ما ظلمه فيلم اليوم السادس (2-2) المشروع القومي للتطعيم في مصر
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
تناقش الحلقة الثانية من سلسلة ما ظلمه فيلم السادس للمخرج يوسف شاهين، تاريخ المشروع القومي للتطعيم في مصر زمن وباء الكوليرا عام 1947 م، وتجيء تلك الحلقة بعد أن أكدنا سابقًا أن الفيلم لا يصنف على أنه عمل تاريخي، لكنه أخذ أحداثه من وقائع تاريخية متعلقة بوباء الكوليرا عام 1947 م.
اقرأ أيضًا
ما ظلمه فيلم اليوم السادس (1-2) مستشفيات العزل في مصر زمن الكوليرا
موقع الميزان سيناقش الفيلم من هذه الزاوية ليجيب على سؤالين «هل كانت مصر في كوليرا 47 قاتمة لهذا الحد الذي أظهره الفيلم»؛ «هل هناك أشياء تاريخية ظُلِمَت في الذِكْر ؟»
قصة المشروع القومي للتطعيم في مصر الذي أغفله اليوم السادس
تشير جريدة الأهرام في عدد 3 أكتوبر عام 1947 م أنه عندما اكتشفت أولى حالات الإصابة بالكوليرا لم يكن اللقاح موجودًا بما يكفي للحاجة الملحة، إذ لم يكن اللقاح يحضر إلا بمقدار يكفي عدد الحجاج مضاعفًا ، وقد بدأت معامل المصل واللقاح بإنتاج حوالي 300 ألف وحدة يوميا، ثم ازداد هذا الإنتاج حتى وصل إلى نصف مليون وحدة يوميًا حتى بلغت جملته بعد بضعة أشهر من تفشي الوباء إلى 31 مليون وحدة صرفت واستعملت في التطعيم العام لجميع السكان في المرة الأولى والثانية ، بالإضافة إلى الكميات التي تم شراؤها من الخارج ، وأيضًا التي أهديت للحكومة المصرية.
اقرأ أيضًا
“تاريخ الكوليرا في مصر” إحصاء المواقع غير صحيح وهذه حكاية كل وباء
بالنسبة للتطعيم في القاهرة، فقد قامت وزارة الصحة بافتتاح الوحدات العلاجية المدرسية ومستشفيات الانكلستوما لتطعيم الجمهور ضد الكوليرا، ونظرا لازدياد الإقبال من الأهالي على التطعيم فقد قامت الوزارة بافتتاح وحدات جديدة في مراكز رعاية الطفل والإسعاف والمستشفيات الأخرى، وأيضا قامت الإدارة العامة للصحة المدرسية بافتتاح خمسة عشر مركزا للتطعيم ضد الكوليرا وذلك في مدارسها، وقد خصص لكل وحدة ثلاثة أطباء يعملون بإشراف رؤساء الأقسام ، وبخلاف ذلك قامت الإدارة بتأليف فرق متنقلة لتطعيم موظفي المعارف والمدارس التابعة لها .
اقرأ أيضًا
“التاريخ المنسي” تفاصيل الخطة التي كانت ستنقذ مصر من كوليرا 1947 ولم تنفذ
وقامت إدارة المدارس بدعوة تلاميذها للحضور إلى المدارس للتطعيم ضد الكوليرا ، ومن ضمن هذه المدارس على سبيل المثال مدرسة ألبون باستور للبنات بشبرا ، ومدرسة سان فانسان دي بول بالحلمية الجديدة ، ومدارس الفرير ومعاهد التعليم الفرنسية وكلية سان مارك.
السنهوري باشا ودوره خلال المشروع القومي للتطعيم في مصر
اختزلت سيرة عبدالرازق السنهوري في أنه رجل القانون الذي قضت عليه أزمة مارس بين ثنائية ناصر ونجيب، وبعيدًا عن كل هذا فإن للسنهوري دور بارز في المشروع القومي للتطعيم بمصر، لم يهتم به الكثيرين حين كان وزيرًا للمعارف في الحكومة الثانية لمحمود فهمي النقراشي.
قرر وزير المعارف عبدالرازق أحمد السنهوري أن تستمر الإدارة العامة للصحة المدرسية وفروعها ووحداتها في العمل أيام عطلة العيد لتطعيم الأهلين والمدرسين والطلبة والطالبات والمدرسات ضد الكوليرا ، واتخاذ ما يلزم من إجراءات صحية قبل افتتاح المدارس ، وقد تقرر ضم الإدارة العامة للصحة المدرسية إلى الهيئات المرخص لها بمنح شهادات معتمدة لموظفيها تثبت تلقيحهم بالطعم الواقي.
وقد سار تطعيم طلبة المدارس بهمة كبيرة في الوحدات العلاجية المدرسية ، وقد انتهت هذه الوحدات من تطعيم جميع الطلبة المستجدين والذين سيدخلون امتحان الدور الثاني ، أما طلبة المدارس الأجنبية فقد تم تطعيمهم بواسطة أطباء المدارس الخصوصية ، ونقلت وزارة المعارف ما يفيد إقبال التلاميذ على المراكز التي أعدتها وزارة الصحة في معاهد التعليم لتلقيحهم بالمصل الواقي.
