كيف تصدت مصر لوثيقة تبرئة اليهود من دم المسيح ؟ “مواجهة برعاية البابا وشيخ الأزهر”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
تلازم الهدوء مع البابا كيرلس السادس بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية حتى صارا متحدين، إلا في موقف تبرئة اليهود من دم المسيح الذي تصدى له بقوة وشراسة بعدما كان يُعْرَف عن رجل الصلاة أنه ليس من هواة الصراعات أو الصدامات.
تبرئة اليهود من دم المسيح .. كيف نمت الفكرة ؟
وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها وكان موقف المسيحيين من اليهود واضحًا إذ لم يتعاطفوا معهم على الإطلاق، فشجع هذا المطران رونكالي «الذي كان البابا يوحنا 23 فيما بعد» أن يقدم شيئًا لليهود، فلما وصل للكرسي الباباوي كلف أوغستين بيترس المعروف بالكردينال بيا بأن يضع خطوطًا عامة لوثيقة تبرئة اليهود من دم المسيح في مخالفة صريحة للنصوص الكنسية.
جاءت وثيقة تبرئة اليهود سنة 1962 وقوبلت بهجوم ورفض كبير من كافة الكنائس الشرقية وتصدت كنيسة الإسكندرية لها فسحبت الوثيقة على استحياء ثم عادت بقوة عام 1963 وواجهها البابا كيرلس بقوة.
في أواخر ديسمبر من العام 1964 انعقد في مطرانية البلينا محافظة سوهاج اجتماع كبير ضم رجال الدين المسيحي والإسلامي ومحافظ سوهاج عبدالحميد خيرت والأنبا كيرلس مطران كرسي البلينا لاستنكار الوثيقة.
اقرأ أيضًا
سوهاج والمسيحية .. جوانب تاريخية غير مروية عن بلد المواويل
جاء اجتماع البلينا تلبية لموقف البابا كيرلس السادس في 22 نوفمبر عام 1964 حيث وصف الوثيقة بأنها مؤامرة استعمارية لا صلها بالدين، وضد الإنجيل ولن يلتزم بها أي أحد من المسيحيين في العالم، ودعا البابا كيرلس السادس إلى اجتماع عالمي أرثوذكسي.
لم ينحصر الأمر في الكنيسة خلال حبرية البابا كيرلس السادس فقط، بل إن الأزهر في عهد الشيخ حسن مأمون تصدى لهذه الوثيقة ليس لأسباب عقائدية لكن لاعتبار الأزهر أن مثل هذه الأطروحات تمثل بابًا للتطبيع مع اليهود.
رفضت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في اجتماع المجمع المقدس يوم 13 فبراير سنة 1965 م في بيانٍ لها كافة الأطروحات الخاصة بملف تبرئة اليهود من دم المسيح، وأصدر البابا كيرلس السادس والبطريرك أغناطيوس الثالث بطريرك السريان قرارًا مشتركًا من 10 بنود أكدت على أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تلتزم بما جاء فى الكتاب المقدس وتقليد الكنيسة وتفاسير الآباء من أن شعب اليهود هم الذين حكموا بصلب المخلص وطلبوا تنفيذ الحكم بيد بيلاطس البنطي بحسب الكتب وأن التأكيد لهذا الحدث التاريخي الهام، لا يتعارض أبدًا والتعاليم المسيحية التي تنادي بالمحبة والإخاء، والتسامح لجميع البشر، مهما اختلفت أديانهم وعقائدهم وألوانهم وجنسياتهم، وتأمر بنبذ التفرقة العنصرية والاضطهاد.
وأقر المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية في 13 فبراير 1965 بأن الكتاب المقدس قال في وضوح أن اليهود صلبوا السيد المسيح وتحملوا مسئولية صلبه حين أصروا على ذلك بقولهم لبيلاطس البنطى: “اصْلِبْهُ! اصْلِبْهُ!” (يو 6:19)، “دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلاَدِنَا” (مت 25:27)، وهكذا لا تشمل هذه الإدانة جماعة معينة من اليهود دون غيرها وإنما توجه بها بطرس إلى اليهود فى كل أمه تحت السماء (أع 2) وقد قال بولس الرسول عن اليهود بصفه عامة أن اليهود قتلوا الرب يسوع والأنبياء واضطهدونا وهم لا يرضون الله ويقاومون جميع الناس ويمنعونا أن نكلم الأمم لخلاصهم حتى يتمموا خطاياهم كل حين”.
اقرأ أيضًا
“أزمات بابوات الكنيسة القبطية” أحدهم كاد أن يتورط في تهمة تجسس والآخر تم اختطافه
زرع البابا كيرلس السادس من خلال هذا البيان البذرة التي تقاوم أطروحات تبرئة اليهود من دم المسيح وهي البذرة التي نماها البابا شنودة الثالث منذ أن كان أسقفًا للتعليم وحتى وفاته، وعليها لا زالت الكنيسة القبطية ترفض المبدأ نفسه.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال