مشاهد كازينو شهرزاد في مسلسل موسى الحلقة 16 “خطأ تاريخي لكباريه أحرج النحاس باشا”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
شهد مسلسل موسى الحلقة 16 أحداثًا متعددة حول تجارة المخدرات في غزة ولقاءات في كازينو شهرزاد والكشف عن النصاب الذي استغل التشابه مع إسماعيل ياسين للنصب، وإعلان شهاب باشا رغبته الزواج بشفيقة وكذلك حلاوتهم التي أعلنت أنها تود الزواج من موسى.
خطأ تاريخي بمشاهد كازينو شهرزاد في مسلسل موسى الحلقة 16
الخطأ الذي ظهر في مسلسل موسى الحلقة 16 جاء بملصق دعائي لفرقة الفنانة فوزية مختار في كازينو شهرزاد بالأربعينيات، إذ تمت الاستعانة بصورة بديعة مصابني على اسم فوزية مختار (التي لا وجود لها أصلاً).
الصورة الأصلية كانت لـ بديعة مصابني وهي صاحبة أشهر فرقة فنية حملت اسمها وتخرج منها معظم الفنانين في ذلك الوقت.
كانت بديعة مصابني تقدم فقراتها على عبر مسرح حلمية بالاس في عام 1947 م (زمن الحلقة 16 من مسلسل موسى).
كازينو شهرزاد .. تاريخ مجهول
كانت هناك دقة كبيرة في تعمد الكاتب ناصر عبدالرحمن أن يكون كازينو شهرزاد هو مكان السهر، كون أنه أشهر كباريهات وسط القاهرة في الأربعينيات.
لا يعرف الكثيرين أن كباريه شهرزاد بدأ بمشكلة قانونية سببت فضيحة لـ فؤاد سراج الدين وحكومة مصطفى النحاس باشا، حيث تم اتهامهما بأنهما أعطيا رخصة غير قانونية لكازينو شهرزاد مقابل رشوة لأعضاء حزب الوفد، وكانت صاحب الاتهام تقرير لجنة التحقيق الحكومية والذي نشرته جريدة الكتلة في 21 يوليو 1945 م.
فند فؤاد سراج الدين عبر صفحتين كاملتين من عدد جريدة البلاغ الصادر في 22 يوليو 1945 م الاتهام وبرأ نفسه بالتواريخ والوثائق من الاتهامات المتعلقة بأن كباريه شهرزاد مُنِح برخصة فيها رشوة للحكومة، وسماح فؤاد سراج الدين بتأسيس الكازينو وموافقته على لعبة الروليت لمساعدة الأيتام في حفلة خيرية ينظمها الكازينو.
حصيلة الأخطاء التاريخية في مسلسل موسى
بخطأ كازينو شهرزاد فقد وصل عدد الأخطاء التاريخية في مسلسل موسى إلى 3 حلقات موزعين على 16 حلقة.
الخطأ الأول كان في الحلقة الثالثة حيث سلاح شيخ البلد شداد إذ كان مدفع رشاش طومسون M1921 وهذا المدفع ظهر لأول مرة عام 1918 حين اخترعه جون تي تومسون واكتسب شهرة عالية في السينما الأمريكية خلال فترة ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، ولم يدخل مدفع رشاش طومسون مصر إلا في سنة 1940 م عن طريق بريطانيا وكان خاصًا بأفراد قوات الكومنولث في مصر وكان نموذجه هو Savage M1928s وتم توزيعه عليهم دون غيرهم.
أما الخطأ الثاني فكان في الحلقة العاشرة من المسلسل بمشهد الفنان صبري فواز وهو بالإسكندرية مع بسطويسي وجاء مساعده عادل وأخبره بأن الشيخ محمد رفعت حضر للإسكندرية ليتلو القرآن الكريم في مسجد سيدي بشر.
الخطأ الموجود في مسلسل موسى الحلقة العاشرة أن الحلقة دخلت في العام 1945 م (والحرب العالمية الثانية انتهت في الحلقة التاسعة)، والشيخ محمد رفعت أصيب بالمرض الذي أقعده عن التلاوة مطلع سنة 1942 م ولم يخرج من القاهرة للتلاوة في أي حفلات.
قالوا أنها أخطاء تاريخية وهي ليست كذلك
خلال 16 حلقة من المسلسل تم تداول عدد من الأخطاء التاريخية على مسلسل موسى لكنها في حقيقتها ليست أخطاءًا تاريخية.
الطوب الأبيض .. ليس بخطأ
الخطأ الأول المزعوم هو ظهور الطوب الأبيض في حلقات مسلسل موسى، وهذا ليس بخطأ لأن الطابوق الأبيض (إسم الطوب الأبيض وقتها) ظهر لأول مرة سنة 1929 في سويسرا ودخل مصر قبل الحرب العالمية الثانية برعاية إنجليزية بهدف بناء المعسكرات لأن الطوب الأبيض أرخص من طوب المحاجر المصرية التي استخدمها الإنجليز مجانًا.
وجود معسكرات في سوهاج .. ليس بخطأ
أما الخطأ الثاني وهو ليس بخطأ فيقول أن الإنجليز لم يدخلوا سوهاج لأن أهل ديروط قاوموهم، وهذه صحيحة لكن ليس لها صلة بأحداث مسلسل موسى، فالواقعة الصحيحة حدثت في 24 مارس سنة 1919 بينما أحداث موسى تدور في الأربعينيات.
ووثائق الأرشيف البريطاني قسم سجلات المستعمرات تقول أن المنطقة بين مركز البلينا سوهاج وأبو تشت خلال الحرب العالمية الثانية كانت قاعدة عسكرية جوية بسبب موقعها كمحطة نهاية للطريق المؤدي إلى ساحل البحر الأحمر، ولا زالت القاعدة موجودة باسم المستعمرة في قنا.
معبد فيلة وسوهاج .. ليس بخطأ ولكن
بينما الخطأ الثالث وهو ليس بخطأ متعلق بالمعبد إذ أن المسلسل تدور أحداثه في سوهاج وتم تصوير المعبد بفيلة في أسوان، والنقد هذا منطقيًا لكن له رد وهو أن في الفن هناك شيء اسمه الديكور المقارب، ومعبد فيلة يشبه إلى حد كبير معبد أبيدوس في مركز البلينا محافظة سوهاج، وتشير الوثائق الخاصة بوزارة الأشغال والري في عشرينيات القرن الماضي إن منطقة العرابة أصلاً كان فيها ترعة نيلية كبيرة قبل ردمها من أجل الطريق المعروف بطريق (السوحارة) بين الحرجتين (بحري وقبلي) والحبيل.
هجوم محمد الغيطي .. كلامه هو الخطأ
أما الخطأ الرابع وهو ليس بخطأ فكان ما قاله محمد الغيطي “الإنجليز مكنوش موجودين في الفترة دي هناك – يقصد سوهاج -، ويقروا (صناع العمل) المذكرات اللي اتكتبت عن المرحلة دي، زي مذكرات عبدالرحمن فهمي والنقراشي وأحمد باشا ماهر، مافيهاش الكلام دا”.
والرد أن النقراشي وأحمد ماهر لم يكتبا مذكرات أصلاً، بينما مذكرات عبدالرحمن فهمي «يوميات مصر السياسية» فهي مكونة من 43 ملف بـ 4640 صفحة فولسكاب وصدرت المذكرات في 3 أجزاء سنة 1988 عن مركز وثائق وتاريخ مصر المعاصر بتحقيق يونان لبيب رزق، والأجزاء تبدأ من يوم 18 نوفمبر سنة 1918 إلى 23 أغسطس سنة 1927 م؛ بينما أحداث مسلسل موسى بتبدأ من سنة 1942 م.
وبشأن تعامل الإنجليز مع الصعيد فقد اعترف الإنجليز بما نهبوه والتسهيلات التي قدمتها الحكومة المصرية وتفاصيلها موجودة في محضر اجتماع مجلس الوزراء سنة 1947 لإسهامات حكومات مصر في الحرب منذ بدايتها سنة 1939 إلى نهايتها والمحضر مطبوع في الأميرية ومحفوظ في أرشيف جامعة كولومبيا.
ويقول المحضر أن مصلحة المناجم والمحاجر قررت تسليم كافة منشآءتها للإنجليز في المقطم وسوهاج دون مقابل مع إمداد القوات البريطانية بالعمالة المصرية، ولا يدفع الإنجليز مقابلاً للكميات التي أخذوها من المحاجر والمناجم.
كذلك فإن الحكومات الخمسة لمصر وقت الحرب العالمية الثانية سلمت الإنجليز 597 فدان من الأراضي الزراعية في الدلتا والصعيد و16 ألف متر أراضي سكنية و635 ألف فدان أراضي صحراوية وإغراق مالا يقل عن 400 فدان أرض زراعية في الدلتا والصعيد.
كما أن الإنجليز استولوا من الدلتا على «108 ألف طن أرز سنة 1942 م، و 450 ألف طن ذرة و 20 ألف طن قمح و 4 آلاف طن شعير و50 ألف طن سكر مكرر في عام 1943 م، و170 ألف طن أرز و9 آلاف طن قمح و 450 ألف طن بصل و30 ألف طن سكر في الفترة من سنة 1944 وحتى 1945 م فيما استولت اليونان من الدلتا والصعيد في سنة واحدة على 8 آلاف طن قمح و 5200 طن عدس و 4 آلاف طن شعير وذرة و 4100 طن فاصوليا و1000 طن فول».
المخدرات في غزة
الحلقات المتعلقة بغزة والمخدرات أثارت جدلاً عند الفلسطينيين بحجة أن هذا لم يحدث، وبصرف النظر عن أن المسلسل من خيال المؤلف فإن أحداث الحلقات تدور في الفترة من سنة 1946 و 1947 م، وخلال تلك الفترة كانت هناك تجارة مخدرات وتهريب أفيون من غزة إلى مصر والعكس.
رصدت جريدة الدفاع الفلسطينية عدد السابع عشر من كانون الثاني 1947 عن ضبطية كبيرة للمخدرات في منطقة بيارة المزيني بغزة تحتوي على 12 آقة من الأفيون و72 أقة من الحشيش، وتورط فيها مواطن من غزة اسمه جورج حنا جبور وشرطي بيريطاني إسمه ثيرو وجندي بريطاني اسمه أنطوني ستلفتون، وتعرضا للمحاكمة في شهر آيار من العام نفسه ونظر قضيتهما القاضي الفلسطيني السيد رزق حلزون.
نشطت عمليات تهريب المخدرات من غزة لـ مصر بعد الحرب العالمية الثانية وحتى منتصف الخمسينيات لدرجة أزعجت السلطات المصرية، وفي جريدة ألف باء السورية بتاريخ 11 حزيران 1954 تفاصيل حول تلك الضبطيات وطرق التهريب لدرجة جعلت مدير مكتب مكافحة المخدرات في مصر وكان وقتها اسمه عبدالعزيز صفوت يطلب بتشكيل لجنة دولية للحد من عمليات التهريب.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال