لن تسمع عنهم كثيرًا .. المطربة سالي وحكاية بنت أول ألبوم نسوي مصري.
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
على الطرف الاّخر من نهر موسيقى التسعينات كانت تسري حياة أخرى مختلفة، ألبومات وتجارب فنية ظهرت في غفلة من الجمهور، الذي في الغالب كان يتعاطى مع ما يقدم له، تلك التجارب ظلت حبيسة الظل لم يسمع بها أحد إلا قلة قليلة قررت أن تغامر بعبور النهر لترى ما يحدث هناك لعلها تجد ملمح فني مختلف يكسر رتابة الأغنية التجارية المكررة المحبوسة في إطار ثابت لا يتغير.
تميزت تلك التجارب باستقلالها عن الاتجاه الموسيقي العام، خاضت تلك المغامرة الفنية وهي تدرك أنها تحارب كي تجد مساحة لها وسط هذا التيار الأقوى في سوق الإنتاج الموسيقي الذي يتحكم في أغلب المعروض.
على عكس تفكير أغلب المنتجين قرر المنتج والموسيقار “عمرو محمود” المغامرة بتبني العديد من التجارب في بداية التسعينات، حيث أسس شركة “ديجيتك” للإنتاج الموسيقي، ملحق بها استوديوهات تسجيل على أحدث تقنية متطورة، ومد يده لبعض التجارب التي لم تجد لها متنفس داخل شركات الإنتاج الأخرى، وبدأ مغامرته الإنتاجية في عام 1992 بألبوم المطربة “سالي” حكاية بنت الذي يعتبر باكورة إنتاج الشركة.
هذا الألبوم يعتبر عمل ثوري موسيقي بامتياز، وأول مشروع غنائي نسائي حقيقي، يتحدث بشكل مباشر عن هموم البنت المصرية والعربية، في لحظة كان المناخ السياسي والاجتماعي في حالة تكلس شديد، ولم يكن المجتمع قد أولي اهتمامه بقضايا المرأة أو طرحها للمناقشة.
يأخذنا الألبوم في رحلة عبر أغنياته السبع التي جاءت كمشاهد متدرجة في حياة بنت مصرية أو بالأحرى شرقية منذ الصغر و حتى الزواج، تحدثت عن أحلامها وطموحها وتمردها على التقاليد التي فرضها المجتمع الذي يسيطر عليه الذكور ومحاولة انتزاع حقوقها كعنصر فعال فيه لا يجب تهميشه وإنكار وجوده.
أقرأ أيضًا … تاريخ من الغناء الملزق
كتب الألبوم الشاعر “أحمد عفيفي” وهو أسم لن تجده في الألبومات التجارية مطلقًا، وضم سبع أغنيات كانت بمثابة سبع حالات من التمرد والثورية والاعتراض، في أغنية “كان عندي ست سنين” عبرت عن صدمة طفلة لم تفهم رحيل ابن الجيران صديق الطفولة التي كانت تلهو وتلعب معه، وفي أغنية “سيداتي أنساتي سادتي” هاجمت المجتمع الذي يعارض امتهان البنت لأي فن من الفنون، وعن المرأة المقهورة التي لا تملك سوي تبني الفكر الذكوري الذي يضع قيودًا على عمل البنت خوفًا من تقاليد فرضها المجتمع، ثم دافعت عن وجودها في المجتمع وعن حقها في الاعتراض على تهميشها وحبسها في البيت في أغنية “أنا بعترض” وفي أغنية “زوجي العزيز” تحدثت عن فتور العلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة بعد الزواج.
وضع موسيقى الألبوم “ألحانًا وتوزيعًا” الموسيقار “فتحي سلامة” الاسم الكبير الذي شارك في بناء المجد الفني لنجوم كثيرين.
في هذا الألبوم امتلك سلامة مساحة واسعة من الحرية والتجريب وقرر أن يصنع ألبومًا تتمرد موسيقاه على القوالب الجاهزة، وأن يحلق خارج سرب موسيقى تلك الفترة، وأن يبرز أهمية مشروعه الموسيقي المختلف الذي يعتمد على دمج موسيقانا الشرقية مع أشكال موسيقية غربية مثلا الجاز و الروك والبلوز، معتمدًا في التنفيذ على الآلات موسيقية حية، وأختار ألحانا ناسبت طبيعة صوت سالي البسيط، ولا يمكن إنكار جهود المنتج “عمرو محمود” الذي انتصر للفكرة كموسيقي أكثر منه كمنتج، و ساهم بلحن “زوجي العزيز” والذي يعتبر أول أغنية راب لمطربة مصرية، واستعان بمطرب الراب “عمرو شمس” أحد نجوم الإعلانات التجارية وقتها، بالإضافة إلي تأليف موسيقى “يوم في القاهرة”.
الألبوم كان حالة فنية مختلفة عن ألبومات تلك الفترة، في مغامرة كبيرة وجريئة من صُناعه، كسرت الشكل التقليدي في غناء المرأة واقتربت من مواضيع كانت ومازالت تابوه مجتمعي لا يجوز الاقتراب منه، في وقت كان المشهد الغنائي النسائي حبيس المواضيع العاطفية فقط.
المدهش في الأمر أن ألبوم سالي حكاية بنت جاء كصرخة أنثوية ضد القيود الأسرية، إلا أن المنتج “عمرو محمود” عانى من تلك القيود لاحقًا بإصرار عائلته على غلق شركة الإنتاج والتفرغ لإدارة أعمال والده التجارية وخسرت الأغنية المصرية منتجًا وموسيقيًا مهمًا كان من الممكن أن يقود ثورة موسيقية جديدة.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال