“كيف كان مصيرها” تجارب غلق المحال التجارية في تاريخ مصر مع تخفيف الأحمال
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
عادةً ما كانت ترتبط عملية تحديد مواعيد غلق المحال التجارية في تاريخ مصر بظرفين استثنائيين وهما الحروب والحوادث الأمنية التي تحمل تهديدًا خطيرًا لأمن الدولة وبموجبها يتم فرض حالة الطوارئ، وقليلة ما تكون الكوارث الطبيعية عنصرًا في ذلك كالحال في فيروس كورونا، لكن تاه ملف آخر في سجلات التاريخ المصري وهو ارتباط تحديد مواعيد غلق المحال التجارية بالحالة الكهربائية التي صارت تُعْرَف حاليًا بـ «تخفيف الأحمال».
كيف بدأ مصطلح تخفيف الأحمال ؟
أول ظهور رسمي لمصطلح تخفيف الأحمال في تاريخ مصر كانت عام 2003م وذلك على لسان الدكتور حسن يونس وزير الكهرباء الأسبق، وجاء المصطلح في سياق اعتراف بوجود مشكلة مع وعدٍ بعدم تكرارها وهو الوعد الذي لم ينفذ.
ظهور مصطلح تخفيف الأحمال سنة 2003م جاء بعدما شهدت مصر في صيف 2002م واحدةً من موجات قطع التيار الكهربائي التي أثارت لغطًا في الشارع المصري حينها، وتأخر الاعتراف الحكومي بموجة قطع الكهرباء بعد سلسلة من التبريرات، كان منها كثرة التكيفات.[1]
ثم تفاقمت المشكلة في يوليو 2002م لتصل إلى ساعتين في شمال ووسط القاهرة، ووصل الأمر لدرجة ركاب المترو قاموا بتكسير نوافذ القطارات هربًا من الاختناق لعدم وجود تهوية وساروا على القضبان حتى أقرب محطة خروج، وألقت الحكومة المسئولية على مواطن مجهول بعزبة رستم قام بالتعدي على خطوط الضغط العالي المارة من منطقة باسوس في شبرا الخيمة[2]، ثم ألقى الوزير المسؤولية على ما سماه الحفر العشوائي في الشوارع الذي أدى لحوادث ضرب الكابلات الكهربائية.[3]
إلى أن اعترف وزير الكهرباء سنة 2003م في حوار صحفي مع مجلة المصور وقال أن الوزارة لجأت إلى سياسة تخفيف الأحمال بسبب ارتفاع درجات الحرارة وأن شبكة الكهرباء لم تكن مصممة للتعامل بكفاءة مع الموجات الحارة غير المسبوقة.[4]
غلق المحال التجارية .. الوسيلة القديمة الجديدة لتخفيف الأحمال
دخول الكهرباء لمصر كان تدريجيًا بدايةً من تأسيس فرع لشركة ليبون وبداية عملها الفعلي بالقاهرة سنة 1892م وصولاً لإبرام أول عقد لإدخال الكهرباء في مصر سنة 1903م، ثم تولي وزارة الأشغار مسئولية إنارة المنازل سنة 1948م وبعدها تأسيس وزارة الكهرباء عام 1964م.[5]
ذلك التدرج في دخول الكهرباء لمصر أثر تأثيرًا إيجابيًا في حركة البيع والشراء والتجارة، ومع زيادة السكان وبالتبعية كثرة المحال التجارية، بدأت مصر تتجه لتنظيم فتح وغلق المحال التجارية.
أول اتجاه للدولة لغلق المحال التجارية كان في 20 نوفمبر 1966م عندما صدر القرار 109 الذي ألزم المحال التجارية بالإغلاق الساعة 10 مساءًا في الصيف والتاسعة والنصف في الشتاء، مع مد ساعة لمحالات البقالة والجزارة والطيور والألبان.
لم يؤثر ذلك القرار سلبًا في مصر أو على مزاج القاهريين بالتحديد، ويرجع ذلك لأنه تم استثناء الفنادق والمقاهي والأندية والمسارح والسينمات والصالات والمستشفيات والصيدليات ومحطات البنزين ومحال بيع الصحف والحانوتية من القرار [6]، ويلاحظ في ذلك القرار تقدير التطور السياحي الذي كانت مصر تشهده حينها والذي وصل إلى ارتفاع عدد السائحين لمليون شخص.[7]
لعب التوقيت الصيفي دور البطولة خلال عمليات غلق المحال التجارية في تاريخ مصر والتي انتشرت بكثرة في ثمانينيات القرن الماضي عندما أصدر يوسف صبري أبو طالب محافظ القاهرة قرارًا في مارس 1984م بأن نهاية العمل في المحال يكون الساعة 8 مساءًا عدا الإثنين والخميس حيث يكون ل9 مساءًا بينما دور السينما ينتهي عملها الساعة 12 ونصف منتصف الليل وخطوط النقل العام تعمل لغاية الواحد صباحًا.
وأول ربط صريح بين غلق المحال والكهرباء كان على لسان وزيرها المهندس ماهر أباظة والذي أكد أن قرارات الغلق ضرورة قومية لمواجهة أزمات نقص الكهرباء بتوفير 50 مليون جنيه[8]، وبقيت قرارات غلق المحال التجارية منذ الثمانينيات حاضرةً عند أي حكومة حتى مطلع الألفينيات.
مجلس الشعب خلال إحدى جلساته سنة 2002م تناول الفكرة، واستنكر بعض النواب قرار غلق المحال التجارية، ومنهم النائب ممدوح عبدالرازق والذي قال أن الحياة الاجتماعية والأنشطة الترفيهية في مصر تبدأ بعد الغروب، والسنوات التي تقرر فيها ساعات عمل معين للمحال التجارية لم تساهم في توفير كهرباء.[9]
هدأت وتيرة تحديد غلق المحال التجارية سنة 2003م بعدما أثرت اقتصاديًا، إلى أن عادت نفس الفكرة بعد زيادة حركات تخفيف الأحمال في القاهرة[10]، وكان القرار على يد المحافظ عبدالعظيم وزير أصدر في ديسمبر سنة 2010م قرارًا بإلزام المحال التجارية بالفتح والإغلاق في مواعيد محددة بهدف توفير الكهرباء وتخفيف الزحام المروري الخانق وتسهيل مهمة عمل شركات النظافة لرفع القمامة المتراكمة من الشوارع، مع استثناء المؤسسات والمحال الخدمية كالصيدليات والمطاعم والمقاهي ودور السينما والمسرح.
شبكة دوشتيه فيليه الألمانية أخذت الآراء من الجانبين بين مؤيدٍ للفكرة لرؤيته في أنه يحقق الأهداف الحكومية، وبين معارض للفكرة لأسباب اقتصادية واجتماعية[11]، لكن لم يتم تنفيذ القرار الذي كان يبدو أنه سيتم تنفيذه بصرامة كبيرة، وذلك بسبب وقوع أحداث ثورة 25 يناير 2011م.
بعد عام وبضعة أشهر من ثورة يناير عادت الفكرة تلح من جديد، حيث أصدر وزير التنمية المحلية حينها أحمد زكي عابدين قرارًا بغلق المحال التجارية الساعة 10 مساءًا وذلك في بداية أكتوبر 2012م؛ وأرجعت الحكومة حينها ذلك القرار بأن مصر على وشك الدخول في أزمة طاقة، فضلاً عن أن دراسة الهيئة العامة للبترول كشفت الدراسة أنه في حال إغلاق المحال التجارية والمنشآت غير الحيوية في العاشرة مساء، فإن هذا من شأنه توفير 17% من دعم الطاقة في مصر، والذي يستحوذ على 71% من إجمالي الدعم في مشروع الموازنة العامة للدولة للعام 2011- 2012م[12]، لكن القرار قوبل باستنكار كبير لأسباب اقتصادية حيث كان الحال الاقتصادي سيئًا وتخوف اتحاد الغرف التجارية من وجود اقتصاد غير رسمي فضلاً عن زيادة البطالة وتقرر تأجيله.[13]
عادت الفكرة مرةً أخرى في يوليو 2024م عندما قررت الحكومة المصرية غلق المحال التجارية في تمام العاشرة مساءً، ، ورغم معارضة القرار لأسباب منها أنه سيؤدي إلى تراجع المبيعات، خصوصًا لضعف الحركة الشرائية في النهار بسبب ارتفاع درجة الحرارة، إلا أن الحكومة واصلت تنفيذ القرار وذلك لترشيد استهلاك الكهرباء في ظل أزمة نقص الطاقة التي تواجه البلاد.[14]
[1] أسامة داود، وزير الكهرباء: أجهزة التكييف وراء فصل التيار، جريدة العربي الناصري، 11 أغسطس 2002م
[2] محرر، وزير الكهرباء يتهم مجهولاً بقطع التيار عن القاهرة، جريدة الوفد، 20 يوليو 2002م.
[3] عماد خيرة، بعد تكرار انقطاع التيار .. وزير الكهرباء يخلي مسئوليته ويلقيها على الحفر العشوائي، جريدة الوفد، 15 يوليو 2002م
[4] وزير الكهرباء: ظاهرة تخفيف أحمال الصيف الماضي لن تتكرر، مجلة المصور، 4 يوليو 2003م، ص48.
[5] محمد محمود، ما لا تعرفه عن تاريخ الكهرباء في مصر.. أرشيف ضخم ينتظر التوثيق| صور ووثائق، موقع أخبار اليوم، 4 أغسطس 2021م.
[6] قرار رقم 109 لسنة 1966م بشأن تحديد مواعيد الإغلاق الليلي، الوقائع المصرية، ع94، يوم 5 ديسمبر 1966م، ص5.
[7] طارق فودة، مليون سائح في الطريق إلى القاهرة، مجلة آخر ساعة، ع1673، يوم 16 نوفمبر 1966م، ص24.
[8] محرر، ماهر أباظة: التوقيت الصيفي ضرورة قومية، مجلة الأهرام الاقتصادي، ع16 مايو 1988م
[9] ألفت سعد، التوقيت الصيفي ترشيد للطاقة أم عناد حكومي ؟، مجلة روز اليوسف، ع3850، يوم 29 مارس 2002م، ص72.
[10] أ.ش.أ، الرئيس مبارك يستفسر عن أسباب زيادة انقطاع التيار الكهربائى، موقع اليوم السابع، 14 أغسطس 2010م.
[11] نيللي عزت، “حظر تجول تجاري” إجبار القاهرة التي لا تنام على النوم مبكرًا، موقع دويتشه فيله، 9 ديسمبر 2010م
[12] مصطفى سليمان، مصر تغلق المحال التجارية العاشرة مساء عقب العيد، موقع العربية، 11 أكتوبر 2012م.
[13] دعاء مكاوي، التنمية المحلية تؤجل العمل بقرار غلق المحال في العاشرة مساء، موقع الشروق، 31 أكتوبر 2012م
[14]محرر، تصريحات تليفزيونية لرئيس الوزراء حول مشكلة انقطاع الكهرباء، موقع رئاسة مجلس الوزراء، 25 يونيو 2024م
اقرأ أيضًا
“قبل ربع قرن” قصص حفلات رأس سنة القرن ال21 في مصر
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال