همتك نعدل الكفة
39   مشاهدة  

“مستعمرة العاهات في العتبة” قصة مشروع إنساني مجهول أسسته وزارة الداخلية

مستعمرة العاهات في العتبة
  • باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



قبل سنوات (وربما يحدث الآن) تمر من شارع العتبة أو رمسيس، وترى بعض أصحاب العاهات المستديمة أو الإعاقات الخلقية يكسبون قوت يومهم بأعمال تلائم إعاقتهم وأشهرها العمل في مهنة «النقاقلي» وهو الذي يقوم بـ «ورنشة الحذاء»؛ هذا الشكل وإن كان مستفزًا بسبب إلحاحهم أو منفرًا لتعمدهم إظهار عاهاتهم، إلا أنه كان قديمًا جدًا؛ وتم بإشراف من الدولة في ثلاثينيات القرن الماضي، ولم يكن في النفور أو الاستفزاز مثل الآن.

كيف بدأ تأسيس مستعمرة العاهات في العتبة الخضرا ؟

صرماتي ومسح الأحذية.
صرماتي ومسح الأحذية.

بعد تأسيس ميدان العتبة الخضراء في أواخر القرن التاسع عشر، اعتاد بعض ماسحي الأحذية أن يجلس تحت مظلة، وتسموا بـ «البوهيجية»، وكانوا خليطًا من الأصحاء وأصحاب العاهات، ونظرًا لأن المثل (يا واخد قوتي يا ناوي على موتي) كان يحكم المسألة فقد أدى ذلك إلى مشاجرات وخصومات بين الأصحاء وأصحاب العاهات، لكون الناس السلمية كانوا يبغون بقوتهم إقضاء المستضعفين.

اقرأ أيضًا
عندما فكرت مصر في حظر دخول ماسحي الأحذية للأماكن السياحية

أدت تلك المشاجرات إلى نتيجتين، الأولى تدخل مفتشي الترام الذين طردوا كافة البوهجية دون تفرقة، والثانية أن ضج قسم الموسكي بالمتشاحنين، وكان الإجراء القانوني هو السجن أو الغرامة، لكن مأمور قسم الموسكي لم يبغى تنفيذ أيٍ من العقوبتين لأسباب إنسانية، فالسجن يؤدي لعواقب وخيمة حيث ضياع الرزق نهائيًا وجوع عيال المسجون، بينما الغرامة فهي تأخذ من قوت العامل وفي أسوأ الظروف سيتجرأ الأصحاء على أصحاب العاهات.

ماسحوا الأحذية في مصر في نهاية القرن التاسع عشر
ماسحوا الأحذية في مصر في نهاية القرن التاسع عشر

فقرر مأمور قسم الموسكي عام 1900م  التعاون مع شركة الترام بأن لا يتعرض المفتشين والعمال لماسحي الأحذية المصابين بعاهات، ثم اتفق مع محافظ القاهرة أن يتم إقصاء البوهيجية الأصحاء عن العتبة الخضراء، وأن يكون لأصحاب العاهات مكان بجانب الترام تحت مظلة مستطيلة وفوق رصيف ويجلسون في صف واحد، ووصل عددهم سنة 1930م إلى ما بين ال25 وال30 رجلاً وأطلق على ذلك المكان مستعمرة العاهات، وصاروا من أمهر عمال مسح الأحذية في القاهرة لدرجة أن محرر مجلة الدنيا المصورة وصفهم بقوله «صاروا مضرب الأمثال في الإتقان».

النقاقلية
النقاقلية

ذلك القرار الذي اتخذه مأمور قسم الموسكي أدى إلى توسيع رزق من يعمل في مستعمرة العاهات، فصار يربح 30 قرش في أيام الشتاء (بمعدل 60 حذاء يوميًا) و23 قرش في فصل الصيف، وعلة انخفاض مكسبه في الصيف أن المدارس تكون مغلقة، فيذهب الناس للمصايف وينقطع زوار القاهرة عنها، بينما الشتاء هو أكثر أيامهم رخاءًا بسبب هطول الأمطار لدرجة أن أحد البوهيجية مسح 1500 حذاء في اليوم.

إقرأ أيضا
فطائر
شيخ مستعمرة العاهات
شيخ مستعمرة العاهات

اشتهرت مستعمرة العاهات لدرجة أنه لم يكن أحد من سكان القاهرة في حدود العتبة أو حتى زوارها فَوَّتُوا مسح أحذيتهم عندهم، ثم جاء العام 1914م واندلعت الحرب العالمية الأولى فارتفع سعر الورنيش لدرجة أن علبة جريفن وصلت ل13 قرش، لكن البوهيجية في المستعمرة واجهوا ذلك الغلاء الفاحش باختراع أحد أصحاب العاهات ورنيشًا مصريًا، حيث أسس معملاً صغيرًا في بيته، وصار يورد الورنيش للبوهيجية في كل أنحاء مصر ولمن يريد من التجار، ثم دخل في منافسة شرسة مع الورنيش الأجنبي بعد انخفاض سعره عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى؛ وحاول الشيخ أحمد شيخ مستعمرة العاهات أن يؤلف نقابة لمنافسة الأرمن في مجال ورنيش الأحذية لكن المشروع تم وأده في مهده كون أن الورنيش حينها كان يحتكره الأجانب.

الكاتب

  • مستعمرة العاهات في العتبة وسيم عفيفي

    باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان