حسين رشدي باشا .. رئيس الوزراء الأهلاوي الذي قتل نصف مليون مصري
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
لاحق شبح حسين رشدي باشا المتوفي سنة 1928 م أمام مخيلة شيخ الأزهر محمد مصطفى المراغي حين ألقى خطبة الجمعة من مسجد الرفاعي أواخر عام 1941 م ونظر إلى حسين سري رئيس الحكومة وقت الحرب العالمية الثانية وقال لها «هذه الحرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل».
اقرأ أيضًا
الحيوانات في الحرب العالمية الأولى “مالم تذكره أسوشيتد برس عن مصر”
تسبب تصريح شيخ الأزهر في جدلٍ سياسيٍ كبير، فبريطانيا تتهمه بالعمالة لصالح الألمان مثل مفتي القدس، خاصةً وأن الرأي العام المصري يفضل هتلر النازي لدرجة أن جعلوه مسلمًا، أما شيخ الأزهر الرافض لاستبدال محتلٍ بمحتلٍ كان يُذَكِّر مصر بما جرى على يد حسين رشدي باشا وقت الحرب العالمية الأولى.
حسين رشدي باشا .. من هو ؟
شخصية حسين رشدي باشا في ميزان التاريخ مركبة، فهو له ميزات متعددة إذ كان ظهرًا لسعد زغلول وقت ثورة 1919 م، وكان رئيس لجنة دستور 23 المحبوب من الأحزاب، كذلك هو صاحب شعار استقلال الجامعة عن الحكومة، وهو أحد مؤسسي النادي الأهلي المصري وعضو بارز في أول مجلس إدارة له.
لكنه أيضًا صاحب أسوأ قرار في تاريخ مصر الحديث وهو دخول مصر في الحرب العالمية الأولى بصفته رئيسًا للحكومة ووزيرًا للداخلية منذ 19 ديسمبر 1914 حتى 22 إبريل 1919 م، وكان قائمًا بالوصاية على عرش عباس حلمي الثاني وقت الحرب لحين تقلد السلطان حسين مقاليد الحكم.
الخامس من أغسطس .. اليوم الشؤم
لم يكن حسين رشدي من مؤيدي الحرب العالمية الأولى، أو بالأحرى لم يتخذ موقفًا واضحًا منها، فعدم دخولها يعني تحويلها إلى قاعدة عسكرية انجليزية مما يعني استمرار الحماية البريطانية عليها، أما دخولها فيجعلها تتحرر من الحماية البريطانية، لكن بدلاً من أن يلجأ حسين رشدي إلى حلٍ وسط وهو تحييد مصر النهائي بما لا يضر الانجليز، وَقَّعَ في 5 أغسطس سنة 1914 م بصفته رئيسًا للوزراء وقائمًا بمقام الخديوي قرار دخول مصر في الحرب وأن تشرف انجلترا على عمليات التجنيد للبشر والحيوانات.
كان المجلس العُرفْي العسكري الانجليزي المصري يضم كلاً من حسين رشدي، وطلعت بك والمستر هلتون رئيس محكمة مصر المختلطة، والسير جراهام مستشار الداخلية، والمسيو جيرو القاضي الفرنسي في المحاكم المختلطة، والمستر كرابيتس القاضي الأمريكي؛ وكلهم يعملون تحت إمرة المعتمد البريطاني إدموند ألنبي.
ترصد جريدة الأهالي رد فعل الناس بقولها «قرار الخامس من أغسطس قابله الناس بانقباض وسكون غريبين، قابلوه بالهدوء الذي يقابل به الإنسان خبر وفاة عزيز له، ولولا أن الناس الآن مشغولون بالغلاء وبأخبار الحرب لكان لهذا القرار ضجة كبرى، سيأتي يوم ويظهر فيه الأثر الطبيعي لهذا القرار».
أما رجل القانون ووزير المعارف المصرية لاحقًا، محمد بهي الدين بركات فكتب في مذكراته عن قرار الخامس من أغسطس بقوله «أدخل النفوس الحزن والأسى، فجعلنا نحس من جديد بذلك الجرح الذي لم يندمل بعد جرح الحكم الأجنبي واستعماره البلاد لصالحه، لقد كُتِب علينا نحن المصريين أن نرى الاقدار تقع علينا دون أن نتحرك».
يساقون إلى الموت وهم ينظرون
خَوَّل حسين رشدي باشا سلطات الإنجليز بأن تقوم بتغريب المصريين في التطوع للالتحاق بجيشها، ثم لجأت إلى تجنيدهم إجباريًا بالسخرة والاختطاف طيلة 3 سنوات، في وقائعٍ منسية من تاريخ مصر في الحرب العالمية الأولى.
يصف سعد زغلول في مذكراته تفاصيل الفظائع بقوله «بعض رجال الحكومة عارضوا في التجنيد الإجباري لكن الحكام في سائر أنحاء القُطْر أخذوا يتخطفون الناس من الأسواق ومن الطرقات ومن المساكن في القرى ويحملونهم على أن يكتبوا طلبا بالتطوع في الحملة، ومن يأبى من المخطوفين أن يختم، يتم ضربه حتى يختم، وفي بعض المراكز أقيم صانع أختام على باب المركز ليصنع ختما لكل من ليس له ختم وقد أبى الرجال في إطسا – بمديرية المنيا – فجاءتهم قوة من العساكر والخفر وساقتهم إلى المركز مكبلين بالحديد، وهنا ضربوا حتى ختموا، وحدث أن بعض الأهالي في جهة فارسكور رفضوا السير مع العساكر، وحدثت مشاجرة أدت الى إطلاق النيران عليهم فقتل ثلاثة، والسلطة تستعين في جمع الناس بكل طريقة من طرق الجبر بالاكراه، وهذا فضلا عن كونه أشد أنواع مصادرة الأمة في حريتها، فإنه احتقار لها بإنزالها منزلة الأنعام السائرة».
أما أحمد شفيق باشا رئيس الديوان الخديوي عبر صفحات تمهيد 1 من «حوليات مصر السياسية»، يروي جوانب مأساوية حيث قال «ان قطارا كان يقل جماعة من المتطوعين المحروسين بالجند شاهري أسلحتهم قاصدا القنطرة، فما إن ابتعد عن مدينة الزقازيق بضعة كيلو مترات حتى ألقى واحد منه بنفسه من القطار أثناء السير تخلصا من التطوع الذي لم يكن بالطبع بناء على رغبته فمات في ساعته».
اقرأ أيضًا
آخر قتلى الحرب العالمية الأولى .. قصص موت الثواني الأخيرة
ويضفي أحمد شفيق جانبًا أشد سوادًا بسبب قرار حسين رشدي حيث يقول «كم من المخازي والفساد واكب هذه العملية، فكثير من العمد انتهزوا هذه الفرصة ليوقعوا بأعدائهم وأبناء الأسر المناوئة لهم فيخصونهم بالاختيار للعمل في السلطة، بينما يتسترون على معارفهم ويعفونهم منها وسويت حسابات قديمة على إثرها تمزقت مصر من الأحقاد والثأر واتهمت الأسر بعضها البعض وسمم الفساد جو البلاد، واتسعت الذمم بقبول الرشاوي وامتد خيطها من العمدة إلى مأموري المراكز والضباط البريطانيين أنفسهم، ومضت النساء يبعن حليهن حتى يدفعن مقابل الإفراج عن أولادهن وأزواجهن من خدمة السلطة».
فاتورة دخول مصر الحرب العالمية الأولى من أبناءها
يتفق كل المؤرخين المصريين مثل خالد فهمي ولطيفة سالم وكمال عامر، وحتى الأجانب على أن إجمالي من تم تجنيدهم من المصريين بسبب قرار حسين رشدي وصل إلى مليون و 200 ألف مصري، وقُتِل منهم نصف مليون.
هذا الرقم اتفق معهم فيه الصحفي الأمريكي جورج كريل الذي كتب في مجلة لي جب الأمريكية عدد في 27 سبتمبر 1919 بقوله «لقد سيق مليون ومائتا ألفا من المصريين إلى الخدمة، وكانت معاملتهم أسوأ من معاملة دواب النقل، فقد كان طعامهم رديئا ومسكنهم فاسدًا والعناية الصحية بهم ضئيلة، فمات هؤلاء المجندون التعساء كالذباب، وكلما قضى منهم نفر وخلا بموتهم مكان، ساق الكرباج الالاف غيرهم ليحلوا محلهم».
مائة مقبرة في أنحاء العالم تحوي رفات المصريين في الحرب العالمية الأولى في فرنسا وبلجيكا وإيطاليا واليونان ومالطة، كلهم لم يكونوا راغبين في الحرب ومن المؤكد أنهم لعنوا حسين رشدي قبل موتهم حتى لحق بهم في عام 1928 م مع الفارق أنهم ماتوا في وطنٍ غير وطنهم بحربٍ ليست عليهم، أما رئيس الوزراء فمات طريح الفراش ودُفِن في مقابر الإمام.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال