إبراهيم باشا منقذ تركيا ومذلها .. من بيلوبونيز إلى الآستانة
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
تكونت نفسية إبراهيم باشا تجاه الدولة العثمانية في سن السابعة عشر حين قرر أبوه محمد علي باشا إرساله للآستانة عام 1806 م واستخدمه كضمان وعد للسلطان العثماني حين تعذر الباشا عن دفع الضرائب فأرسل نجله كرهان لموعد السداد.
العثمانيين وثنائية الأب والإبن في مصر
لم يكن العثمانيين يحبوا محمد علي باشا ولا نجله إبراهيم، فالأب وصل للحكم بقوة الشعب المصري التي كسرت فرمان السلطان مرتين أولهما بعزل واليه خورشيد وثانيهما برفض قرار الباب العالي نقل محمد علي لولاية أخرى، أما الابن فكان مكروهًا من العثمانيين لنزعته القومية التي عبر عنها بقوله «أنا لست تركيًا فمصر مصرتني».
اقرأ أيضًا
لماذا قال إبراهيم باشا محمد علي : أنا مصري ولست تركيًا
رغم هذا الكره المتبادل بين الباب العالي ووالي مصر لكن التفاهم بينهم كان موجودًا بحكم المصلحة السياسية فالجيش العثماني كان ضعيفًا بينما محمد علي بدأ أقوى من السلطان ثم أسس جيشًا أنقذ الدولة العثمانية قبل أن يذلها.
العثمانيين يستنجدون بمصر مرتين
خلال الفترة من عام 1811 حتى عام 1830 م خاضت مصر 30 معركة لصالح الدولة العثمانية، 20 معركة منها كانت بجيشٍ غير نظامي داخل شبه الجزيرة العربية ضد الحركة الوهابية التي نجحت في حرمان تركيا من سيادتها على بلاد الحرمين.
اقرأ أيضًا
إبراهيم باشا في نظر المؤرخين “هذا اختلافه عن والده”
خاضت مصر حربًا ضد الوهابية عبر 8 سنوات بـ 20 معركة ونجح إبراهيم باشا خلال 4 أعوام من سحق الوهابية وتسليم رأس حاكم الدرعية وحفيد مؤسس الدولة السعودية الأولى إلى السلطان العثماني ليتم إعدامه، ثم بدأ محمد علي باشا في تأسيس الجيش المصري النظامي عام 1820 م.
كانت الحرب الوهابية هي أول تعاون بين مصر والدولة العثمانية، لكن حروب الاستقلال اليونانية وإن كانت ثاني أمارات هذا التحالف لكنها كان الأولى للمحروسة بجيشٍ مصري خالص غزا أوروبا التي عجزت الدولة العثمانية عن مواجهتها بجيشها.
تكالبت أوروبا على العثمانيين وجيش مصر في نهاية حروب الاستقلال التي حُسِمَت لصالح اليونان، أما الدولة العثمانية فأرادت تعويض محمد علي باشا فأعطته جزيرة كريت وهو ما رآه الباشا غير مجزي لجهوده فطلب الشام سلميًا ليضمها إلى مصر، لكن السلطان العثماني رفض مطلب الباشا فأعلنت مصر رسميًا الحرب على الدولة العثمانية التي دامت 10 سنوات بـ 6 معارك.
إبراهيم باشا يذل الدولة العثمانية 6 مرات
إجمالاً فإن عدد حروب مصر ضد تركيا العثمانية وصل إلى 6 معارك من الشام حتى حدود الدولة العثمانية وتكبدت تركيا في المعارك الستة 30 ألف قتيل و 60 ألف أسير بالإضافة لمئات الغنائم العسكرية من بنادق وسفن ومدافع، وتهديد علني لصولجان السلطان، وكلها تمت على يد إبراهيم باشا.
حرب الـ 3 معارك في الشام
في بلاد الشام خاض إبراهيم باشا وأبيه 3 معارك عام 1832 م داخل عكا ودمشق وحمص وكانت خسائر العثمانيين فادحة مقارنةً بالخسائر المصرية ففي عكا بلغ مجموع الخسائر المصرية 4500 قتيل، بينما قُتِل من الأتراك 5500 قتيل من أصل 6 آلاف، بالإضافة لمئات الغنائم العسكري؛ أما خسائر العثمانيين بعد معركة دمشق فكانت ألفي قتيل و 3 آلاف أسير وهو أقل من مجموع خسائر مصر إذ قُتِل 100 ولم يتم أسر أحد، أما معركة حمص وهي آخر حروب الشام فلم تستغرق 4 ساعات خسر فيها العثمانيين 2000 ضابط وعسكري وأسر 500 آخرون مع تسليم أسلحتهم.
