كيف يمكن للسوشيال ميديا تكرار سيناريو لعبة مؤتمر أريحا 1948م مع غزة وسيناء؟

تتشابه مقدمات انعقاد مؤتمر أريحا 1948م مع الأحداث الجارية في قطاع غزة الفلسطيني منذ يوم 7 أكتوبر وحتى وقت كتابة التقرير؛ مع اختلاف في التفاصيل والأدوات.

ولكون التاريخ الفلسطيني سياسيًا [مِلَعْبَك] ينبغي ذكر ما يخص الحاضر وربطه بالماضي مع شرحٍ مبسطٍ لتفاصيل مؤتمر أريحا 1948م وما يريد الصهاينة تكراره في سيناء.

سيناء .. رغبة من ؟

تقوم قوات الاحتلال الصهيوني بقصف قطاع غزة بعد بدء عملية طوفان الأقصى التي نفذتها فصائل المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر 2023م، وبعد يومين دعت ألسنة صهيونية سكان قطاع غزة بمغادرة بلدتهم؛ لترد مصر بتحذير من دعوة توطين الفلسطينيين في سيناء.

تحذير مصر قوبل بنفي من سفارة الكيان الصهيوني بالقاهرة وقالت أميرة أورون في بيان عبر صفحة السفارة في الفيس بوك «ليس لدى إسرائيل أي نوايا فيما يتعلق بسيناء، ولم تطلب من الفلسطينيين الانتقال إلى هناك».

منذ 9 أكتوبر وحتى وقت كتابة التقرير تقوم حسابات كثيرة في السوشيال ميديا من الشخصيات العامة وغيرها في مصر بكتابة منشورات تحذر من مسألة اللعب بورقة سيناء وأن يكون للفلسطيينين وجود في سيناء؛ لكن مشكلة هذه المنشورات على الرغم من [حُسْن نيتها] أنها لا توضح من صاحب الرغبة في جعل سكان غزة موجودين في سيناء، بل لم تذكر صراحةً أن إسرائيل تريد ذلك؛ وبعضها يلمح أن ما يحدث مجرد تمثيلية بين حركة حماس وقيادات الكيان الصهيوني لتسليم سيناء للفلسطينيين؛ والأعجب من ذلك أن تلك الحسابات أسقطت الصوت الشعبي الفلسطيني، فكل الفلسطينيين شعبيًا ورسميًا يرفضوا المبدأ.

هذه الملابسات تتشابه نسبيًا مع جرى في مؤتمر أريحا 1948م والذي قضى بأن تكون فلسطين تابعة للأردن، والسوشيال ميديا الآن على الرغم من رفضها إلا أنها بالمبالغة في الرفض وعدم ذكر الرأي الشعبي الفلسطيني تهيئ الأجواء للموضوع كما حدث في مؤتمر أريحا.

حكاية مؤتمر أريحا 1948م

في عام 1918م انتهت الحرب العالمية الأولى وكان من مما أفرزته 3 أشياء أولها ترضية الهاشميين بإعطاءهم حكم العراق وتأسيس إمارة شرق الأردن، وثانيها الاعتراف الدولي بوعد بلفور الذي جاء قبل الحرب بعام، وثالثها حق تقرير المصير للشعوب وهو الشيء الذي لم ينطبق على أي دولة محتلة في الشرق الأوسط.

مع نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945م طرأت آثارها على المنطقة، فنالت إمارة شرق الأردن استقلالها عام 1946م، وبعد سنة تم الوفاء بوعد بلفور من خلال صدور قرار تقسيم فلسطين سنة 1947م.

كانت فلسفة بريطانيا الاستعمارية تقوم على أن قرار تقسيم فلسطين لا يمكن تنفيذه إلا عن طريق ضمها لدولة مجاورة، لكن في نفس الوقت كانت لندن تريد إبقاء سيطرتها الفعلية على جزء من فلسطين حتى لا تخسر منطقة شرقي قناة السويس، فرأت أن تضم فلسطين لإمارة شرق شرق الأردن والتي كانت تتبع بريطانيا في صنع القرار العسكري والسياسي.

وهو ما صرحت به لجنة بيل سنة 1937م، لكن لجنة ودهيد التي شكلتها بريطانيا في العام التالي طورت تلك الاستراتيجية فرأت تشكيل مملكة موحدة عربية من فلسطين وشرق الأردن تحت حكم ملكي عربي يعطي لليهود حق إدارة المناطق اليهودية، وأن لا تعترض تلك المملكة على بقاء الجيش الإنجليزي في تلك الأراضي بل ويدير الإنجليز جيش المملكة الأردنية في مقابل أن يحكم عبدالله بن الحسين تلك المناطق جميعًا.(1)

بالطبع مبدأ التقسيم كان مرفوضًا من الفلسطينيين والعرب فاندلعت الحرب العربية مع العصابات الصهيونية في مايو 1948م والتي انتهت في مارس من العام الذي يليه، وأثناء اندلاع تلك الحرب المعروفة بـ نكبة فلسطين، عقد الأمير عبدالله بن الحسين مؤتمر أريحا في 1 ديسمبر 1948م.

كانت خطورة مؤتمر أريحا فيما تضمنه من قرارات وأجواء الانعقاد، فالحضور للمؤتمر لم يكونوا ممثلين عن الشعب الفلسطيني وإنما حضره 500 شخص فلسطيني يمثلوا ملاك الأراضي والتجار والمصدرين والمستوردين ووكلاء الشركات الأجنبية.

يضاف إلى ذلك أن منظم المؤتمر هو عمر باشا مطر، الحاكم العسكري الأردني لمنطقة أريحا والذي أدار المؤتمر بطريقة عسكرية لم يكن فيها نقاش بل ولما قوبل المؤتمر باعتراضات من الشباب الفلسطيني استصدر أمرًا باعتقالهم جميعًا.

خرجت القرارات الـ 7 وتم تسليمها للشيخ محمد علي الجعبري، رئيس بلدية الخليل وأحد أبرز الموالين للملك عبدالله وتم تسليمها له وبعدها بأيام قام البرلمان الأردني بتأييد القرارات.

كانت قرارات مؤتمر أريحا في 1 ديسمبر هي

1. توجيه الشكر للدول العربية على تضحياتها في الحرب وضرورة مواصلتها الجهاد لإنقاذ فلسطين
2. فلسطين لا تتجزأ وكل حل يتنافى مع ذلك لا يعتبر حلاً نهائيًا
3. لا يمكن للبلاد العربية مقاومة الأخطار التي تواجه فلسطين إلا بالوحدة القومية الشاملة، وتبدأ الوحدة بتوحيد فلسطين مع شرقي الأردن كمقدمة لوحدة عربية تامة
4. مبايعة الملك عبدالله ملكًا على فلسطين
5. وضع نظام انتخاب لممثلين شرعيين عن عرب فلسطين يتم استشارتهم
6. إرجاع اللاجئين إلى بلادهم وتعويضهم
7. إبلاغ هذه القرارات للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية

تبدو تلك القرارات عادية لكن خطورتها تكمن فيما بين السطور، ففي الأساس كانت فلسطين كانت موحدة وتتعرض إلى الاحتلال منذ سنة 1948م، باستثناء منطقتين هما الضفة الغربية والتي يسيطر عليها الجيش العراقي، وقطاع غزة الذي يسيطر عليه الجيش المصري.

أراد فولك برنادوت أن يقدم مشروعًا للحل بصفته وسيط للأمم المتحدة في فلسطين، فاقترح في 16 سبتمبر 1948م [قبل مؤتمر أريحا بـ 3 أشهر] أن تكون منطقة النقب عربية بينما منطقة الجليل إسرائيلية، فيما يتم تدويل ميناء حيفا واللد على أن يأخذ العرب ممرًا لكل منهما وتخرج منطقة اللد والرملة من سيطرة اليهود، بينما يتم وضع القدس تحت إشراف دولي، ويعود اللاجئين لمنازلهم وتعويضهم، ويتم ضم المنطقة العربية في فلسطين إلى شرق الأردن بحجة الروابط التاريخية والسياسية بينهما.(2)

ردًا على تلك المقترحات التي قدمها فولد براندوت في 16 سبتمبر 1948م، قامت العصابات الصهيونية باغتياله في اليوم التالي، أما مصر فكانت تدرك النية المبيتة لتقسيم فلسطين فدعمت مشروع تأسيس حكومة فلسطينية كاملة وشاملة يكون مقرها من غزة ويطلق عليها اسم حكومة عموم فلسطين، ولقيت تلك الحكومة اعترافًا عربيًا باستثناء الأردن والتي حاولت إقناع كل الدول العربية بعدم الاعتراف بها لكن دون جدوى.(3)

لكن بعد صدور قرارات مؤتمر أريحا في 1 ديسمبر 1948م ظهر إلى الوجود جغرافيا وسياسيًا ثنائية الضفة والقطاع، واختفى اسم فلسطين سياسيًا وهويةً.

فالضفة الغربية هي منطقة فلسطينية تقع على شرق الأردن ونجح الجيش العراقي في السيطرة عليها أثناء حرب 1948م ثم قام الجيش العراقي بتسليمها للجيش الأردني تنفيذًا لبنود الهدنة التي تم توقيعها بين الأردن والكيان الصهيوني.

إقرأ أيضا

عالم يقضي 10 أشهر في السجن بعد أن عرّفه نظام الذكاء الاصطناعي على أنه قاتل

أما قطاع غزة فهو فهل سهل ساحلي فلسطيني على يتماس مع حدود مصر ونجح الجيش المصري في السيطرة على القطاع سنة 1948م وصارت تلك المدينة تحت إدارة الحكم المصري عسكريًا وهي والقدس فلسطينية إلى أن وقعت نكسة يونيو عام 1967م.

