مسرحية الإمبراطور جونز..مثال على المذهب التعبيري

 يمتاز المذهب التعبيري بتسليط الضوء على شخصية واحدة ترى البيئة من حولها والحياة بمنظورها هي فقط وكل الشخصيات حولها تخدم فكرة تسليط الضوء عليها وعلى أفكارها.

 وبمسرحية الإمبراطور جونز ليوجين أونيل،  تعرفنا على سلوكيات جونز وحيله في الدفاع عن نفسه مقابل القلق والخوف، وبالفعل سلط أونيل الضوء على شخصية واحدة وهي “جونز”

وتعرفنا على ميكانيزمات دفاعه عن نفسه مقابل التهديدات التي لاقاها، وكانت رحلة جونز رحلة ذاتية للغاية يبحث فيها عن نفسه ويندم ويتوب ويحاول استرجاع أخطائه تماما بما يتناسب مع المذهب التعبيري.

اقرأ أيضا…الاقتباس من المسرح إلى السينما

فاعتمد النص على شخصية محورية واحدة دارت حولها الفكرة، كما كان النص به أحداث تشبه الحلم كعادة المذهب التعبيري.

فمواقف جونز على سبيل المثال مع الأشباح تذكرنا بكوابيس العقل الباطن، وإن كنت شاهدت فيلم “معالي الوزير” للسيناريست وحيد حامد، فالقصتان بينهما تشابه بشكل ما.

فيلاحق جونز أشباح خياله كما لاحق معالي وزير تشابه الأسماء كوابيس لم تجعله يتذوق طعم النوم. وهناك تشابه في الكوابيس في دخول الوزير السجن وكذلك رؤيته للرجل الذي قتله.

كما أن شخصيات المسرحية كانت قليلة كعادة المذهب التجريبي، وأدوارها محددة بمواقف في صلب الموضوع والدراما بلا (حشو) وزيادات تشتت المشاهد وتسبب الملل.

ويتميز المذهب التعبيري أيضا بأن شخصياته ليست جميعها حقيقية من لحم ودم، وهذا ما لمسناه مع أشباح جونز التي ربما أراد يوجين أونيل وضعها بالنص كي تعبر عن مخاوف الإمبراطور نفسه وعن القلق الذي يعتريه ويحاول إخفائه دائما خلف الإيجو والتصرف كالملوك والشعور بالاستحقاق للنجاة رغم كل الذنوب التي اقترفها.

فنحن من خلال الأشباح نرى مخاوفه، فيرى الإمبراطور جونز أنه يباع في سوق للعبيد، وهذه من كوابيسه بالعقل الباطن الذي يهاب الرجوع بمكانته من كونه إمبراطورا إلى أن ينزل لمرتبة العبيد والتي كان يعاني منها الزنوج قبل تحررهم.

فيما يرى نفسه في أغلال السجن تارة أخرى كنتيجة لأفعاله ويطلق رصاصة جديدة كي يتخلص من حارس السجن الذي يراه.

وكذلك كان البناء الدرامي للمسرحية عبارة عن فصول مكثفة، وهذه أيضا من طبائع المدرسة التعبيرية. فكل فصل كان يؤكد على فكرة معينة، كتقديم المعلومات عن الإمبراطور جونز بالفصل الأول، وتمهيد لأحداث الفصل الثاني.

أو كإدخالنا بعالم مخاوف الإمبراطور جونز نفسها وتحدثه مع نفسه والصراع الذاتي الدائر بينه وبين نفسه حين استرجاعه لأعماله الفاسدة وحين مقاومة الرعب من طبول الزنوج وصوت الحق الذي

يزعجه.

فقد مثلت هذه الطبول صوت العدل الذي يهابه الإمبراطور جونز، ولأنه يعرف جيدًا أن شعبه الذي سرقه لن يتقبل اعتذاره، لجأ للقوة الأعظم، فقد لجأ جونز لله لأنه يغفر الخطايا ويستطيع الإنسان أن يفتح معه صفحة ناصعة بيضاء دون الرجوع للخلف.

إقرأ أيضا

أخيرًا..الكلمة الأكثر انتشارًا في التعليقات على فيديو محمد صلاح لدعم غزة

وظهرت كل هذه التفاصيل من خلال عنصر التكثيف الذي يمتاز به المذهب التعبيري.

وقد كانت اللغة بمسرحية الإمبراطور جونز لغة بها رمزيات تعبر عن الحلم الذي يستخدمه التعبيريون في نصوصهم.

وكانت اللغة أيضا مختصرة ومنضبطة تمثل المعلومات الهامة التي يجب على المشاهد أن يعرفها كي يفهم القصة التي يدور حولها النص.

والمدرسة التعبيرية تحب وجود تركيبة معينة من الشخصيات قريبة من عالم الخيال وديكورات مختلفة وأجواء ساحرة تشبه أجواء الحلم الذي يحلم به الإنسان فيرى نفسه بحديقة ولكن مرتديا ملابس النوم وبجواره ملائكة وحيوانات طائرة.

وحقق هذا أوجين أونيل عن طريق الشخصيات التي مثلتها الأشباح، فمن حارس السجن إلى الساحر والتمساح، سيرى المشاهد ديكورات وملابس مختلفة وعالم مليء بالمفاجأت.