اقرأ أيضًا
قصة هدية محمد علي باشا لملك فرنسا والتي أدهشت أوروبا
كان سقوط بلاد الشام في مصر كارثة سياسية بالنسبة للعثمانيين فقرر الباب العالي الدخول في موجة جديدة من الحروب ضد مصر بعدما رفضت الآستانة نصيحة أوروبا بعدم الدخول في مواجهة عسكرية مع محمد علي باشا ونجله إبراهيم باشا.
معركتي بيلان وقونية والطريق إلى الآستانة
حشدت الدولة العثمانية 45 ألف مقاتل لقتال 30 ألف مصري تحت قيادة إبراهيم باشا وذلك في يوم 29 يوليو 1832 بالقرب من حلب وعفرين وهي المعركة المعروفة تاريخيًا بحرب بيلان، ولم تدم المعركة إلا 180 دقيقة وانتهت بهزيمة ساحقة للعثمانيين إذ انسحب 40 ألف وقُتِل 2500 وأسر ألفين آخرين مع غنيمة 25 مدفع بينما خسرت مصر 20 جنديًا فقط.
اقرأ أيضًا
مصر في المسلسلات التركية .. أم الماسونية العالمية ودولة الخيانة
عملت الدولة العثمانية بحلفها الألماني على استفزاز إبراهيم باشا بعد انتصاره في بيلان، فسحبته إلى قونية وسط جنوب الأناضول واستعدت له بـ 53 ألف مقاتل أمام 15 ألف جندي مصري؛ واستمرت المعركة 7 ساعات أسفرت عن هزيمة كارثية للعثمانيين إذ خسروا 3 آلاف مقاتل وأُسِر 6 آلاف آخرين، بينما لم تتجاوز خسائر المصريين 262 مقاتل.
على أبواب الآستانة وأوروبا تنقذ الدولة العثمانية
غيرت معركة قونية مسار العلاقات المصرية العثمانية، وكان موقف أوروبا مركبًا فكانت روسيا واليونان تفضل دخول مصر في مواجهة مباشرة مع العثمانيين أما بقية الدول الأوروبية كانت تخشى من عملية دخول مصر في حرب ضد الدولة العثمانية إذ أن انتصار مصر المؤكد يعني ميلاد عدو جديد لأوروبا أكثر شراسة من الدولة العثمانية.
تدخلت أوروبا لعقد معاهدة كوتاهيه عام 1832 م بين مصر والعثمانيين واقتضت بتنازل الدولة العثمانية عن الشام والحجاز وكريت لمحمد علي باشا مع تثبيته على حكم مصر للأبد، في مقابل إنسحاب إبراهيم باشا من بلاد الأناضول وعدم التوغل في الأراضي العثمانية، وكان إبراهيم يرفض العمل بمعاهدة كوتاهيه لكن موافقة أبيه ألزمته حده فرضخ لبنود تلك المعاهدة.
ظلت معاهدة كوتاهيه تحكم العلاقات المصرية وكانت بريطانيا عبر لورد بالمرستون وزير خارجيتها يحذر من تنامي قوة مصر بقوله «أي معتوه من العثمانيين سيحاول فك كوتاهيه سيجد الوالي على أبواب الآستانة»، لم تعمل الدولة العثمانية بمقولة بالمرستون إذ قرر العثمانيين حشد قواتهم إلى العراق ومنها لسوريا فاندلعت المعركة السادسة و الأخيرة والأخطر وهي معركة نصيبين المعروف بحرب نزيب جنوب تركيا يوم 24 يونيو سنة 1839 م.
في 30 دقيقة فقط تمكن الجيش المصري من إلحاق هزيمة بتركيا خسرت فيها الدولة العثمانية 12 ألف قتيل وأسر 15 ألف آخرين وانسحاب الأسطول العثماني من الآستانة إلى مصر وإعلان الولاء للباشا، بالإضافة لغنائم عسكرية ضمت 20 ألف بندقية و 144 مدفع.
لم تجتمع أوروبا بثالوثها الإنجليزي والروسي والفرنسي حول شيءٍ سياسيٍ واحد إلا على كسر محمد علي باشا فحركت أوروبا أساطيلها لتهديد محمد علي باشا ففرضت عليه معاهدة لندن عام 1840 م التي أعادت شبه الجزيرة العربية والشام إلى سلطان الدولة العثمانية، وتبعية مصر صوريًا للدولة العثمانية على أن يبقى حكم مصر في الباشا وأولاده.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
جهد اكثر من رائع بالتوفيق دايما