انهارت حكومة عموم فلسطين بعد عام من مؤتمر أريحا 1949م وصارت الضفة الغربية تتبع الأردن بدءًا من 24 أبريل 1950م واضمحل اسم فلسطين شيئًا فشيئًا وكانت من مغبة ضم الضفة للأردن أن الأخيرة اكتوت بالنارين نار الصهاينة ونار المقاومة.

فصارت الأردن قاعدة لشن هجمات المقاومة على فلسطين وهدفًا للرد الصهيوني، ثم لاحقًا صارت منظمة التحرير في الأردن دولة داخل الدولة فوقعت أحداث أيلول الأسود بين الجيش الأردني والفلسطينيين سنة 1970م.

وبعد 18 سنة من أحداث أيلول الأسود تم فك الارتباط بين الضفة والأردن في يوليو 1988م.

تتطور القضية الفلسطينية في ظل الانقسام والمقاومة لتضمحل فتصير قضية لاجئين، ولاحقًا يتم حصرها في الضفة الغربية فقط؛ بينما صارت غزة بظهور حركة حماس فلسطينية خالصة، ثم حاكمةً لها، ليتفاقم الانشقاق الفلسطيني سنة 2007م باشتباكات دموية بين فتح وحماس، لتقتصر القضية الفلسطينية في معبر رفح فقط؛ وتبتغي إسرائيل إخلاء غزة من سكانها وضمهم لأي مكان أيًا كان في الأردن أو مصر، أو دفنهم في بلادهم.

لا تخافوا .. ولكن احذروا

بالتأكيد لا يمكن أن يعيد التاريخ نفسه، لكن يقينًا يكرر الإنسان أخطاءه إن كان في حالة اللاوعي، وخطورة أن تقوم السوشيال ميديا بالتحذير من توطين الغزاويين في سيناء دون إظهار أن تلك هي رغبة إسرائيل والإيماء بأن ما يحدث تمثيلية بين حماس والكيان الصهيوني، هي فرصة ذهبية لتل أبيب يتم استغلالها لعمل أجواء على خلق ذلك تمامًا كما حدث في مؤتمر أريحا، وإن نجحوا في تلك الفرصة فلربما تلجأ إسرائيل لسياسة الأرض المحروقة وتشن حربًا شاملة لتنفيذ ذلك؛ فالأوجب الآن 5 أشياء لا انفصال بينهم من السوشيال ميديا.

• الشيء الأول / التأكيد على فكرة توطين سكان غزة هي فكرة صهيونية خالصة ولا وجود لتمثيلية بين المقاومة والكيان الصهيوني لتحقيق ذلك.
• الشيء الثاني / التأكيد على أهمية اتحاد الدول العربية مع بعضها في رفض تلك الفكرة حتى لو كانوا في علاقة مع الكيان الصهيوني، وذلك حتى لا تستغل إسرائيل أطرافًا عربية للضغط على مصر، تمامًا كما حدث بعد مؤتمر أريحا.
• الشيء الثالث / عدم اختزال المقاومة الفلسطينية في حماس، وعدم حَصْر قضية فلسطين في غزة، فهذا لا يؤدي بتاتًا إلى تفاوض ولا مفاوضات.
• الشيء الرابع / عدم الترويج إلى بروباجندا أن المقاومة أخطأت في الضرب لأن في ذلك تصوير إلى أن إسرائيل مسالمة والمقاومة استفزتها وقصفها لغزة رد فعل طبيعي !!
• الشيء الخامس/ الحض على الوحدة بين القيادات السياسية الفلسطينية، إذ انقسام الفلسطينيين بين ضفة وقطاع لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمة، وبالتالي اتحادهم سيجعل لهم فرصة مهمة وإن كانت ضئيلة النجاح في شن هجمات على إسرائيل هذا لو اتحدوا، فلن يحارب أحد وحده، ولا يعني ذلك أن تقوم دولة بخوض حربٍ بالنيابة عنهم.

بدون الأشياء الخمسة فإن القضية ستتفاقم وتتفاقم، وستكون السوشيال ميديا ضالعة في التدهور الذي نشأ بمؤتمر أريحا 1948م والذي استغلت إسرائيل أجواءه لصالحها حتى الآن.

(1)  عصام سخنيني، ضم فلسطين الوسطى إلى شرقي الأردن (1948م – 1950م) مجلة شؤون فلسطينية، عدد 40، ديسمبر 1974م، ص56.
(2)  شفيق الرشيدات، فلسطين تاريخًا وعبرةً ومصيرًا، ط/1، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1991م، ص227.
(3)  أديب صالح عبد أللهيبي، حكوم عموم فلسطين .. دراسة في ظروف النشأة وآلية الانهيار، مجلة سر من رأى (جامعة سامراء)، المجلد 8، عدد 29، مارس 2012م، ص ص45-55.