المشروع القومي للتطعيم في مصر من خلال أرقام وزارة الصحة !
بلغ عدد مراكز التطعيم في القاهرة حوالي 41 مركزًا يصرف لها يوميًا 400000 وحدة من اللقاحات وحتى نهاية أكتوبر 1947م كان قد تم تطعيم مليون ونصف مليون شخص من سكان القاهرة أي أكثر من ثلثي سكانها، أما بالنسبة للتطعيم في الأقاليم ، فقد انتشرت مراكز التطعيم في جميع مديريات القطر الموبوءة وغيرها ، ففي الإسكندرية بلغ عدد الفرق المتنقلة للتطعيم بمناطق الإصابات وفي الأسواق والمنازل والباعة الجائلين حوالي 24 فرقة بالإضافة إلى 31 مركزًا ثابتًا للتطعيم.
بلغ عدد من طعموا في الإسكندرية حتى نهاية شهر نوفمبر 1947 م حوالي 800 ألف شخص، وفي أوائل شهر ديسمبر تم إجراء عمليات حصر لسكان الإسكندرية استعدادا للتطعيم للمرة الثانية بالمصل الواقي والذي تقرر أن يبدأ في شهر فبراير من العام 1948 م.
وأتمت وزارة الصحة تطعيم المناطق الموبوءة في مديريات الشرقية والدقهلية والقليوبية حتى وصلت نسبة من طعموا حوالي 65 % من عدد السكان، كما تقرر تعميم التطعيم في مديريات الوجه القبلي وأرسل 800 ألف وحدة من اللقاح كدفعة أولى لتوزيعها على مديريات الفيوم والمنيا وأسيوط وقنا، وقامت بالإشراف على التطعيم بعض الهيئات الخيرية وبعض البعثات الطبية الدولية، فخصصت الوزارة منطقة الفيوم المتطوعي جمعية الهلال الأحمر والمنيا لمتطوعي مبرة محمد علي ، وأسيوط للقسم الطبي في الجيش على أن يعاونهم فيها فرق من أطباء الوزارة والبعثات الطبية ، وقد بلغ عدد مراكز التطعيم في مديرية المنيا حوالي 20 مركزًا ، وعدد فرق التطعيم الفيوم حوالي 17 فرقة.
وأرسلت وزارة الصحة إلى تفتيش صحة أسوان حوالي 1200000 وحدة من المصل الواقي لتطعيم مديرية أسوان تطعيما عاما ، وقد خصصت الوحدات الصحية بالمدينة كمراكز للتطعيم، كما أرسل تفتيش الصحة حوالي 80000 وحدة من المصل إلى بلاد النوبة لتطعيم سكانها ، وخصوصا في عنيبه والعلاقة وغيرها .
ووفقا لقرار اللجنة العليا للكوليرا من إعادة تطعيم جميع سكان القطر المصري ، شرعت وزارة الصحة في شهر ديسمبر 1947م ، في عمل حصر لسكان مدينة القاهرة وأنشئ لذلك 164 مركزًا ثابتًا موزعًا على جميع مناطق القاهرة ، علاوة على ست فرق متنقلة زيدت بعد ذلك إلى خمس عشرة فرقة لإعادة تطعيم العزب والضواحي وقد بلغ عدد من طعم إلى يوم 31 مارس عام 1948 م حوالي 109090182 نسمة، وفي أول إبريل من نفس العام تم إنشاء عدد 66 فرقة متنقلة للمرور على المنازل لتطعيم من لم يتم تطعيمه ، وإثبات من طعم بدفاتر الحصر.
وضع موظفي الحكومة خلال المشروع القومي للتطعيم في مصر
اتخذت الحكومة عددًا الإجراءات والتدابير العامة إداريًا فمثلاً بعد ظهور وباء الكوليرا بمديرية الشرقية والدقهلية وتركيز الجهود لمكافحة هذا الوباء الخطير ، صدرت التعليمات بوزارة الصحة بإلغاء جميع الإجازات لموظفي ومستخدمي الوزارة واستدعاء الموجودين منهم في إجازات وعدم الترخيص.
وفي 19 أكتوبر 1947 قرر مجلس الوزراء بأن يستمر مديرو المصالح وموظفوها الذين يباشرون الأعمال المتعلقة بمكافحة وباء الكوليرا في أعمالهم أثناء عطلة عيد الأضحى، كما أصدر وزير الداخلية تعليمات إلى مفتشي الوزارة بأن يظلوا في مناطقهم خلال عطلة العيد للإشراف على الحالة الصحية ، وأصدر أيضًا وزير الصحة قرارا بإلغاء إجازات جميع موظفي الوزارة في عطلة العيد.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال