تطالب بمحاسبة إدارة بايدن على سياساتها تجاه غزة.
تأثير الرأي العام الأمريكي
هذا الزخم المتصاعد للرأي العام الأمريكي، خاصة في أوساط الديمقراطيين، يضع الساسة الأمريكيين أمام خيار لا يمكن تجاهله وهو فرض قيود على إرسال الأسلحة إلى إسرائيل، والسعي نحو تحقيق وقف إطلاق نار دائم في القطاع المحاصر.
ينما يتخذ بايدن موقفًا حازمًا في دعمه لإسرائيل، تلمح نائبة الرئيس كامالا هاريس إلى موقف أكثر استقلالية، داعيةً إلى وقفٍ فوري لإطلاق النار وموضحةً قلقها من أوضاع المدنيين الفلسطينيين المتدهورة، وأكدت حملة “غير ملتزم” أن هاريس قد أبدت استعدادها للتواصل معهم لمناقشة مطلبهم بفرض حظر فوري على إرسال الأسلحة الأمريكية لإسرائيل.
موقف اللوبي الإسرائيلي وذراعه أيباك من تغيرات الداخل الأمريكي
في ظل معارضة غير مسبوقة لإسرائيل على المستويين الشعبي والرسمي، صعدت “لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية” (أيباك) – التي تعتبر الذراع المالي والإعلامي للوبي الإسرائيلي – من جهودها لقمع التحركات المعارضة وفرض أجندة موالية لإسرائيل على الكتلة الديمقراطية.
وفي هذا الإطار، تخطط “لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية” (أيباك)، لإنفاق 100 مليون دولار عبر لجان العمل السياسي الثلاث التابعة لها، وفقًا لما أشارت إليه الباحثة أسماء رفاعي في دراستها المنشورة في مجلة السياسة الدولية حول ممولي الانتخابات الأمريكية.
تركز “أيباك” جهودها على إصدار تشريعات تُجرّم الدعم للقضية الفلسطينية، ومعاقبة المؤسسات التي تؤيد هذا الدعم، ومنع التمويل الفيدرالي عن الجامعات التي تسمح بالاحتجاجات المؤيدة لفلسطين، وبأسلوب مدروس، لا تسعى “أيباك” فقط لتوجيه الناخبين نحو المرشحين الموالين لإسرائيل، بل تُحاول تقليص شعبية المرشحين المناهضين لها، وذلك عبر حملات إعلامية تركز على ضعف سياساتهم المحلية دون التطرق المباشر إلى مواقفهم من إسرائيل.
اللوبي الإسرائيلي ومواقفه في أحداث الانتخابات الأمريكية
في الفترة الأخيرة، اتخذت تكتيكات لجنة “أيباك” منحىً أكثر حدةً يُهدد الحزب الديمقراطي، إذ لم تكتفِ بدعم مرشحيها بالأموال، بل خصصت مواردها لهزيمة المرشحين التقدميين في معاقلهم الآمنة، حيث خصصت نحو 8.5 مليون دولار لهزيمة النائبة التقدمية كوري بوش بميزوري، وقدمت دعمًا غير مسبوق بقيمة 17 مليون دولار لإزاحة النائب جمال بومان المؤيد للقضية الفلسطينية في نيويورك.
في خضم الأصداء المتعالية لاستطلاعات الرأي، التي تنذر بأن نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة قد تتشكل بشكل حاسم، يتبدى دور اللوبي الإسرائيلي كقوة مؤثرة لا يستهان بها، إذ سيبذل كل ما في وسعه لدعم ترامب في الولايات المعنية، من خلال ضخ ملايين الدولارات بهدف تأمين فوزه، وتأتي هذه الجهود لتكمل مسيرته في دعم السياسات الموالية لإسرائيل، التي بدأها خلال ولايته الأولى، حيث نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وقدم لإسرائيل أسلحة متطورة، وساهم في صياغة اتفاقيات أبراهام التي تهدف إلى تطبيع العلاقات مع القوى الإقليمية الكبرى، ومن المحتمل، إذا ما عاد إلى البيت الأبيض، أن يمنح الضوء الأخضر مرة أخرى لتل أبيب لإعادة توطين المستوطنين في قطاع غزة، مما قد يمهد الطريق لمزيد من المجازر ضد الفلسطينيين.
يبدو أن سياسات هاريس تجاه غزة لن تبتعد كثيرًا عن نهج بايدن، حيث تشير تصريحاتها إلى تحول في الخطاب فقط، دون أي التزامات سياسية حقيقية حتى الآن، ويعكس تأكيدها على أمن إسرائيل قلقها من دعم اللوبي الإسرائيلي لترامب في الولايات المتأرجحة، مما قد يعرّض فرصها في الفوز للخطر.
تؤكد مواقف ترامب وهاريس تجاه الحرب على غزة دعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي لإسرائيل، مع احتمال ضئيل لظهور مرشح معارض في الأفق، هذا يؤكد على تأثير المساهمات المالية للجان العمل السياسي المرتبطة بتل أبيب، وبالأخص “أيباك”، مما يعكس السيطرة المستمرة لللوبي الإسرائيلي على النظام السياسي في الولايات المتحدة.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال