لن تسمع عنهم كثيرًا .. فرقة يحيي غنام الإرهاصة المبكرة لفرق الأندرجراوند
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
يمكن الزعم أنه بحل فرقة الأصدقاء وتفكك فرقة المصريين انتهى العصر الذهبي للفرق الغنائية في الثمانينات، وقل الحماس للتجارب الجماعية مع تنامي صعود تيار الأغنية الشبابية وسيطرة المطرب الفرد على سوق الغناء، تقلصت عدد الفرق على الساحة ولم ينشط في تلك الفترة سوى فرقتان “الحب والسلام” قاصرة تواجدها على الحفلات فقط، وفرقة يحيي غنام والتي أصدرت ألبوم “تراحيل” الذي يمكن اعتباره إرهاصة مبكرة لما سيعرف لاحقًا بفرق الأندرجراوند.
بدأ يحيي غنام رحلته الموسيقية في تريو موسيقي ضم يحيي خليل درامز وأشرف محروس كي بورد، لكن عانت الفرقة من التفكك أيضًا، وانطلق كل فرد ليصنع تجربته الخاصة فأعاد خليل تكوين فرقته بأسماء جديدة، وارتحل محروس لسوق الأغنية موزعًا ومنفذًا موسيقيا، أما غنام فوضع بعض الألحان والتوزيعات لبعض المطربين، لكن ظلت شهرته الأهم كواحد من أمهر عازفي آلة الباص جيتار في مصر، ثم بدأ في تكوين فرقة عرفت باسمه “فرقة يحيي غنام” والتي حققت بعض النجاح والانتشار من خلال حفلاتها المتعددة في الأوبرا و ساقية الصاوي، ويمكن اعتبارها من الروافد المهمة للموسيقى المصرية البديلة بمزيج موسيقي يمتاز بالتنوع والتجديد.
أصدرت الفرقة ألبومًا وحيدًا بعنوان” تراحيل” الذي يعتبر واحد من أهم حركات التمرد الموسيقية في تلك الفترة، بأفكار غير تقليدية على مستوى الموضوعات ابتعدت تيار الغناء الاستهلاكي الذي كان يسود تلك الفترة،كتب أغنيات الألبوم بالكامل الشاعر “مجدي كامل” والذي لم يجد متسعًا كبيرًا في سوق الأغنية التجارية التي لم تدرك قيمته الفنية، وظلت أفكاره حبيسة شركات الإعلانات التي كانت متنفسًا بديلًا و مصدر الرزق الوحيد له ولبعض الشعراء التي لفظهم سوق الأغنية التجارية.
أقرأ أيضًا … سلسلة الفرق الغنائية في مصر محمد نوح وفرقة النهار
للألبوم نسختان الأولي أصدرت في أواخر الثمانينات من انتاج شركة صوت الحب، والثانية مع بداية التسعينات من انتاج شركة “روكي” وفيها تم استبعاد أغنية “علمني يا خال” لتحل محلها أغنية “بكرة نروح” التي حققت نجاحًا كبيرًا في حفلات الفرقة فتم ضمها للنسخة الجديدة وهي من تأليف “هنزادة فكري”.
تظل أغنية “مريم” هي أشهر أغنيات الفرقة في وقت كان تناول القضية الفلسطينية موضوعًا ثابتًا في بعض التجارب الفنية، وظلت واحدة من أصدق من كتب للقضية الفلسطينية ولعذاب اللاجئ الفلسطيني في المخيمات، بالإضافة إلي أغنية “تراحيل” والتي تناولت هموم العمالة اليومية المؤقتة وبحثها عن قوت يكفي يومها بالكاد.
لم يتبنى الألبوم خطًا واحدًا في الأفكار، بل كان خليطًا مدهشًا تناول العديد من القضايا بعضها إنساني كما في “تراحيل” أو إجتماعي يعلي من قيمة العمل في “تيجي” أو الحنين للبيت والعائلة في “بكرة نروح” أو دمج ما بين الوطن والحبيبة في “مستمر” و”إن لم أحبك أنا” أو تناول بعض القضايا السياسية في “مريم”، حتى التناول العاطفي كان مختلفًا في أغنية “قلبك سد” وأهدى يحيي غنام أغنية “أحمد يا حمادة ” لابنه.
تلك الأفكار المتمردة صيغت في عدة قوالب شعرية مختلفة، من شعر تفعيلة ودمج ما بين الفصحى والعامية، واعتمد غنام الذي لحن ووزع الألبوم بالكامل على تسجيل حي للآلات الموسيقية مع إعطاء حرية للعازفين في صولوهات منفردة وخص نفسه بعدة صولوهات لآلة الباص جيتار تعتبر درسًا مهمًا لعازفي تلك الاّلة وظهر ذلك جليًا في مقدمة أغنية “تراحيل” والتي كنا نرى فيها آلة الباص جيتار تلعب صولو منفردًا بجمل لحنية غير إيقاعية بالمرة.
أظهر غنام براعة في التأليف الموسيقي حيث ضم الألبوم مقطوعتان من تأليفه، الأولي هي “باص مورسو” والتي كانت يختم بها حفلاته، والثانية “كان يفتتح بها واشتهرت أكثر بعد أن تم الاستعانة بها كتتر لبرنامجي “سينما في سينما” و”حدث بالفعل”.
“أنا عندي شيزوفرينيا، شئ اكتشفته في نفسي لأول مرة، كيف أستطيع تلحين هذه النوعيات الغريبة والمختلفة من الأغاني” تلك كانت كلمات غنام في إحدى حفلاته على مسرح دار الأوبرا، ويبدو ذلك متسقًا مع تعدد الأشكال الموسيقية التي قدمها غنام في تلك التجربة، وعانت الفرقة من رحيل المنتج “أنور عبد الوهاب” التي كانت شركته أحد معاقل أنتاج الفن الجيد والبديل في مصرولم تجد منتج مجازف يملك نفس الشغف لتقديم موسيقي جديدة وجيدة في نفس الوقت.
للفرقة ألبومًا وحيدًا وعشرات الأغنيات الأخرى التي ظلت حبيسة الحفلات، لكن مع انتشار المنصات الإلكترونية لتحميل الموسيقي ستجد بعضها على “يوتيوب” و”ساوند كلاود” وهي للأسف من تسجيل ورفع بعض محبي الفرقة، لكن يبدو أن الشيزوفرينيا انتقلت من موسيقى يحيي غنام إلي يحيي غنام نفسه، في ظل تشتت ذهنه ما بين ظهوره كعازف رئيسي في فرقة “عمرو دياب” واسفارها الكثيرة، أو مذيع في برنامج فلم تستمر الفرقة وأن ظلت حاضرة في ذهن جمهورها كثيرًا التي تعتبر أحد ملهمي فرق الأندرجراوند التي ستظهر فيما بعد.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال