ما بين اللورد كرومر وعباس حلمي الثاني.. في عيون طليقة الخديوي
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
بكلمات منمقة، عبرت الأميرة جويدان طليقة الخديوي عباس حلمي الثاني عن كل ما يجيش بخاطرها تجاهه، ومبلغ الأثر السيئ الذي وقر في نفسها بسبب هذا الطلاق والذي كانت تعتبره أحيانا من باب الخيانة، حيث قالت:- ” إنني في منزلي أطوف في حجراته، فمن ذا الذي يقول إن الأشياء جامدة لا حياة فيها؟ إن الأشياء تحتفظ بتاريخ الحياة وتجيد إعادة القصص، فكم من حلم جميل أستعيد قراءته من بين هذه الوسائد الحريرية، كنا جالسين أمام المدفأة، وكنت أنظر إلى نارها المشتعلة، ولم يكن ضروريا أن أنظر إلى وجهك لأنك كنت بأكملك ماثلا في نفسي”.
في صيف عام 1905 كان تعرف الخديوي عباس حلمي الثاني على السيدة الكونتيسة ” ماي دي توروك ” بالعاصمة الفرنسية باريس، استقر حبها في قلبه وعشقها كثيرا، ثم كانت الصداقة التي أدت إلى ذهابها معه إلى مصر، وتخصيص سراي مسطرد لتكون محلا لإقامتها مثل زوجته وأولاده في قصر القبة.
لم تلبث ما يدي توروك واعتنقت الإسلام وغيرت اسمها إلى جويدان بنت عبد الله وقرر الخديوي عباس حلمي الثاني الزواج منها، ولاقى قراره هذا هجوما واستياءً شديدة من أصدقائه والسلطان العثماني، وأيضا الصحافة، فضلا عن بعض المضايقات الأسرية، كون أن الزواج بها أمرًا غريبًا عن المجتمع المصري وأسرة محمد علي، وبرغم التحمل الذي كان من عباس إلى أن تواصل الضغط عليه أدى إلى الطلاق عام 1913.
أكثر ما يلفت النظر في مذكرات جويدان، هو أنها لم تتحامل على الخديوي عباس حلمي الثاني، فقد تجردت من كافة مشاعرها كأنثى جريحة، وتحدثت للتاريخ كأميرة سابقة شاهدة على عصر ظُلِم صاحبه، برغم أنها لم تتمالك مشاعر قلبها، ففي صفحات مذكرات الأميرة جويدان البالغ عددها 165 صفحة، تجد أمورا كثيرة قد تكلمت عنها، ومن ضمن تلك الأمور السياسية، علاقة الخديوي عباس حلمي الثاني مع اللورد كرومر.
كانت جويدان ترى أن الخديوي حين تولى الحكم وهو في سن الثامنة عشر لم يجد في حكمه مساندة أمام النظرة التي كان يرمقها كرومر له كون أن كرومر يشعر بأنه وحده هو الحاكم، وأوضحت جويدان أن كرومر كان يعتقد أن عباس لصغر سنه سيطيعه من باب الخوف، لكنه ما فعل كون أنه منذ صغره قوي العزم عنيد الرأي ومحبًا للكفاح.
وعللت جويدان طليقة الخديوي الصدام بين كرومر وعباس حلمي الثاني بأنه وطنية منه، وأنه طيلة حياته لم يقبل أن يكون صديقا لكرومر، قائلة في مذكراتها ” ليس من المعقول أن خديويا ـ ولو كان نصف وطني فقطـ يتقبل صداقة ديكتاتور أرغم على قبوله من قوة معادية، وكل نظرة إليه تذكره بضعف بلاده وهزيمة أسلافه، فكان أصعب وقت مر على الخديوي هو الوقت الذي امتد فيه ظل كرورمر في مصر.
إقرأ أيضاً
كيف غَيَّر أمير الشعراء قصيدة طلع البدر علينا من أجل مدح رئيس ديوان الخديوي
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال