لو خايف ! تبقى المقالة دي ليك
-
عمرو عاشور
روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...
كاتب نجم جديد
يتشارك الإنسان مع الكائنات في احساسه بالخوف. غير أن خوفه بالضرورة يختلف عنهم، ربما لذلك ينتشر بين البشر في يومنا هذا العديد من الأمراض الناتجة عن الخوف ومنها القلق والتوتر بالإضافة إلى الأمراض النفسية كالإكتئاب، وقد يدفع الخوف بصاحبه إلى الانتحار أحيانًا، لذا كان علينا أن نبحث لمعرفة ماهية الخوف وكيفية التعامل معه..
من أين يأتي الخوف؟
في البداية علينا أولاً بتعريف ماهية الخوف… وهو الشعور الناجم عن الخطر أو التهديد المتصور، ويحدث في أنواع معينة من الكائنات الحية، ويقوم بدوره بالتسبب في تغير في وظائفه الحيوية ويفضي إلى تغيير في السلوك، مثل الهروب، الاختباء، أو التجمد تجاه الأحداث المؤلمة التي يتصورها الفرد، وقد يحدث الخوف في البشر ردًا على تحفيز معين يحدث في الوقت الحاضر، أو تحسبًا كتوقع وجود تهديد محتمل في المستقبل كوجود خطر على الجسم يهدد الحياة.
وتنشأ استجابة الخوف من تصور لوجود خطر ما يهدد الحياة
ترتبط العديد من التغييرات الفسيولوجية في الجسم باستجابة الخوف، نلخصها في استجابة القتال أو الطيران، وهي استجابة فطرية لمواجهة الخطر، وتعمل من خلال تسريع معدل التنفس، ومعدل ضربات القلب، انقباض الأوعية الدموية يؤدي إلى احمرار وتوسع الأوعية المركزية، وزيادة توتر العضلات بما فيها عضلات المتعلقة بالبصيلات الشعرية وتسبب “القشعريرة”، والتعرق، وزيادة نسبة السكر في الدم (ارتفاع سكر الدم)، وزيادة الكالسيوم في الدم، وزيادة في خلايا الدم البيضاء، وحالة التأهب التي تؤدي إلى اضطراب النوم ومغص البطن، هذه الآلية البدائية قد تساعد الكائن الحي في البقاء على قيد الحياة إما بالهرب أو محاربة الخطر هكذا يدرك العقل الواعي عاطفة الخوف.
وما هي أنواعه؟
في البشر والحيوانات، يتم تعديل الخوف من خلال عملية الإدراك والتعلم، وبالتالي فيمكن الحكم على الخوف بأنه خوف عقلاني (منطقي) أو الخوف المناسب، وهناك أيضًا الخوف غير العقلاني (غير منطقي) أو غير المناسب. ويسمى الخوف غير العقلاني بالرهاب.
اقترح علماء النفس أن هناك مجموعة صغيرة من العواطف الأساسية، وأن الخوف أحد هذه العواطف. وتشمل هذه المجموعة المفترضة مشاعر أخرى مثل الغضب، القلق، الخوف، الرعب، الفرح، الذعر، والحزن.
يرتبط الخوف ارتباطًا وثيقًا بالتوتر، ولكن ينبغي أن نفرق بين الخوف والتوتر الذي يحدث نتيجة التهديدات التي ينظر إليها على أنها لا يمكن السيطرة عليها أو لا يمكن تجنبها.
وتخدم استجابة الخوف غريزة البقاء على قيد الحياة عن طريق توليد الاستجابات السلوكية المناسبة، ومن وجهة نظر علم النفس التطوري، فقد تكون المخاوف المختلفة هي تكيفات مختلفة كانت مفيدة في ماضينا التطوري، وأنها قد وضعت خلال فترات زمنية مختلفة. وبعض المخاوف مثل الخوف من المرتفعات، قد تكون مشتركة بين كل الثدييات وتطورت خلال الحقبة الوسطى. كما أن المخاوف الأخرى، مثل الخوف من الثعابين ومخاوف أخرى، مثل الخوف من الفئران والحشرات..
هل للخوف جوانب أخرى؟
بالفعل للخوف عدة جوانب، ومنها:
الفسيولوجي: وهو يحدث حين يتعرض الإنسان إلى خطر حقيقي ومباشر كهجوم كلب شرس مثلاً… هنا يعطي المخ إشارة لتبدأ العملية الفسيولوجية التي سبق شرحها في السؤال الأول فتدفع الإنسان – بطريقة لا إرادية- إلى الهجوم أو الدفاع وربما الهروب، وهو ما يُعرف بردة الفعل التلقائية.
ردة الفعل هذه بإمكانها أن تنقذه لذلك فإن مادة الإدرنالين تُسمي أيضًا بهرمون النجدة. ولكن، أحيانًا تكون ردة الفعل الخاطئة سببًا لإيقاع الإنسان في مخاطر أكبر، ولنعود للمثال السابق الخاص بهجوم كلب شرس، هنا ستكون ردة فعلك صادرة عن خبرتك الشخصية، فالشخص الذي يدرك صفات الكلب جيدًا يعرف بالضرورة أن استسلامه للخوف سيمكن الكلب وسيجبره على الفتك به، وعليه أن يقاوم إحساسه بالخوف حتى لا يشم هذا الكائن المفترس خوفه، وهو ما يُسمي بـ (الثبات الإنفعالي) وهي عملية مضادة للخوف ترمي بالتفكير في المنطقة الصحيحة لإتخاذ القرار السليم في زمن قد لا يتجاوز لحظة واحدة، ولكنه يحدد قدرة الإنسان في تعامله المباشر مع الخطر المحدق به.
الجانب العقلي: يمكن أن نقسمه أيضًا إلى عنصرين… الأول حقيقي والثاني وهمي.
الخوف الحقيقي: وفيه لا يكون الإنسان متعرضًا لخطر مباشر وإنما يستشعر خطر قادم، فالطالب مثلاً الذي يشعر بالخوف من الإمتحان القادم لديه أسباب حقيقية لخوفه ومنها الرسوب وما يُنتج عن ذلك من فشل، وهنا سيدفعه خوفه إلى أمرين… إما أن يترك نفسه فريسة الخوف فيصاب بالتوتر والقلق وإما للمذاكرة والعمل، وهو ما يجرنا إلى الجانب الضار والمفيد من الخوف، فالخوف غريزة رئيسية، والدافع الأول التي يتحكم في تصرفتنا ويشكل مصائرنا.
الخوف الوهمي: وفيه يستدعي الإنسان ما يشعره بالخوف من أشياء لم تحدث أو لن تحدث نتيجة لقلقه الزائد وتعزيز الخيال له. فالأم التي سافر ابنها وتغييب تقلق عليه وقد يدفعها هذا القلق إلى تخيل كوارث كبرى يمر بها الابن، هنا ينطلق القلق نحو أسباب تشغل الأم ويبث فيها الخيال فيجعل منه وكأنه واقع مرتقب وقادم بلا محالة، في الأصل مخاوفها لم تحدث ولكن القلق نسج من الخيال ما يستوجب الخوف وربما الرعب لذلك تقول معظم الأمهات: “أنا مرعوبة على ابني”. هناك نماذج أخرى ترتبط بهذا الجانب فمثلاً الشاب الذي يرفض الارتباط خوفًا من المسئولية أو ظنه بأن الفشل سيكون حليفه.
هناك نوع ثاني من الخوف الوهمي وهي الرهبة من الأشياء التي لن تحدث أبداً، كأن يخشي إنسان عاقل من العفريت أو الجن، وهي صفة شائعة بالمناسبة، ونجد لها نظير في الغرب كالذي يخاف من الكائنات الفضائية، هنا لا أسباب منطقية للخوف، هو يعتمد على الخيال الصرف وأيضًا موروثه الثقافي، فالذي جاور الترعة يخاف من جِنة البحر، ومن سكن في قلب الزرع مرعوب من النداهة وهكذا… الأمر ارتبط في مخيلته بحكايات حولها لواقع وصدقها وآمن بها لدرجة تجسيدها الوهمي لها والخوف منها. ولك أن تختبر ذلك بنفسك وأسأل شخص ما عن ردة فعله إذا وجد خاتم سليمان أو مصباح علاء الدين ستجده مبتهجًا جدًا لأن الجن هذه المرة سيحقق أمنياته ولن يفتك به!
كيف نتعامل مع مخاوفنا؟
حقق العلاج السلوكي المعرفي نجاحًا باهرًا في مساعدة الناس التغلب على الخوف المرضي.
تجربة الخوف أكثر تعقيدًا من مجرد نسيان أو حذف الذكريات، أو مجرد مواجهة الناس مرارًا لمخاوفهم. يتم ذلك من خلال مواجهة مخاوفهم بطريقة آمنة وتدريجية يمكن للشخص فيها أن يقلل من حدة استجابته للمحفزات التي تثير الخوف، وتعرف هذه الطريقة باسم ” العلاج التعرض “، وهذا العلاج يمكن أن يساعد في العلاج بنسبة تصل إلى 90٪ من الأشخاص المصابون بنوع محدد من الرهاب
أولا علينا أن نحددها.. في الأصل الخوف ينذر بمشكلة متوقعة، لذا سنتعامل معها كما يتعامل العلم الحديث مع المشاكل… ولنبدأ بتحديد المشكلة: إذا كان الخوف من الخطر المباشر مثلاً… هنا علينا أن نثق في غريزيتنا، أنت بالتأكيد تذكر المثل القائل “اللي اختشوا ماتوا” وربما تكون على علم بقصة الحمام الذي احترق فاسقط النساء في حيرة بين الخروج عرايا أم مواجهة النار، كلا الفريقين تحرك بدافع الخوف، ولكن الأول استجاب لغريزته التي تجبره على الفرار من الحرق بينما الآخر كان خوفه نابع من نظرة المجتمع رغم إنه لا حرج عليهن ولا عتاب ولذلك أصبحن مثال وعبرة. الخوف غريزة والغرائز تعمل على حمايتنا فيجب أن نستجيب لها.
ماذا عن المخاوف العقلية؟
أما إذا كانت المخاوف عقلية فـ علينا أن نعود إلى التقسيم القديم: حقيقي، وهمي..
فـالخوف الحقيقي الذي يجب أن ينتاب الطالب عدم الخوف من ليلة الإمتحان، الإحساس بالخوف هنا بمثابة المنبه الذي ييقظه من غفوته ويجبره على المذاكرة حيث لا طُرق أخرى.. تلك هي وظيفة الخوف تمامًا، أن تكون دافعًا للنجاح، حيث تقوم بدورها الفعال الذي يجب أن يستمر ويُستثمر، وهو ما يُسمي بالخوف الصحي، لعلنا نندهش حين نسمع من عظماء في شتي المجالات أنهم يعانون من الخوف الدائم ورعبهم من الفشل، لذلك حولوا خوفهم إلى طاقة جبارة تعمل على الحفاظ بمكانتهم على القمة.
وهو بعكس ما يحدص مع الأم التي سافر ابنها كنموذج للخوف من خطر لم يحدث… هي حين تفكر في ابنها الغائب ينطلق تفكيرها ناحية القلق، فالشخص الذي يترقب هذا النوع من الخطر لديه مقدرة عالية على التخييل وربط الأحداث للوصول للخطر، تلك العملية يقوم بها الخائف بلا وعي منه، تحدث تغيرات فسيولوجية مع نظرة تشاؤمية وتوقع السوء فيحدث شلل مؤقت أو نوبة هلع.
ولكن، ماذا لو أنها صارت في طريقها الصحيح؟ أفكر في ابني فابتسم، تحول الإدرنالين إلى عنصر للبهجة، وأتخيل بأنه بخير، وابني صورًا متفائلة، أعتقد أننا هنا قد نصل إلى أحلام اليقظة، وهو ما أسعي إليه تمامًا، أن تتحول مخاوفكم إلى أحلام يقظة، وهي العملية المقابلة والصحية لقهر هذا النوع، المرضي وغير الفعال، لنحوله إلى صحي أيضًا وفعال.
ثم دعنا نتخذ الإنسان الذي يخاف من العفريت كمثال آخر للخوف من الأشياء التي لن تحدث… هنا يعتمد الخوف على الخيال الصافي النابع من تجسيد الحكايات كما ذكرنا من قبل. غير أن يمكن تحويله إلى متعة حقيقية إن أخذناه من مصادره الرئيسية وهي الفنون، الفنون في الأساس تداعب منطقة الخيال عند الإنسان، والشخص الذي يتخيل أنه سيرى عفريتًا بالطبع لديه مخيلة واسعة تحتاج لمن يغذيها لذلك أنصحه بقراءة الروايات فهي محفز قوى للخيال حيث ستصبح الكلمات صور وحوار، والسينما أيضًا استفادت من هؤلاء فانتجت لهم الأفلام الرعب التي تحقق أعلى الإيرداد، هنا يستدعي الإنسان حالة الخوف بإرادته… فـ لماذا؟ لارتفاع نسبة الأدرينالين بالجسد كعامل إثارة، بالضبط كمن يذهب للملاهي، المخ يعطي إشارات بأن هذا الجسد يتعرض للخطر فيندفع إلادرنالين في الجسد، ولكن، ولأننا في وعينا ندرك أنه ليس خطرًا حقيقيًا وإنما وسيلة للتسلية والمتعة وأن الكائنات المرعبة بالشاشة خدع سينمائية ليس أكثر ولن تخرج منها لتأكلونا! لن يأكلنا غير الخوف الوهمي بعقولنا.
الكاتب
-
عمرو عاشور
روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...
كاتب نجم جديد