لوحة باهتة “أنغام” .. الكبار لا يخشون المغامرة.
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
تسود نغمة في سوق الغناء المصري الحالي، هي أن نجاح الأغنية مرتبط بعوامل فنية محددة أهمها الكلمات البسيطة الغير عميقة واللحن الخفيف ذو التقطيعات الخاطفة مع قالب موسيقي سريع يعتمد في الغالب على إيقاع المقسوم، والأهم من كل ذلك هو قدرة المنتج على تمويل المشاهدات التي ستضع الأغنية في الواجهة كتريند ليلتقطها الجمهور سريعًا وينساها بشكل أسرع.
تلك النغمة البغيضة جدًا أثرت كثيرًا على اختيارات أغلب نجوم الوسط الغنائي حتى صارت كل الأغاني نسخ مكررة من بعضها، الكل يخشى التجديد والمغامرة مهما بلغت نجوميته ومها كان خلفه جمهور ضخم يتعاطى مع أي شئ يقدمه، والجمهور نفسه تغيرت طبيعته فلم يعد يلعب دوره الحقيقي في تقييم ونقد المعروف بل في الغالب يسير خلف الشائع والمنتشر ، والغريب عندما يأتي ذكر أن هناك أزمة في صناعة الأغنية يتحدث الجميع دون استثناء ودون إدراك أنهم متورطون فيما يحدث من تدني شديد على مستوى على مستوى الكلمات الهابطة المعتمدة على الإفيهات والألحان المستهلكة.
تلك القاعدة تكسرت فعليًا أمام اغنية أنغام الجديدة “لوحة باهتة” والتي خالفت منطق سوق الغناء من حيث الفكرة الجيدة التي عبر عنها بعمق شديد الشاعر “نادر عبد الله” مع لحن تعبيري جيد من الملحن والمطرب “تامر عاشور” وتوزيع سلس وبسيط من المخضرم “طارق مدكور”
عن أغنية أيهاب توفيق الجديدة “باشا” والثقب الأسود الذي ابتلع جيل الأغنية الشبابية
الكلمات:
على عكس المتوقع استخدم الشاعر “نادر عبد الله” قالب القصيدة في صب أغلب كلمات الأغنية، حيث حافظ على وحدة القافية نهاية كل بيت مكون من شطرين ما عدا المقطع الثاني الذي يبدأ بـ “زي طفلين وقت لما بيغلطوا” الذي صبه في قالب تقليدي وختمه بنفس القافية الرئيسية للأغنية.
فكرة الأغنية بسيطة جدًا تجسد حالة التوهة والضياع بعد علاقة عاطفية انتهت، عبر عنها “نادر عبد الله” بعدة صور شعرية جديدة لم نراها منذ فترة كبير في أغنية مصرية.
تداعي الصور الشعرية التي كتبها “نادر عبد الله” كانت متسقة مع الفكرة الأساسية للأغنية و مفردات صعبة جدًا وجديدة تماما.
“زي لوحة باهتة لونها مايترسمش .. زي سطر في صفحة متشخبط عليه .. مهما تقرا فيه تلاقيه ما يبتفهمش .. زي طرفين مقطوعين ما بنتلضمش”
أفضل مقطع في الأغنية هو “كنت عمري ياللي مقصود بالكلام .. كنت ضهري ونفسي ضهري ما يتقطمش … هو بالليل ينفع أن العين تنام .. إلا لو يحضنها ويغطيها رمش” الذي لخص الحدوتة بشكل رائع وكان اختيارًا ذكيًا كي يكون السينو أو المرجع الأساسي للأغنية رغم أن صياغة المقطع الثاني كانت توحي بأنه السينيو الرئيسي.
يظل نادر عبد الله أفضل شعراء جيله والذي دائمًا ما يخرج بأفكار جديدة مختلفة من المضامين العاطفية.
اللحن:
رغم صعوبة بعض المفردات وطول الشطرات نسبيًا بالإضافة إلي القالب الشعري المختلف، إلا أن الملحن “تامر عاشور” تعامل مع كل هذا بحرفية شديدة.
اللحن على مقام “الكرد” مكون من ثلاثة أفكار لحنية متتالية ببناء محكم جدًا، كل فكرة لها بداية ونهاية بتماسك شديد و قفلات رائعة جدًا، هذا التنوع في الأفكار جعلنا نغوص في الحالة ونركز مع الكلمات، جمل اللحن أغلبها تعبيرية تماهت مع الصور الشعرية المتتالية، لكن تظل جملة لحن السينيو التي تبدأ من “كنت عمري ياللي مقصود بالكلام” أقوى فكرة فيهم وكانت ختامًا جيدًا لهذا البناء اللحني المتماسك جدًا.
التوزيع:
توزيع المخضرم طارق مدكور سهل ممتنع، صب اللحن في قالب الــ Latin Pop مع إيقاع قوي جدًا يصاحبه بركشن ملعوب لايف، وصنع بداية لهذا اللحن بجملة من البيانو مستنسخة من روح أول فكرة لحنية يتجاور معها وتريات “كريم فودة” وكانت تمهيدا لتسليم الغناء بسلاسة شديدة.
يصاحب غناء أنغام كوردات من الكيبورد والجيتار الاليكتريك وجمل وتريات هلامية منطلقة، اختيار الإيقاع كان جيد يناسب فكرة حكي الجملة اللحنية، جملة الفاصل هي نفس جملة البداية من البيانو الذي يعيدها مرة أخرى بمصاحبة الوتريات.
كلمات الأغنية الجيدة جدًا كان لابد من بروزتها موسيقيًا حيث تم التركيز على جزء “كنت عمري ياللي مقصود بالكلام” الذي تم إعادته أكثر من مرة في آخر الأغنية حتى يتلاشى صوت أنغام في القفلة وكأنه الرسالة التي تلخص فكرة الأغنية.
ينطلق صوت أنغام باحساس عالي جدًا تغني بسهولة شديدة وكأنها بالبلدي “سايبة ايديها” لم تحاول الاستعراض أو إضافة عُرب لحنية لكن عبرت بشكل رائع عن الكلمات القوية جدًا.
“لوحة باهتة” مغامرة جديدة من أنغام تثبت فيها أن أزمة الأغنية المصرية تكمن في عقول مطربيها واختياراتهم التي تخشى المغامرة، أغنية لن تجدها تريندًا لمدة يوم أو يومين ثم ينساها الجمهور بمجرد ظهور أخرى بل أغنية صنعت لتدخل تاريخ أنغام الغنائي وتظل في ذاكرة الجمهور للأبد، وترسل رسالة ملخصها أن الكبار لا يخشون المغامرة.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال