محمد عبد الشافي .. الناس بتاكل بعض؟ .. مش واكل
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
قيل : لا تفقدوا شهوة العمل بشهوة الكلام عنه .. تم تفسير هذه العبارة عند الأغلبية ممن سمعوها بشكل خاطئ ، ظنًا منهم أن الكلام عن العمل – وحده- هو السبب في فشل العمل نفسه بنظرية “داري على شمعتك تنور” .. لكن الحقيقىة أن الكلام المبالغ فيه الذي يسبق العمل قادر على صنع شروخًا رقيقة في عزيمة العمل ، تلك الشروخ تتسرب منها الهمة والطاقة رويدًا رويدًا حتى يفقد الإنسان شغفه ناحية العمل كتسريب بطارية الموبايل لعدد وحدات غير ملحوظة بشكل ثابت ، وفي النهاية تجد أن البطارية قد أفلست ، وتوقف الموبايل عن العمل .. وهكذا يتوقف الإنسان عن العمل فجأة ، دون أن يعرف لماذا حدث ذلك !
كنت شاهد عيان على بدايات باك شمال الزمالك ومنتخب مصر عندما كان لاعبًا في نادي غزل المحلة ، الكابتن محمد عبد الشافي .. بوجهه الجاف ، الصامت بلا ريأشكن تقريبًا .. ونظرته الثابتة التي لا تحمل شعاع كأشعة النجوم التي تعتبر ضوءًا عكسيًا لكثرة فلاش الكاميرات عليهم .. وطريقة مشيته التي تشبه طالب جامعي في أول يوم كلية قد شقا والديه في دفع مصاريفها .. وتسريحة الشعر الثابتة منذ 2005 تقريبًا ، وكانت هذه التسريحة هي موضة الشباب في هذا الوقت … رجل عادي للغاية ، لو رأيته دون أن تعرف أنه نجم كرة قدم شهير ، ستتأكد أنه خارج من وردية عمل من إحدى المصانع منذ قليل .. صامتًا لا يدع للهمة شرخًا تتسرب منه .
حضر عبد الشافي الجيل الذهبي لمنتخب مصر ، جيل الحضري ، وعمرو زكي ، وحسني عبد ربه ، ومحمد زيدان .. كان جيل أكثر ميزه أن علاقته بالميديا كانت قاصرة على أوقات الفوز والهزائم ، جيل احترافي بمعنى الكلمة ، يتعامل مع الميديا على قدرها ، لا يبالغ في استخدامها ، ولا يتفه منها ، فكان يأخذ منها ما يدفعه للأمام ، ويترك لها الثرثرة الفارغة ، وكانت الاشتباكات بينهما قليلة للغاية .. لذلك كان للاعب قيمته ولرجل الميديا قيمته أيضًا .. ويظن الجميع أن كل لاعبي تلك الحقبة كان إسلوبه نفس إسلوب عبد الشافي .. الحقيقة أن عبد الشافي كان هادئًا وسط الهادئين ، حين يعلو الصوت يأخذ نفسه بعيدًا حتى يهدأ الصخب .. حين تعج الصالة بالناس يشرب هو سيجارته في البلكونة .. حين يرقص الجميع في الفرح يقف هو جانبًا ليصفق في روقان .. حين يهم الجميع للمعركة يقول هو : استهدوا بالله .
لم تكن فقط ميزة عدم التعامل مع الميديا بكل أشكالها هي التاج الأوحد على رأس محمد عبد الشافي في هذا الزمن الذي تُلعب في كرة القدم في مصر على الفيس بوك قبل الملعب ، ويتحدث اللاعبون بلسانهم لا بأقدامهم ، وينفذ المدربون ومدراء الأندية خطتهم عبر الإذاعات وبيدجات وجروبات النوادي لا في الغرف المغلقة .. بل أكثر ما يميز عبد الشافي أنه لا يفعل ذلك حملًا على نفسه ، هو بالفعل كذلك .. رجل يكره الخلافات على أرضية الملعب ويؤمن أن المجد للأوفر المظبوط على رأس المهاجم قبل التشويح للحكم .. يؤمن أن مازال هناك ما يسمى بالمرحومة الروح الرياضية ، ويخرج الكرة للاعب الذي يقع مصابًا أو حتى يقوم بعملية تمثيل الإصابة .. وإن سألت عبد الشافي عن تلك المثالية المبالغ فيها سيشعر أن سؤالك نفسه هو المبالغ فيه لأنه رجل لا يرسم الدور ، بل هو الدور نفسه .. رجل قرر أن يعيش في قلوب الجماهير لا على الشاشات .. أن يمشي في الظل وحيدًا كأبطال الأولمبياد الفردية بعيدًا عن ضجيج كرة القدم المبالغ فيه .. هو الناجي الوحيد من معركة الوسط الرياضي التي يخسرها الجميع يوميًا ويقلل من قدره وقيمته .. رجل قرر أن يبعد عن الشاتم والمشتوم ، الظالم والمظلوم ، الباكي والمبكي عليه .. في وسط رياضي يشبه الغابة .. رجل قرر أن يمشي على درب عمنا فؤاد حداد عندما قال بتلقائية : الناس بتاكل بعض ؟ – مش واكل !
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال