مصطفى صادق الرافعي حجة العربية ونابغة الأدب .. سيرة ومسيرة

جاء في كتاب حياة الرافعي لـ محمد سعيد العريان أن مصطفى صادق الرافعي سوري الأصل مصري المولد فأسرته من طرابلس الشام يعيش فيها أهله إلى الآن وبنو عمه ولكن مصطفى الرافعي ولد في مصر وعلى ضفاف نهر النيل عاش أبوه وجده .

اقرأ أيضًا 
نهاية الرجل الإنجليزي الذي اشترى أسهم مصر في قناة السويس لصالح بريطانيا

وكان يرى كل بلاد العرب والإسلام بلاده ووطنه حتى أن خصومه من الأدباء يتهموه في وطنيته أعني مصريته فكان الرافعي يستمع إلى ما يقولون عنه فكان يغضب أحيانا ويسخر أحيانا ويقول : أفتراهم يتهمونني في مصريتي لأنني في زعمهم غير مصري وفي مصر مولدي وبها رفات أبي وأمي وجدي .

مصطفى صادق الرافعي السيرة والمسيرة في الجذور

 ولد مصطفى صادق الرافعي في يناير سنة 1880 أرادت أمه أن تكون ولادته في بيت أبيها في قرية بهتيم ،دخل الرافعي المدرسة الابتدائية في دمنهور حيث كان والده قاضيا بها، وحصل على الشهادة الابتدائية بتفوق ثم أصيب بمرض يقال أنه التيفود أقعده عدة شهور في سريره وخرج من هذا المرض مصابًا في أذنيه، واشتد به المرض حتى فقد سمعه نهائيا في الثلاثين من عمره.

لم يحصل الرافعي في تعليمه النظامي على أكثر من الشهادة الابتدائية، مثله مثل العقاد في تعليمه، فكلاهما لم يحصل على شهادة غير الشهادة الابتدائية. كذلك كان الرافعي صاحب عاهة دائمة هي فقدان السمع، ومع ذلك فقد كان الرافعي من أصحاب الإرادة الحازمة القوية فلم يعبأ بالعقبات، وإنما اشتد عزمه وأخذ نفسه بالجد والاجتهاد، وتعلم على يد والده وكان أكثر عمل عائلته في القضاء.

أول رأس في أسرة الرافعي هو المرحوم الشيخ عبدالقادر الرافعي الكبير المتوفي 1230 هجري في طرابلس ويتصل نسبة لسيدنا عمر بن الخطاب ، وأول من دخل مصر من هذه الأسرة هو الشيخ محمد طاهر الرافعي سنة 1827 ميلادي وتولى قضاء الحنفية في مصر بأمر من السلطان العثماني  وتوافد اخواته وابناء عمومته الى مصر وتولو فيها القضاء حتى جاء يوم وأصبحوا في مصر 40 قاضيا من أسرة الرافعي وحده فكانت أسرة قضائية عريقة .

ووالد الأستاذ الرافعي هو المرحوم الشيخ عبدالرازق الرافعي  كان رئيسا لمحكمة طنطا الشرعية وظل بها حتى مات فيها عن عمر ناهز 57 عاما وكان له من الأولاد والأحفاد أكثر من سبعين ولدا وبنت على الرغم من أنه لم يتزوج غير مرة واحدة ولد له منها احد عشر ولد وفتاة ، وظلت طنطا موطنا له ولأولاده من بعده وقد حاول مسؤلين من وزارة الحقانية عن إيجاد إقامة أخري لمصطفى صادق الرافعي وأبناءه لكنه كان يسعى لإلغاء أي وسيلة تجعله يترك طنطا لتعلقه الشديد بطنطا وبالبلد التي فيها رفات أبيه وأمه وجدوده ولتعلقه الشديد بالسيد أحمد البدوي .

فقد ذكر العريان في حياة الرافعي أن الرافعي كانت له صلة روحية شديدة بالسيد البدوي ترتفع عن الجدل والمناقشة وله فيه مدائح وتوسلات شعرية كثيرة وكان الرافعي إذا أمّ مسجد البدوي للصلاة اتخذ مجلسه تحت القبة فلا يمل الجلوس ساعات يقرأ ويدعو وعيناه مسبلتان فإذا فرغ من دعائه وتلاوته رفع رأسه ومسح بيده على صدره ثم يمضي وشفتاه تظل تتحرك بكلام …وكان بيت الرافعي قريب من مسجد السيد البدوي في حارة سيدي سالم وهي حارة قديمة يقال أن السيد البدوي قد أوى إليها عندما جاء إلى طنطا وكانت إلى عهد قريب هي مجمع الأسر العريقة والأعيان من أحباب السيد البدوي .

في إبريل سنة 1899 عُين الرافعي كاتباً بمحكمة طلخا الشرعية بمرتب شهري 4 جنيهات وساعده في الحصول على هذه الوظيفة ما كان لأسرته من جاه فكان لأسرته يد بيضاء على كل قضاة طنطا فلم يكن منكوراً في الوسط القضائي .

الحب عند الرافعي ومؤلفاته 

لم تكن محبوبة الرافعي إنسانة بعينها يناديها باسمها ويعرفها بصفتها بل كانت محبوبته صورة في نفسه من صنع أحلامه ،يرى في كل وجه فاتن لمحة من جمالها وفي كل طلعة مشرقة بريقا من فتنتها وفي كل نظرة وابتسامة معني من معاني الحبيبة النائمه في قلبه وفي أمانيه فمضى ينتقل من زهرة إلى زهرة عفيف النظر والشفة واللسان .

لم يكتفي الرافعي بالشعر فقد انصرف عنه بالكتابة في النثر ومن مؤلفاته : ديوان الرافعي: (ثلاثة أجزاء) صدرت طبعته الأولى بين سنتي 1903و 1906 م وقدم لكل جزء منها بمقدمة في معاني الشعر تدل على مذهبه ونهجه، وهي مذيلة بشرح يُنسب إلى أخيه محمد كامل الرافعي وإنما هي من إنشاء الرافعي.

ملكة الإنشاء: كتاب مدرسي يحتوي على نماذج أدبية من إنشائه، أعدّ أكثر موضوعاته وتهيأ لإصداره في سنة 1907، ونشر منه بعض النماذج في ديوان النظرات، ثم صرفته شؤون ما عن تنفيذ فكرته فأغفله، وقد ضاعت أصوله فلم يبق إلا النماذج المنشورة منه في ديوان النظرات.

إعجاز القرآن والبلاغة النبوية: (وهو الجزء الثاني من كتابه تاريخ آداب العرب)، وقد صدرت طبعته الأولى باسم إعجاز القرآن والبلاغة النبوية عام 1928 م.

حديث القمر: أول ما أصدر الرافعي في أدب الإنشاء، وهو أسلوب رمزي في الحب تغلب عليه الصنعة، أنشأه بعد رحلته إلى لبنان في سنة 1912 حيث التقى لأول مرة بالآنسة الأديبة ماري يني

رسائل الأحزان: كتاب أنشأه في سنة 1924 يتحدث فيه عن شيء مما كان بينه وبين فلانة، على شكل رسائل يزعم أنه من صديق يبثّه ذات صدره.

السحاب الأحمر: هو الجزء الثاني من قصة حب ، أو الطور الثاني من أطواره بعد القطيعة، صدر بعد رسائل الأحزان بأشهر.

إقرأ أيضا

ناقوس الخطر يدق العالم مع حقبة اضطرابات متزايدة

وله أيضا كتاب تحت راية القرآن  في الرد على كتاب طه حسين الشعر الجاهلي ومعاركه مع طه حسين مشهورة .

ومن أروع ما كتب في الحب كتاب أوراق الورد: وهو الجزء الأخير من قصة حبه، يقوم على رسائل في فلسفة الجمال والحب أنشأها ليصور حالاً من حاله فيما كان بينه وبين فلانة، ومما كان بينه وبين صديقته الأولى صاحبة حديث القمر؛ وله رسائل الرافعي ووحي القلم في ثلاثة أجزاء .

دفاعه عن القرآن

وفي مجموع مقالاته والتي سميت بوحي القلم دافع مصطفى الرافعي عن القرآن الكريم فقد اعترض أحدهم على قوله تعالى ” ولكم في القصاص  حياة يأولى الألباب ” وقال هذه كلمات أربع فأين هذا الإيجاز والإعجاز الذي تتكلمون عنه في القرآن ؟ إنه من الأولى أن نقول ” القتل أنفى للقتل ” كما كانت تقول العرب .

فرد عليه مصطفى الرافعي قائلا : إن هذه الكلمة إذا ما أردنا أن نقارنها فعلينا أن نقارنها بما يقالبها لا بما يزيد عليها في المعنى من القرآن الكريم والذي يقابلها من القرآن الكريم ” القصاص حياة” .

ويكمل الرافعي رده ويقول : أن التكرار في المثل العربي ” القتل أنفى للقتل ” فقد تكرر لفظ القتل مرتين ولم يتبين من المثل كنه القتل الأول أو الثاني أما كلمة القصاص فقد تبين منها أن القتل الأول وقع ظلماً وتعديا من القاتل على القتيل وأن القتل الثاني جاء عقوبة وهناك فارق بين الظلم والعقوبة .

والقتل أنفى للقتل هذا تعبير خطأ في المعنى لأن القتل لا يمنع القتل بل يبعث على القتل أما القصاص فإنه يوقف ثوران الفتن التي يحاول فيها المظلوم أن يأخذ بثأره من الظالم والقصاص يكون أمام القضاء ويكون بعد الإثبات وكذلك بعد إعطاء الإنسان حقوقه في نفي التهمة عن نفسه والقاضي وحده هو الذي يثبت أو لا يثبت الجريمة التي تستحق القصاص .