ماذا تعرف عن الأب الروحي لروايات الجيب في مصر والوطن العربي؟
-
مريم المرشدي
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
يُعرف جيل الثمنينات بجيل روايات الجيب، وربما انتشرت روايات الجيب في جيلنا بفضل الخالد أحمد خالد توفيق رحمه الله وكذلك د. نبيل فاروق، في سلاسلهما التي كنا نتابعها باستمرار وننتظرها بشغف ونقرأها بنهم، ولكن هل تعلم عزيزي الثمنيناتي من هو أول من أسس تلك الروايات والتي أُطلق عليها روايات الجيب ؟
دعني أقص عليك القصة من بدياتها، ولكنني أستسمحك أولًا بأن تعزمني على شوب من الكاركديه المثلج الذي ينزل علي الروح ليبردها في هذا القيظ.
عمر عبد العزيز أمين، الذي قرأت عنه في كتاب 75 نجمًا في بلاط صاحبة الجلالة لفتحي رزق، من مواليد 1908 ولد بقرية صفط العنب مركز كوم حماده بالبحيرة، أتم دراسته الإبتدائية، وعمل بمصلحة البريد، وبعدها أتم دراسته بمدرسة الفنون وأتقن اللغة الإنجليزية، وتدرج في وظيفته حتى وصل لمنصب مدير عام.
أسس هذا العبقري سلسلة روايات الجيب، والتي استمرت في الإصدار أسبوعيًا وزاد توزيعها، إذ صدرت بعض أعدادها مرتين في الأسبوع، وهو أيضًا صاحب سلسلة مجلات “مسامرات الجيب” التي صدرت عام 1945، وكان يكتب فيها كبار كتاب القرن العشرين مثل طه حسين والعقاد والمازني ويوسف السباعي ولطفي الخولي وعبد المنعم الصاوي وإبراهيم الورداني ود.محمد مندور.
وأصدر المجلة السينمائية “الأستوديو” والتي اعتبرت من أهم مجلات الفن في مصر ما بين عامي 1947 و1951، وضمت أقلامًا عظيمة مثل حسن الأمام وصلاح منتصر ويوسف السباعي، كما أصدر مجلة “إضحك” للزجالين والرسامين.
كذلك فقد نشر أعمالاً مترجمة لكبار أدباء العالم مثل ليو تولستوي، وشكسبير، وفيكتور هوجو، وديستوفسكي، والكسندر دوماس الأب والابن، وفلوبير، وترجم العديد من قصص الأدب العالمي وأشهر الروايات البوليسية في ترجمات شعبية رخيصة الثمن، وكان يقوم بالترجمة العديد من المترجمين بجانب عمر عبد العزيز أمين مثل عباس حافظ، وصادق راشد، ومحمود مسعود، وإسماعيل كامل، ومحمود ذهني، ونقلت ترجماتهم لدي دور النشر الشعبية في خارج مصر، وتحولت بعضها إلى أعمال سينمائية دون ذكر المصدر.
هل لي بكوبك من الكاركديه لو سمحت ؟؟ أعرف كم أنت كريم جواد، و لن تبخل علي أبدًا به…
الآن تريدني أن أستكمل الحكاية ؟؟ حاضر…
المهم أن المخرجين السينمائيين أخذوا العديد من ترجمات سلسلة روايات الجيب وتم إنتاج العديد من الأفلام المأخوذة عنها، ولكن للأسف دون أدنى إشارة لمن قام بالترجمة، فقد كانوا يشيرون للرواية الأصلية فقط.
هات هذا الكوز ها هنا ودعني أصب لنفسي إحيات أبوك الغالي، كلا إنها ليست رشوة يا صديقي، فلو أردت أن أرتشي لطلبت بطة أو كفتة، ولكن هذا الكاركديه لذيذ حقا، تسلم إيدك والله، فقط لا تخبر رئيس التحرير أنني قد شربت الكوز كله حتى لا يغضب مني..
نكمل ؟؟؟ ماشي…
بعد أن كانت اصدارت عمر عبد العزيز أمين والتي كانت نبراسًا لأجيال متلاحقة ولمدة 50 عامًا متصدرة المشهد الثقافي في مصر والوطن العربي، وأثرت في المكتبة المصرية بالآلاف من القصص والروايات العالمية المترجمة، تم إغلاقها جميعًا بعد أن تعرض الرجل لسلسلة من الأزمات المادية، فقد بدأت أولًا بإغلاق مجلة مسامرات الجيب عام 1953 وانتهت بإغلاق سلسلة روايات الجيب في يونيو 1986، وسرعان ما لحق عمر عبد العزيز أمين بإصداراته، حيث توفى في 15 ديسمبر 1986.
أراك حزينًا مكتئبًا….
إليك آخر بوء في كوز الكاركديه يا عزيزي، إشربه ربما تنسى تلك المأساة أو تتناساها، ولكننا لن ننسى أبدًا فضل هذا الرجل الذي ربما لم يسمع به أحد منا، ويجهله الكثيرون، ولكنه أثرى الحياة الثقافية، وكان ملء الأسماع والأبصار في مصر والعالم العربي يوما، بأعماله الحاضرة بيننا التي تشهد على نبوغه وعبقريته التي لم يقدرها أحد ولم يهتم بها أحد..
لن ننساك أبدًا يا رجل البريد، يا من ثقفت المثقفين.
فالسلام كل السلام لروحك الطاهرة….
الكاتب
-
مريم المرشدي
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال