همتك نعدل الكفة
235   مشاهدة  

مديح الذين “دمعتهم قريبة”!

الدموع القريبة
  • - شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة

    كاتب نجم جديد



عرفت في الحياة أناسا لا تنتظر دمعتهم كثيرًا لتظهر في المرايا؛ فبمجرد أن يحركهم محرك إلى البكاء، مهما صغر وتفه في عيون الآخرين، تدمع أعينهم على الفور، بطول حواسهم الخمس، سمعا وذوقا وشما ولمسا ورؤية، وبكافة تجليات الأشياء التي في محيطاتهم؛ فكما يجلب الحسن لهم دموع الرضا يجلب القبح لهم دموع الصدمة، كأن لديهم تركيبة خاصة سريعة التفاعل مع الأشياء والانفعال بطاقاتها أيا كانت، ربما كانت تركيبتهم شديدة اليسر أو التعقيد، لكنها تجعل مدامعهم ممتلئة على الدوام، وأعينهم فياضة بمدى الأخبار والطعوم والروائح والملموسات والمرئيات، أعينهم التي كسماوات لا يفارقها المزن!!

يتهم الآخرون هؤلاء بالضعف والهشاشة، ولا يتفهمون أنهم أرقاء رحماء، ولا يدرون أنهم ندرة في البشر، من واجب الباقين أن يحاولوا إحصاءهم وأن يحافظوا على وجودهم بينهم، وليس يمكن حصر هؤلاء الرائعين في طائفة معينة، فالأنبياء كان فيهم رجل هكذا، والفلاسفة والشعراء، والمفكرون والصوفية، والبشر العاديون أيضا..

بعض الناس يقول: لا أحكي مشكلتي لفلان لأن دمعته قريبة ولن يفيدني بشيء، ولمثله يقال: بل تفيدك دمعته نفسها بكل شيء؛ فغاية ما يريده مأزوم أن يجد صدى حقيقيا لحديثه عند الآخر، والدمعة أكبر صدى وخير صدى؛ فمعناها التعاطف الكامل معك والوقوف الصادق بجانبك، قد تكون صورة محضة، أي ليست وسيلة مادية للمؤازرة، لكنها صورة تشع وفاء وحميمية، وتساوي آلاف الصور المادية التي يمكن الحصول عليها بلا تعاطف أكيد ولا شهامة أصيلة!

كتب الصديق أسامة الشاذلي، الكاتب المرموق والمخرج ورئيس تحرير موقعنا المعتبر هذا، على صفحته بالسوشيال ميديا، نصا وحرفا، في إحدى المرات: “أنا دمعتي صارت قريبة إلى درجة محرجة”. وقد أربكتني هذه الكتابة البسيطة في حينها إرباكا فادحا؛ ربما لأنني حالة مطابقة لهذه الحالة، وأعرف حالات كحالته وحالتي، وإن كانت قليلة، وربما لأنها وضعتني في مقام استدعاء تاريخ تلك الحالات المتجذرة في العالم عموما، أو افتراضية أن لها تاريخا خاصا مستقلا، الحالات التي أعتبرها أنا فريدة ومهمة وملهمة، وأود أن أوجه أنظار العالمين إليها في خلال هذه الفترة بالذات، الفترة التي برزت فيها قسوة العالم بروزا هائلا؛ فمحت الواقع اللطيف أو كادت، ولم يبق منه إلا طيبة كهذه الطيبة وصفاء كهذا.

الصفاء نفسه..

قد يصيح صائح هنا: هل تعني دمعة قريبة لإنسان أنه نقي الدواخل كامل الصفات؟ وأرد، وفي نفسي ألا أرد لأنه صياح فارغ غالبا، لا تعني ذلك بالضرورة طبعا، لكنها بالتأكيد تعني أنه شخص يملك ميزة لا يملكها غيره، ميزة شفافية خارقة، تجعله أكثر نفاذا إلى أعماق لا يدركها سواه، وأكثر تأثرا بجواهر هذه الأعماق البعيدة، وما دام التأثر يتجلى دموعا لا ضحكات، أي أشكالا تعكس وقار انسياب دمعة على خد لا فوضى جلجلة علو فرحة؛ فإن الشخص يحمل في حناياه قدرا من أقدار الرقي البشري الذي يرفعه إلى مصاف المثل العليا، ولو مؤقتا، هذا إن آمنا بأن حالة الاتزان التي يصنعها الإحساس الشجني المعقول أغلى ثمرا من حالة التهريج وليدة القهقهة، وأظن الأغلبية لديها مثل هذا الإيمان، ولا طعن في الضحك طبعا فهو جميل!

إقرأ أيضا
الأهلي

الكاتب

  • قريبة عبد الرحيم طايع

    - شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة

    كاتب نجم جديد






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان